رُكن مقالات مُستبشر

ثابت هابل هل يتسارع توسع الكون؟ قياسات جديدة تشكك في النظريات الكونية الحديثة

منذ قرن مضى، كشف العالم إدوين هابل أن الكون ليس ساكنًا، بل يتمدد باستمرار، مما أحدث ثورة في مفاهيم الفيزياء الفلكية. أثار هذا الاكتشاف سلسلة من التساؤلات حول معدل التوسع الكوني وطبيعته، وهو ما أُطلق عليه لاحقًا اسم “ثابت هابل”، ومع التطور العلمي، ظهرت قياسات جديدة تكشف أن الكون قد يتمدد بسرعة أكبر مما كنا نعتقد، ما يضع النماذج الكونية الحالية أمام اختبار صعب.

ثابت هابل.. المفتاح

يُعد ثابت هابل أحد أهم المفاهيم في علم الفلك، فهو يعبر عن معدل توسع الكون، ويعتمد العلماء على قياسات دقيقة لتحديد هذا الثابت، باستخدام أدوات متطورة مثل تلسكوب هابل وتلسكوبات أخرى أكثر حداثة، وتشير القياسات إلى وجود علاقة مباشرة بين سرعة ابتعاد المجرات عن الأرض والمسافة التي تفصلنا عنها، وهذه العلاقة تعد المفتاح لفهم عمر الكون وتطوره، إذ يُستخدم ثابت هابل لتقدير زمن الانفجار العظيم، والذي يُعتقد أنه حدث منذ حوالي 13.8 مليار سنة.

الأزمة في قياسات ثابت هابل

في السنوات الأخيرة، ظهرت مشكلة في القياسات المختلفة لثابت هابل، وهناك مدرستان رئيسيتان للقياس، الأولى تعتمد على مراقبة النجوم المتغيرة والمستعرات العظمى، والثانية تعتمد على دراسة إشعاع الخلفية الكونية الميكروي، والنتائج التي تم الحصول عليها من هاتين الطريقتين تختلف بشكل ملحوظ، ما يُعرف بـ”توتر هابل”، وعلى سبيل المثال، تقترح إحدى الطرق أن قيمة ثابت هابل تساوي 74 كيلومترًا في الثانية لكل ميجا فرسخ، بينما تشير الطريقة الأخرى إلى قيمة تبلغ حوالي 67 كيلومترًا في الثانية لكل ميجا فرسخ، وهذا التباين يثير أسئلة جوهرية حول دقة النماذج الكونية المستخدمة.

دور التلسكوبات الحديثة في دراسة توسع الكون

لعب تلسكوب هابل دورًا بارزًا في قياس توسع الكون خلال العقود الماضية، حيث مكّن العلماء من دراسة النجوم والمجرات بدقة غير مسبوقة، ومع إطلاق تلسكوب جيمس ويب، تتوفر الآن فرصة للحصول على بيانات أكثر تفصيلًا، نظرًا لقدرة هذا التلسكوب على استكشاف أعماق الكونيات برؤية دقيقة، ومن المتوقع أن تسهم بيانات جيمس ويب في تحسين القياسات وتقليل التباين الحالي في القيم، مما قد يضع حدًا للتوترات بين النماذج المختلفة.

الآثار المترتبة على النماذج الكونية

تشير الفروقات في قياسات ثابت هابل إلى أن هناك جوانب غير مفهومة بعد في طبيعة كومنا، وربما تكون المادة المظلمة والطاقة المظلمة، اللتان تشكلان معظم محتواه، مسؤولة عن هذه التغيرات في التوسع الكوني. كذلك، هناك احتمال أن تكون القوانين الفيزيائية الحالية بحاجة إلى تعديل لتفسير هذه الظاهرة، والعلماء يعملون الآن على تطوير نماذج جديدة تأخذ بعين الاعتبار تأثيرات غير مكتشفة أو مفاهيم جديدة، مثل تأثير الجاذبية على مسافات واسعة أو وجود قوى إضافية تؤثر على التوسع.

الخطوات المستقبلية لفهم توسع الكون

لمواجهة هذا التحدي، يركز العلماء على تحسين التقنيات المستخدمة في القياس، مثل استخدام العدسات الجاذبية لدراسة المجرات البعيدة، كما يعملون على تعزيز التعاون بين المراصد العالمية لتبادل البيانات وتحليلها، ويُتوقع أن تكشف الدراسات المستقبلية المزيد من الأسرار عن طبيعة الكون، خاصة مع الاستفادة من تلسكوبات الجيل القادم التي ستتيح رؤية أوضح وأعمق.

تثير القياسات الجديدة تساؤلات كبيرة حول فهمنا الحالي للكون، مما يجعل من الضروري إعادة النظر في النظريات التقليدية، وتوتر هابل يعكس التحديات التي يواجهها العلماء في تفسير هذا التوسع، ولكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام اكتشافات جديدة قد تغير تصورنا للكون. يبدو أن أسرار الكون لا تزال بعيدة عن متناولنا، مما يحفز الجهود المستمرة لفهم مكاننا في هذا الفضاء الواسع.

اقرأ أيضًا.. علم الكونيات الكمي.. طريقة جديدة لفهم الكون على المستوى دون الذري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *