محمد أحمد كيلاني
بولنيس، إحدى القرى الأكثر عزلة في إسبانيا، تقع في قلب جبال بيكوس دي يوروبا، على ارتفاع 649 مترًا فوق سطح البحر، تمتاز هذه القرية الصغيرة بتفردها وجمالها الطبيعي الذي يبدو كأنه مرسوم بيد فنان. بعيدًا عن ضوضاء الحياة الحديثة، تقدم بولنيس ملاذًا مثاليًا لعشاق الطبيعة والهدوء، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بجمال الطبيعة البكر والهدوء الذي ينقلك إلى عالم آخر، على مر العصور، كان عزل القرية عن العالم الخارجي هو السر وراء حفاظها على تقاليدها وطابعها الأصيل، ما جعلها مكانًا يحتفظ بسحره الذي لا يقاوم.
قصة بولنيس.. قرية احتفظت بزمنها
لعدة قرون، لم يكن هناك سبيل للوصول إلى بولنيس سوى عبر مسارات جبلية ضيقة ووعرة، وهو ما زاد من عزلتها وجعلها بمثابة جوهرة مخفية في قلب جبال أوروبا، لقد كان هذا الانعزال هو الذي حافظ على تقاليدها العريقة وجمالها الطبيعي، حتى السيارات لم تصل إلى هذه القرية، فلا توجد طرق معبدة تقود إليها، بل شوارع ضيقة مرصوفة بالحجارة تحكي قصص العصور القديمة، قد تبدو الحياة في بولنيس صعبة للبعض، خاصة وأن عدد سكانها لا يتجاوز الثلاثين شخصًا، إلا أن هذا ما يمنحها سحرها الفريد، حيث يبدو أن الزمن قد توقف هنا، مما يجعلها مكانًا مثاليًا للهرب من صخب الحياة العصرية.
تقسيم القرية وطبيعتها الخلابة
تنقسم بولنيس إلى قريتين صغيرتين: العليا والسفلى، كل منهما تتميز بجاذبيتها الفريدة وسحرها الخاص، تزين جميع المنازل هناك بأسقف من القرميد الأحمر وشرفات خشبية، تعكس الطابع الأستوري التقليدي، تحيط بها مناظر طبيعية خلابة تجمع بين القمم الشاهقة والوديان الخضراء، مما يجعلها وجهة مثالية لمحبي الطبيعة والراغبين في الابتعاد عن صخب الحياة الحديثة، تضفي هذه البيوت الطابع الريفي الأصيل على القرية، مما يجعلها تبدو كأنها خرجت من لوحة فنية قديمة، وعند التجول في شوارع بولنيس الضيقة، ستجد نفسك محاطًا بجمال الطبيعة في كل زاوية، حيث تصطف الأزهار الموسمية على النوافذ، وتنتشر الروائح العطرة في الهواء.
كيف تصل إلى بولنيس؟
- الخيارات المتاحة: الوصول إلى القرية يتطلب تخطيطًا واستعدادًا جيدًا، حيث لا يمكن الوصول إليها إلا سيرًا على الأقدام أو عبر القطار المعلق (الفونيكولار).
- التجربة المغامرة: تبدأ رحلة المشي من بونسبيس، وهي قرية صغيرة تبعد حوالي 45 دقيقة بالسيارة من كانغاس دي أونيس.
- من هناك، يمكن للمغامرين الانطلاق في رحلة مشي لمسافة 5 كيلومترات عبر مسار متعرج يمر بمناظر طبيعية خلابة، مثل وادي كيريس.
- التجربة الهادئة: لأولئك الذين يفضلون الراحة، يمكنهم اختيار الفونيكولار، الذي افتتح في عام 2001، وهو قطار معلق ينقل الزوار عبر نفق داخل الجبل في رحلة تستغرق 7-8 دقائق فقط، يوفر هذا الخيار راحة وسهولة للوصول إلى بولنيس، وهو مناسب للعائلات والأطفال، يعد الفونيكولار إنجازًا هندسيًا مهمًا، حيث غيّر حياة سكان القرية بشكل كبير، ولم يعد هذا القطار وسيلة لنقل السياح فقط، بل أصبح وسيلة حيوية لنقل المواد الغذائية والاحتياجات اليومية للسكان.
ماذا تفعل في بولنيس؟
عند وصولك إلى بولنيس، ستجد نفسك في عالم مختلف، حيث تتيح لك القرية فرصة استكشاف حياتها البسيطة والمتواضعة، يمكن للزوار التنزه في شوارع القرية المرصوفة بالحجارة، حيث تصطف المنازل التقليدية المزينة بالزهور الموسمية التي تضفي طابعًا ساحرًا على المكان، تعد بولنيس مكانًا مثاليًا لمحبي المشي والتمتع بالطبيعة، إذ يمكنهم الصعود إلى مرصد بولنيس والاستمتاع بمشاهدة قمة تورري سيريدو، والتي تعد واحدة من أكثر القمم روعة في جبال بيكوس دي يوروبا، إلى جانب التنزه في أرجاء القرية، يمكن للزوار الاستمتاع بتجربة تناول الطعام في أحد مطاعم القرية الثلاثة، حيث تقدم أطباقًا تقليدية مستوحاة من التراث الأستوري.
وجهة المغامرين.. نارانخو دي بولنيس
من القرية، يمكن الوصول إلى قمة بيكو أرييلو، المعروفة أيضًا باسم نارانخو دي بولنيس، والتي تعد الوجهة الأكثر شهرة بين متسلقي الجبال في بيكوس دي يوروبا، ترتفع هذه القمة إلى 2519 مترًا، وتشتهر بلونها البرتقالي عند الغروب، ما يجعلها من المعالم الطبيعية الفريدة في إسبانيا، تشتهر نارانخو دي بولنيس بتضاريسها الوعرة التي تجذب المتسلقين من جميع أنحاء العالم، حيث يمثل تحديًا كبيرًا بسبب جدرانها الرأسية، خاصة الجهة الغربية منها، هذه القمة التي تشكلت من الحجر الجيري نتيجة لعوامل التعرية والنشاط التكتوني، أصبحت رمزًا طبيعيًا لإسبانيا، ويعتبر الوصول إليها إنجازًا في حد ذاته.
رحلة عبر الزمن.. حياة القرية قبل الفونيكولار
من المثير التفكير في كيفية الحياة في القرية قبل وصول الفونيكولار، حتى عام 1988، لم تكن هناك كهرباء في القرية، وكانت الحياة تعتمد بالكامل على الموارد الطبيعية والعمل الشاق، كان الوصول إلى بولنيس يتطلب رحلة شاقة عبر الجبال، حيث لم يكن هناك أي وسيلة حديثة للتنقل، هذا العزلة التي عاشتها القرية على مر السنين ساعدت في الحفاظ على طابعها الأصيل وتقاليدها القديمة، التي تبدو واضحة في كل زاوية من زوايا القرية، سواء في تصميم البيوت أو في حياة السكان اليومية، اليوم، وعلى الرغم من التطور والتغيير الذي جلبه الفونيكولار، لا تزال بولنيس تحتفظ بسحرها الخاص، الذي يجعلها مكانًا يستحق الزيارة.
تجربة لا تنسى في بولنيس
تُعد القرية وجهة سياحية فريدة تجمع بين العزلة والطبيعة الخلابة، مما يجعلها ملاذًا مثاليًا لكل من يبحث عن تجربة استثنائية بعيدًا عن صخب الحياة اليومية، إذا كنت من محبي الطبيعة أو المغامرة، فإن بولنيس بانتظارك، توفر لك القرية فرصة نادرة للاستمتاع بجمال الطبيعة والابتعاد عن الروتين اليومي، سواء كنت تخطط لرحلة مشي عبر الجبال أو تفضل الاسترخاء والاستمتاع بالمناظر الطبيعية، ستجد في بولنيس كل ما تحتاجه لتجربة لا تُنسى.
أقرأ أيضاً.. أسد الكهف.. أكبر مفترس في العصر الجليدي