رُكن مقالات مُستبشر

بردية تورين.. أقدم خريطة لمناجم الذهب بمصر

إيمان محمود خليفة

اكتشف المصريون القدماء الذهب منذ أقدم العصور، و”بردية تورين” (Turin Papyrus) هي الخريطة التي رسمها القدماء المصريون لمناجم الذهب على ورق البردي وبها أكثر من 125 موقعًا لمناجم الذهب بالصحراء الشرقية ما بين منطقة البحر الأحمر وبلاد النوبة “والتي تعني أرض الذهب باللغة المصرية القديمة”.

 وقد كانت هذه الخريطة تضم العديد من مواقع مناجم الذهب والتلال الجبلية التي تحتوي على عروق الكوارتز التي تحمل خام الذهب بالإضافة إلى أكواخ عمال المناجم، وقد بعث أحد حكام الشرق الأدنى للملك أمنحتب الثالث رسالة يطلب منه إرسال كمية من الذهب إليه، لأن الذهب في مصر مثل التراب.

تاريخ بردية تورين

تعد هذه الخريطة الفرعونية أقدم خريطة منجمية في العالم ويعود تاريخها إلى عهد “الملك سيتي الأول” ثاني ملوك الأسرة التاسعة عشر من الدولة الحديثة والذي امتد حكمه من 1306 إلى 1250 قبل الميلاد، وقد كان عصره من عصور ازدهار التعدين والذهب بمصر وهي الآن محفوظة في متحف تورين للآثار المصرية بشمال إيطاليا وتوجد منها نسخة بهيئة المساحة الجيولوجية بمصر.

من هو رسام بردية تورين؟

الكاتب الشهير امنخت بن ايبوي هو من رسم هذه الخريطة حيث استطاع علماء المصريات تمييز خطه المعروف لديهم من كتاباته العديدة، وقد كان امنخت مسؤولًا إداريًا في منطقة طيبة في عهد رمسيس الرابع وله الكثير من المهارات والمواهب المتعددة وقد تم إرساله مع بعثات المحاجر التي أرسلها الملك رمسيس الرابع (1156-1150) إلى وادي الحمامات وكان الغرض من هذه الرحلات الاستكشافية هو الحصول على كتل من حجر بخن -نوع متميز من أحجار وادي الحمامات- لنحتها في تماثيل الآلهة والملك، وضمت البعثة 8,362 رجلًا، مما جعلها أكبر رحلة استكشافية مسجلة إلى الوادي.

متى تم اكتشاف بردية تورين؟

عثر “برناردينو دروفيتي” (Bernardino Drovetti) القنصل العام الفرنسي في مصر، على بردية تورين عام 1820 ميلاديًا، مرسومة على لفافة من ورق البردي في مقبرة عائلة امنخت في منطقة دير المدينة في الأقصر الغربية، وقد كانت هذه المنطقة مكانًا لسكن العمال والحرفيين المسؤولين عن التنقيب وتزيين المقابر في مصر القديمة.

وقد كانت الخريطة مفتتة ومجزئة إلى عده أجزاء عند العثور عليها ولكن تم تجميعها وبلغ ارتفاعها حوالي 41 سم وعرضها 282 سم تقريبًا.

وتم بيع هذه الخريطة إلى “الملك تشارلز فيليكس” حاكم سردينيا بإيطاليا ليضمها لمجموعته الخاصة، وقام بعد ذلك ببناء متحف تورين للآثار المصرية  عام 1824 ميلاديًا، لتستقر هذه البردية مع الكثير من المقتنيات المصرية القديمة في هذا المتحف حتى الآن.

الأماكن التي تشير إليها خريطة مناجم الذهب

توضح الخريطة المناجم والمحاجر الخاصة بوادي الحمامات وأم الفواخير بالصحراء الشرقية، وهناك أيضًا العديد من المواقع الأخرى مثل أم عود ومناجم البريشيا والبرامية، ومن أشهر مناجم الذهب الموجودة على الخريطة منجم السكري وأبو مروات.

بردية تورين.. أقدم خريطة جيولوجية في العالم

بالإضافة إلى كونها خريطة طبوغرافية، تعد بردية تورين أقدم خريطة جيولوجية في العالم، فهي تسبق أول خريطة جيولوجية معروفة في العالم بفرنسا منتصف القرن الثامن عشر بحوالي 29 قرنًا، وتحتوي هذه البردية على توزيع جغرافي لأنواع الصخور المختلفة، فهناك التلال السوداء والتلال الوردية ومنجم أم الفواخير والبئر الملحق به، والذي كان يعتبر المصدر الوحيد للماء بالمنطقة، وبها أيضًا حصى وأحجار متنوعة بين نقاط بنية وخضراء وبيضاء.

أهمية مناجم الذهب لدى القدماء المصريين

عرفت مصر المعدن النفيس منذ عصر نقادة الثانية حيث كان منتشرًا بالصحراء الشرقية، فبالإضافة إلى استخدامه للزينة في حياة المصريين القدماء الدنيوية، فلقد ارتبط الذهب عندهم بالعقيدة والحياة الأخرى وكان أحد معادن الخلود بالنسبة لهم، فاستخدموه لتغطية المومياوات وذلك للحفاظ على الجسد من التحلل أو التآكل ولضمان الخلود وعدم الفناء.

صياغة وتشكيل الذهب لدى المصريين القدماء

برع المصريون القدماء في صناعة الذهب وصياغة المشغولات الذهبية الرائعة من تمائم وأساور وحُلي، واستخدموا النار لصهر هذا المعدن النفيس بمهارة فائقة، وقد كان الأقزام من أمهر الصياغ لدى القدماء المصريين حيث استطاعوا بأناملهم الماهرة صياغة الكثير من المشغولات الذهبية بدقة وإتقان ليبقى أثرهم كتحف فنية فائقة الجمال حتى يومنا هذا في مختلف أنحاء العالم.

أشهر القطع الذهبية لدى القدماء المصريين

كان للذهب أهمية كبيرة في حياة المصريين القدماء الاجتماعية، ولذلك ارتدوا الكثير من الذهب والمجوهرات الثمينة المشغولة بمنتهى الدقة والبراعة، كما استخدموا الذهب أيضًا في منحوتاتهم الجميلة، وكانوا يقدسون اللون الذهبي الذي يرمز لأشعة الشمس، وقد كانت صناعة الذهب من أهم الحرف في مصر القديمة في مصر القديمة وارتبط الذهب عندهم بالطقوس الجنائزية والمعتقدات أيضًا، ومن أشهر القطع الذهبية لدى المصريين القدماء:

  • قناع الملك توت عنخ آمون الذي يزن حوالي 11 كيلو جرامًا من الذهب، وتابوته الذي يزن حوالي 110.5 كيلو جرامًا من الذهب الخالص.
  • القناع الذهبي للملك بسوسنس الأول من الأسرة الحادية والعشرين ومجموعات عديدة من الأواني الذهبية.
  • قلادة ذهبية للملك بسوسنس الأول، من قبره في تانيس شمال مصر.
  • التاج الذهبي للأميرة سات حتحور.
  • أساور الملكة حتب حرس زوجة سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة وأم الملك خوفو الذي بنى الهرم الأكبر بالجيزة.

وفي النهاية يتضح لنا براعة القدماء المصريين الذين تفوقوا في كافة المجالات بشكل عام، وفي التعدين والتنقيب بشكل خاص، وقدرتهم على صياغة المعادن النفيسة والتقدم الذي توصلوا إليه أدى إلى ازدهار وخلود الحضارة المصرية القديمة حتى وقتنا الحالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *