محمد أحمد كيلاني
ماهي أطول حضارة في التاريخ؟! إذا طُرح هذا السؤال فسوف يفكر الكثيرون في بلاد ما بين النهرين أو مصر أو حتى الحضارة الرومانية، لكن الإجابة على هذا السؤال أصعب مما تبدو إليك، فدعونا هنا في “مستبشر” نقربكم من أحد أكثر الأسئلة صعوبة في التاريخ.
ما هي أطول حضارة في التاريخ؟
هل تريد الجواب القصير؟ في هذه الحالة: الحضارة الأطول عمرًا في التاريخ هي الحضارة الصينية، لكن هذه الإجابة غير كاملة، ولا معنى لها من وجهة نظر المؤرخين، وبالتالي يمكن اعتبارها خاطئة.
ويا لها من متعة أن نتحدث عن الصعوبات التاريخية التي واجهها المؤرخون على طول الطريق، ودراسة الماضي ينظر إليها الجمهور على أنها نوع من القصص، فهي ذات بداية ووسط ونهاية، ويمكن من خلالها تنظيم المراحل المختلفة و”الحضارات”. وإذا كنت تفضل إجابة أكثر دقة، استمر في القراءة.
لا يمكن اعتبار تاريخ الصين بمثابة حضارة واحدة
من المناسب أن نطرح على أنفسنا السؤال الموجود في العنوان، لكن هناك عدة توضيحات ضرورية قد تكون معقدة بالنسبة لأولئك الذين هم أقل قراءة للتاريخ، حيث يشرحون كيفية بناء التاريخ.
“القصة ليست كما هي، بل هي ما يقولونه لك”.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يجب أن تعلم أن المؤرخين قسموا الماضي إلى فترات لتسهيل فهمه ودراسته، لكن، بطبيعة الحال، فإن الفصل بين العصور الوسطى والعصر الحديث ما هو إلا حيلة، فلم ينام أحد في القرن الخامس عشر يومًا ما ويعيش في العصور الوسطى ويستيقظ في العصر الحديث في اليوم التالي.
فإن العمليات التاريخية أكثر تعقيدًا وتدريجية، ولكن وفقًا لمفاهيمنا الحالية، فإننا نقسم موضوعًا غير مفهوم مثل التاريخ إلى أجزاء يسهل التحكم فيها، وإلى حد كبير، يحدث الشيء نفسه مع مصطلح “الحضارات”.
أقرأ أيضاً.. فترات من التاريخ المصري.. دولة تسقُط وسرعان ما تَنهض أقوى!
ما هي الحضارة؟
وفقًا للقاموس، يتم تعريف مصطلح “الحضارة” على أنها “مجموعة العادات والمعارف والفنون النموذجية للمجتمع البشري”، وأيضًا على أنها “مرحلة التقدم المادي والاجتماعي والثقافي والسياسي النموذجي” في المجتمعات المتقدمة، ويميل كلا المعنيين إلى الاختلاط عندما يسأل الجمهور عن حضارة من الماضي.
وهذه إحدى المشكلات التي يواجهها العلماء، فلا يوجد إجماع بين الخبراء حول ماهية الحضارة، بل هناك تعريفات عديدة وبالتالي إجابات مختلفة عندما يتعلق الأمر بإيجاد التعريف الأكثر ديمومة.
ولكن حتى لو كان هناك تعريف واحد مقبول، فسوف نواجه مشاكل في تفسير السبب وراء كون الإجابة المختصرة لا معنى لها بالنسبة للمؤرخين.
لنفترض مثلاً أننا نتفق على أن مصر وبلاد ما بين النهرين والصين هي حضارات، فلقد خضعت الخيارات الثلاثة لتغييرات عبر تاريخها مع الحكومات الأجنبية، واختلاف المعتقدات الدينية والتنوع في العادات التي من شأنها أن تقسم الحضارة إلى أقسام يمكن أن نعتبرها أيضًا حضارات.
علاوة على ذلك، لا بد من الأخذ في الاعتبار أن مصطلح “الحضارة” بدأ يستخدم من قبل الغربيين في ظل مفهوم استعماري يميز بين المجتمعات المتحضرة وغير المتحضرة، وهو تسلسل هرمي لا علاقة له بدراسة الماضي الذي يبحث عن الموضوعية، ولهذا السبب يتحدث المؤرخون حاليًا أكثر عن “الثقافات”.
أطول حضارة في التاريخ.. لا توجد إجابة سهلة
تقودنا هذه التناقضات إلى المشكلة التالية، وهي العناصر التي نختارها لتعريف الحضارة، مثل، موقعها الجغرافي، كتابتها، دينها، بنيتها السياسية، وكل هذه العناصر تميل إلى التغير مع مرور الوقت.
فإن تاريخ مصر ليس عملية متجانسة، بل إنه يشتمل على تطور مع توسعات وتقليص الأراضي الخاضعة للسيطرة، وتغييرات دينية، بعضها جذري مثل تلك التي أدخلها الفرعون أخناتون، والصعود والهبوط المتتالي على عرش الأسر المصرية.
وهناك من يتتبع وجود مجتمع صيني قبل 5000 سنة استنادا إلى بقايا آثار من العصر الحجري الحديث، وهذا يعادل القول بأن الحضارة الإسبانية يعود تاريخها إلى 50 ألف عام بسبب البقايا الموجودة في أتابويركا، وهذا خطأ بالطبع.
ولعلنا في نهاية الموضوع أن نسأل هل انتهت الحضارة الرومانية بسقوط روما عام 476؟ أم أنها انتهت عام 1453 مع سقوط القسطنطينية؟ إنها حقائق مختلفة ولهذا السبب نتحدث عن الإمبراطورية الرومانية بمفاهيم مختلفة مثل روما القديمة أو الإمبراطورية الغربية أو الإمبراطورية البيزنطية.
فالماضي متنوع ومعقد، وإن السؤال عن الحضارة الأطول عمرا في التاريخ له إجابة قصيرة ولكنها خاطئة، كما ذكرنا سابقًا.
أقرأ أيضاً.. أعظم الإمبراطوريات في التاريخ.. فترات الهيمنة المُنفردة