محمد أحمد كيلاني
إذا تحدثنا عن أبرز الأطباء، سيأتي إلى أذهاننا أطباء مثل، ألكسندر فلمنج، وسانتياغو رامون، إي كاجال، وسيغموند فرويد، وغريغوريو مارانيون، أو مجدي يعقوب، ولكن لمقابلة “الطبيب الأول” علينا أن نسافر إلى أبعد من ذلك بكثير، إلى التاريخ القديم ومحاولة التعرف على أول طبيب في التاريخ.
أهمية الطب للحضارة الإنسانية
في مقابلة، تم سؤال عالمة الأنثروبولوجيا الأمريكية الشهيرة “مارغريت ميد“، عن أول علامة من علامات الحضارة الإنسانية، وكان من المتوقع أن تجيب، بأنه عند صُنع أدوات مثل، الحجر الطيني، أو وعاء، أو حتى خطاف.
ومع ذلك، أوضحت ميد رأيها بمثال بسيط، ففي مملكة الحيوانات مثلا إذا كسرت ساق حيوان، فأنه ميت بكل تأكيد، فلا يمكنه الحصول على الطعام أو الماء، وعلاوة على ذلك، لا يمكنه الهروب من الحيوانات المفترسة.
والاستثناء هم البشر، فلدينا نماذج لأسلافنا الذين عاشوا في عصور ما قبل التاريخ والذين عانوا من كسر في الفخذ، وانتهى بهم الأمر إلى الشفاء، وهو ما يفسر لنا بشكل غير مباشر أن شخصًا ما بقي بجانب المريض ورعاه وقدم له كل ما يحتاجه، حتى تمكن من المشي مرة أخرى، هؤلاء الأشخاص المجهولون هم أول أطباء في تاريخ البشرية، وهم أول رمز من رموز الحضارة الإنسانية، فلا حضارة بدون طب.
والد الطب وأول طبيب معروف في التاريخ
في القرن الخامس قبل الميلاد، عاش “أبقراط” وهو والد الطب، ومبتكر القسم الطبي المعروف الذي يحمل اسمه، ولأول مرة في تاريخ الطب، رفض هذا الطبيب اليوناني الخرافات والسحر وقوة الآلهة كأصل للأمراض، مدافعًا عن ضرورة البحث عن تفسير جسدي وعقلاني لها، وحل الأمور بطريقة علمية.
وبعد ما يقرب من قرنين من الزمان، عاش طبيب أولي آخر وهو الهندوسي “سوشروتا او ساسروتا، والذي كتب مجلد ووصف فيه أكثر من ألف مرض وسبعمائة نبتة طبية في جميع فصوله البالغ عددها 184 فصلًا، ويعرف الكتاب بإسم، مجمع معارف ساسروتا.
وكان هذا الطبيب جراحًا مشهورًا أسس الأيورفيدا، علم الحياة الصحيحة أو معرفة الحياة، وهو الاسم الذي يُعرف به الطب الهندي التقليدي.
الحضارة المصرية وأول برديات طبية
وعلى الرغم من العصور القديمة التي ذكرنا فيها تواجد هؤلاء الأطباء، علينا أن ننظر إلى أبعد من ذلك بكثير وخصوصًا في الحضارة المصرية العظيمة، لنشهد على ولادة “بردية إيبرس”، وهي واحدة من أقدم الأطروحات الطبية المعروفة.
وقد كُتبت في عهد الملك “أمنحتب الأول“، من الأسرة الثامنة عشرة، حوالي 1500 قبل الميلاد.
وتحتوي بردية إيبرس على أطروحة عن القلب، والتي تسلط الضوء على غلبة هذا العضو في الطب المصري، ويتم وصف الاضطرابات النفسية، كما تم تقديم توصيات بشأن وسائل منع الحمل، ويتواجد في البردية تضمين لوصفات سحرية من أجل التعامل مع أمراض معينة.
وهكذا، على سبيل المثال، يُشار إلى أن حليب الأم التي ولدت حديثًا يمكن أن يعالج الحروق.
وهناك بردية أخرى، وهي بردية سميث التي أقدم من إيبرس، حيث يرجع تاريخها إلى حوالي 1600 قبل الميلاد، ويعتقد أنها نسخة من بردية قديمة يمكن أن تتوافق مع “الكتاب السري للطبيب” الذي يُنسب تأليفه إلى المهندس المعماري إمحوتب، الذي يعرف على أنه بالفعل أول طبيب في التاريخ حسب الكثير من المصادر، فلنتعرف عليه أكثر.
الرجل الحكيم الذي ولد على ضفاف نهر النيل
لقد كان إمحوتب طبيبًا ومهندسًا ومعماريًا وعالم فلك، وكان حكيمًا بالمعنى الحرفي للكلمة، وكانت معرفته بجسم الإنسان والأمراض موضع ترحيب كبير لدرجة أنه بعد وفاته ارتقى إلى مرتبة إله الطب والحكمة، ووعادة ما يتم تصويره جالسًا، مثل الكتبة، وتتواجد بردية على ركبتيه.
ويعتبر إمحوتب حاليًا من أقدم الأطباء المصريين المعروفين، فقد عاش وعمل خلال الأسرة الثالثة للمملكة القديمة، أي حوالي عام 2650 قبل الميلاد، وكان المهندس المعماري للفرعون زوسر الذي بنى له هرم سقارة الشهير.
أول طبيب في التاريخ من بلاد ما بين النهرين
يتم الاحتفاظ بختم من بلاد ما بين النهرين لأور لوغال الدين، وهو طبيب عاش في الألفية الثالثة قبل الميلاد ويحمل حتى الآن لقب أقدم طبيب معروف في متحف اللوفر بباريس.
وبفضل الألواح المسمارية السومرية، نعلم أن أطباء بلاد ما بين النهرين قد حلقوا رؤوسهم وأن هناك ثلاثة أنواع من “المتخصصين” مع وظائف محددة تمامًا، وسُميت، بارو، وأسيبو، وآسو.
وقد كان البارو مسؤولاً حصريًا عن إجراء التشخيص، وكان الأسيبو معادلاً لما نطلق عليه اليوم السحرة أو المعالجين، حيث كانوا مسؤولين عن تلاوة الصلوات والهتافات لطرد الشياطين، وأخيراً، كان هناك أسو، وهم الأطباء الذين استخدموا النباتات الطبية لعلاج الأمراض.
فعندما كان يمرض رجل من بلاد ما بين النهرين، كان أول ما كان على الطبيب فعله هو تحديد الشيطان الذي تسبب في المرض، لذلك لجأ إلى تقنيات العرافة مثل طيران الطيور أو موضع النجوم أو الرسم الذي يتم بواسطة قطرة من الزيت على وعاء به ماء.
وفي بعض الحالات، يتم التضحية بحيوان لتحليل كبده، وهي تقنية تُعرف باسم تنظير الكبد، لأنه كان يُعتقد أن هذا العضو هو المكان الذي تعيش فيه الروح.
وللإشارة إلى المرض، استخدم سكان بلاد ما بين النهرين كلمة “شيرتو” (shertu)، والتي تعني أيضًا الخطيئة والنجاسة الأخلاقية والعقاب الإلهي، والتي تكشف عن العلاقة الجوهرية الموجودة بين المرض والخطيئة.
فقد كان دائمًا الطب والحضارة البشرية جنبًا إلى جنب في كل الممالك والحضارات والمجتمعات القديمة.
أقرأ ايضاً.. أول مستشفى في التاريخ.. ما هي وأين تأسست؟