رُكن مقالات مُستبشر

جسر موستار القديم.. رمز المصالحة المجتمعية في البوسنة والهرسك

محمد أحمد كيلاني

ما يسمى “جسر موستار” هو في الواقع مجمع دفاعي من القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلادي، ويتكون ذلك المُجمع من جسر فوق نهر نيريتفا، ومن مبنيين عسكريين يسيطران على المدخل.

جسر موستار

جسر موستار أو الجسر القديم هو عمل فني كبير، ولكن للأسف تم تدميره خلال حرب عام 1993، وقد أعيد بناء الجسر بشكل مماثل من قبل المجتمع الدولي بين عامي 2001 و 2004.

وفي الوقت الحاضر، استعاد الجسر كل بريقه ويخدم في مجال السياحة المحلية بالطبع، ويجب القول أن مدينة موستار، هي ثاني أكبر مدينة في البوسنة والهرسك من حيث عدد سكانها وتقع في شرق البلاد.

ويعد جسر موستار، المعروف محليًا باسم “ستاري موست” رمزًا للجمع بين المجتمعات الحية المختلفة، وهو رمز مثالي للوضع الثقافي والديني في البلقان بشكل عام.

وجسر موستار القديم لا ينفصل عن المدينة، فهو رمز البوسنة والهرسك، وعلاوة على ذلك، فإن الصلة بين هذا الجسر والمدينة أكثر أهمية مما قد يعتقده المرء لأن كلمة “جسر”، في اللغة المحلية، الصربية الكرواتية، يقال لها “موستار”. لذلك تم تحديد المدينة محليًا على أنها “مدينة الجسر” في اللغة المحلية، يسمى هذا الجسر “ستاري موست” كما ذكرنا سابقًا.

مدينة موستار

موستار هي ثاني أكبر مدينة في البوسنة والهرسك بعد العاصمة سراييفو، وهي أهم مدينة في الهرسك، حيث تقع على بعد 150 كم شمال غرب مدينة دوبروفنيك، المدينة الأكثر شهرة للسياح القادمين إلى البلاد.

وكان عدد سكانها 65286 نسمة تقريبًا في عام 2013 بما في ذلك المنطقة شبه الحضرية، وتُعتبر المدينة كلاسيكية إلى حد ما، وأن مركزها التاريخي هو أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.

والمدينة لها مركز تاريخي غريب الأطوار، يقع بالقرب من الجبال التي تدعم الأحياء الشرقية، فعند سفح هذه الجبال، يمر نهر نيريتفا، الذي يبلغ عرضه حوالي عشرة أمتار، ويمر فوق هذا النهر الجسر، ويقع شرق موستار في وسط المدينة، وهو ليس الجسر الوحيد في المدينة بالطبع، فهناك العديد منه، لكن الآخرين حديثون.

الهندسة المعمارية لجسر موستار

جسر مقوس فريد من نوعه، طوله 29 مترًا وعرضه 4 أمتار، ومصنوع من الحجارة المحلية.

وقد تم بناء هذا الجسر في عام 1566 ميلاديًا، من قبل “معمار هجر الدين”، وهو مهندس معماري شاب من الإمبراطورية العثمانية، وقد سمح هذا الجسر بالتطور الثقافي والديني والاقتصادي للمدينة.

ولقد مر عبر السنين دون أن يتضرر بسبب الوقت أو الأنشطة البشرية حتى 9 نوفمبر 1993، في ذلك اليوم، بينما كانت البلقان في حالة حرب بدأت في عام 1992، تم قصف الجسر بالمدفعية الصربية بهدف قطع الاتصالات بين المجتمعات البوسنية.

وبعد أربعة أشهر فقط من تدميره، تم توجيه نداء لإعادة بنائه، وذلك في ديسمبر 1995، وأنهت “اتفاقيات دايتون” الحرب في البلقان، مع عودة كل معسكر إلى حدوده.

ثم قامت اليونسكو بجمع الأموال وتنظيم مشروع إعادة الإعمار، وتم ذلك بدعم من السلطات المحلية ولجنة علمية وتقنية، واستمرت عملية إعادة الإعمار من 2002 إلى 2004، وتم افتتاح الجسر الجديد في 23 يوليو 2004.

يذكر أنه في القرن السابع عشر أضيف برجين عند مداخل الجسر، أحدهما في الشرق والآخر في الغرب.

سبب شهرة جسر موستار

الجسر هو الآن رمز للبوسنة والهرسك، وبفضله، أصبحت المدينة القديمة مشهورة عالميًا وتسببت في تدفق متزايد للسياح، ولكن ما سبب أهميته، في حين أنه لا يبدو أصليًا؟ أي انه اعيد بناءه بشكل مماثلة، نعم، هو جميل، لكنه ليس الجسر الوحيد من نوعه، فلماذا هذا بالتحديد أكثر أهمية من الآخرين؟

موقع مستبشر يُجيب عن هذا السؤال، فببساطة يرجع ذلك إلى الوضع الثقافي لموستار قبل الحرب في البلقان، فقد كانت مدينة عالمية ومنفتحة، مع مزيج قوى.

وهذه الخصوصية هي التي لم تُرضي القوميين الذين أرادوا استقلال بلادهم، وبمجرد سقوط الكتلة السوفيتية وبسبب الآثار الجانبية وهي أن يوغوسلافيا لم تعُد موجودة أيضًا، فقد تركت الجماعات العرقية دولتها وحيده، لكن بما أن الحدود لم تذهب أو تُسرق، فقد تقاتلوا فيما بينهم، وقد عانت مدينة مختلطة مثل موستار بالطبع من ذلك التوتر.

وقد كان هذا الجسر معروفًا جدًا، وكان يُمثل حلقة وصل بين الشعوب التي تعيش في البلقان، لكن كان له أيضًا معاني رمزية أخرى، وكان لابد من إعادة بناءه للتذكير بتلك الروح والطاقة وبالطبع لرمزية هذا الجسر.

تاريخ الجسر القديم

لا يمكننا أن نقول أن تاريخ جسر موستار مثير للاهتمام حتى حرب عام 1991، فقد بُني في القرن السادس عشر في ظل الإمبراطورية العثمانية، ونعلم أنه قاوم كل شيء، مثل، الكوارث الطبيعية، ومحاولات التدمير، والصراعات بجميع أنواعها، لكن التاريخ لم يترك لنا حكايات عن ماضيه.

لذلك تكتسب أهميتة أثناء تدميره، وذلك في 9 نوفمبر 1993، تحت قذائف المدفعية الكرواتية، وكانت الأسباب عسكرية وثقافية على حد سواء، وعندما أعيد بناؤها بشكل مماثل، بين عامي 2001 و2004، شارك المجتمع الدولي بقوة، فقد كان المهندس فرنسيًا، وجاءت الأموال من منظمات أوروبية مختلفة، لكن يد العمل كانت محلية.

أقرأ أيضًا.. تمثال رودس العملاق.. شُيد لإظهار القوة وأنهار بسبب زلزال!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *