محمد أحمد كيلاني
لا توجد مؤسسة تمثل ثقافة الرعاية الصحية للمجتمع، في الوقت الحالي، بشكل أفضل من المستشفى، فهي المكان الذي يتم فيه تجميع نتائج العلم لخدمة المرضى، ففي وقتنا الحالي، تتمتع المستشفيات بخصوصياتها من حيث الهيكل، فهي تتكون من ثلاث مستويات، المستوى السياسي (نموذج الإدارة)، والإقتصادي (نموذج التمويل)، والتقني (نموذج الرعاية)، ومع ذلك، لا علاقة لشكل المستشفى الحالي بمسارها عبر التاريخ، فكان من الضروري الإنتظار حتى العصور الوسطى حتى تصبح كلمة مستشفى، الكلمة المُشتقة من (hospitale) في اللاتينية شائعة، فلنتعرف على أول مستشفى تأسست في التاريخ.
أول مستشفى في التاريخ.. أكثر من سبعة وعشرين قرنا
لقد انتشرت حضارة وادي السند وازدهرت في في شبه القارة الهندية، بين عامي 3300 و1300 قبل الميلاد، وفي القرن السادس، عَين بوذا طبيبًا لكل عشر قرى وبنى أول مساحة في التاريخ مخصصة لرعاية المعوقين والفقراء.
وفي وقت لاحق، تم بناء ملاجئ خاصة للمرضى والحوامل، ومن هنا انتشرت فكرة تشييد المباني المماثلة، وفي عام 437 قبل الميلاد، كانت هناك بالفعل مستشفيات في جزيرة سيلان أيضًا.
وفي القرن الثالث قبل الميلاد، أمر الإمبراطور العظيم “أشوكا”، في الهند، ببناء مستشفيات ذات خصائص شبيهة بالمستشفيات الحديثة، حيث أمر الأطباء بعلاج المرضى بلطف، وتم إعداد الأدوية بعناية، والاهتمام بنظافة المرضى والمكان، وما إلى ذلك.
في بعض المستشفيات لا يمكن للمصابين بمرض خطير “الدخول”
في العصور القديمة، تم استخدام المعابد اليونانية والرومانية المرتبطة “بأسكليبيوس” كمستشفيات، فقد وفرت مأوى للمرضى ضمن عقلية دينية سحرية.
وقد كانت هذه المراكز تقع في وسط الطبيعة وتحيط بها الحدائق التي كان الكهنة يزرعون فيها نباتات مقدسة (طبية)، وكان لديهم مسرح، حيث يتم تقديم العروض للأغراض العلاجية ومكتبة مخصصة للمرضى.
واعتَبر كهنة هذه المعابد الأفاعي مقدسة، وهي حيوانات تحتوي على قوى سحرية وتستخدم ألسنتها لتنظيف قرح المرضى.
وقد تواجد في معبد أسكليبيوس “ببيرغاموم” نقش على المدخل مكتوب خلاله “لعظمة جميع الآلهة، يحظر الموت من دخول هذا المربع المقدس”.
وعلى ما يبدو، فقد تم فحص المرضى عند البوابة الكبرى وتم منع جميع الذين اعتبروا غير قابلين للشفاء من الدخول، وكذلك النساء الحوامل، وذلك لمنع وفاة أي شخص في المعبد.
وكان العلاج في هذه المعابد مجانيًا، على الرغم من أن المرضى اعتادوا على تقديم القرابين، وفقًا لإمكانياتهم، كدليل على الإمتنان.
أول مستشفى في أوروبا
خلال الإمبراطورية الرومانية، اكتسب الأطباء كرامة الفروسية وكان للجيش هيئة طبية جيدة التنظيم، وكان الرومان هم مبتكرو كلمة فالتوديناريا، (باللاتينية – valetu)، والتي تعني صحة جيدة، والمستشفيات الواقعة على حدود الإمبراطورية كانت من أجل الجنود بشكل حصري.
ومع مرسوم قسطنطين عام 335 م، تم حظر عبادة أسكليبيوس، وإنشاء أماكن مُمولة إما من قِبل مبادرة عامة أو من النبلاء الأغنياء.
وأول ما أمر “الإمبراطور جستنيان” ببنائه في قيصرية، هي المستشفى الكبير (Basleias) في سان باسيليو، وهي المستشفى المخصص للمرضى وكبار السن والأيتام.
وطوال القرن السادس في الإمبراطورية البيزنطية، تم إنشاء مؤسسات مختلفة، وذلك اعتمادًا على الخدمات التي كانت تُقدمتها، مثل، منازل المسنين، ومأوى الأجانب، ومأوى الحجاج ودار لذوي الاحتياجات الخاصة.
ومن بين تلك المبادرات الخاصة، برزت تلك التي أمرت المربية الرومانية “فابيولا” ببنائها في نهاية القرن الرابع في روما، لقد كانت بيتًا للمرضى حرفيًا، وكان يهدف إلى مساعدة المسيحيين المرضى والفقراء، وعلى ما يبدو، كانت هي التي تلتقطهم وترعاهم شخصيًا، وبهذه الطريقة أصبحت أول مستشفى مسيحي عام ومجاني في التاريخ.
وفي شبه الجزيرة الأيبيرية، أنشأ الأسقف القوطي “ماسونا” “مستشفى نوسوكوميوم” في ميريدا، وكان بها أطباء وممرضات، فقد كانت مُنظمة رعاية مُتكاملة.
أول المستشفيات في الشرق الأوسط
كان لا بد من الإنتظار حتى القرن السادس عشر، حتى نرى أول مستشفى تجمع بين تدريس الطب ورعاية المرضى، وتم بناؤها من قبل المسيحيين النسطوريين في مدينة جونديسابور، في إيران الحالية.
وفي عام 707 أسس الخليفة الوليد مستشفى في دمشق، وبعد فترة وجيزة كان هُناك مستشفى آخر مماثل في بغداد والقاهرة.
وكانت تسمى المستشفيات الإسلامية “بيمارستان”، وهي تعني منزل المرضى بالفارسية، وقد كانت مركزًا يتم فيه الترحيب بالمرضى ورعايتهم من قبل موظفين مؤهلين.
وكان البيمارستان الأكثر شهرة هو الذي تأسس في القرن الثاني عشر في دمشق تحديدًا عام 1160، والذي قدم العلاجات مجانًا لمدة ثلاثة قرون.
أقرأ أيضاً.. العمليات الجراحية في عصور ما قبل التاريخ