إيمان محمود خليفة
الطائفة السامرية هي أصغر وأقدم طائفة دينية في العالم، فعدد السامريين لا يتعدى 800 نسمة، يعيش حوالي 385 شخصًا منهم في “جبل جرزيم” ويعيش الباقي في منطقة حولون بالقرب من تل أبيب، وينسب السامريون أنفسهم لشعب بني إسرائيل الذين هربوا من مصر خوفًا من بطش فرعون، وجاؤوا للأرض المقدسة “فلسطين” عقب خروجهم من مصر، وبعد “التيه” الذي استمر 40 عامًا في صحراء سيناء، ويرفض السامريون نعتهم باليهود ويصرون على أنهم من سلالة النبي موسى -عليه السلام- الحقيقيون، وأنهم يملكون التوراة الحقيقية لبني إسرائيل وليست المحرفة.
العقيدة السامرية
أسس السامريون ديانتهم على التوراة الأصلية غير المحرفة كما يعتقدون، وهي الأسفار الخمسة من التوراة “أسفار موسى” وهي سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر اللاويين (الأحبار)، وسفر العدد، وسفر تثنية الاشتراع، ويبجلون نسختهم من كتاب يوشع، ولا يقوم دينهم على التبشير والدعوة للدين السامري.
قدسية جبل جرزيم عند الطائفة السامرية
“جرزيم” كلمة عبرية معناها الفرائض، فجبل جرزيم يعني جبل الفرائض، ويقع مقابل جبل عيبال جنوبي مدينة نابلس، وهو المكان المقدس للطائفة السامرية ويُسمى أيضًا “جبل الطور” أو “جبل البركة”، فجبل جرزيم هو قبلة السامريين ومأوى أفئدتهم، وهو أكثر بقعة مقدسة على وجه الأرض -وفقًا للسامريين- حيث يمارسون طقوسهم الدينية كالحج والأعياد.
وتقدس الطائفة السامرية “جبل جرزيم” لعدة أسباب منها:
قدم نوح عليه قربان الشكر لله بعد الطوفان.
أراد النبي إبراهيم -عليه السلام- تقديم ابنه إسحاق كقربان فوق هذا الجبل وفقًا للسامرية.
نام عليه يعقوب ورأى السلم منصوبًا والملائكة عليه.
ابتهل موسى لرؤيته وعمارته وعدم خرابه.
بَنى “يشوع بن نون” هيكل موسى عليه بعد دخول الأرض المقدسة.
أركان العقيدة السامرية
ترتكز عقيدة الطائفة السامرية على خمسة أركان، وعلي كل سامري الإيمان بجميع تلك الأركان إيمانًا ثابتًا، راسخًا، غير قابل للشك، لكي يحق له أن يحمل لقب “سامري”، وهذه الأركان هي:
- وحدانية الله: فالله واحد أحد، لا شريك ولا مثيل له.
- الإيمان بموسى كليم الله، ولا إيمان بغيره.
- الإيمان بأن التوراة السامرية “أسفار موسى الخمسة الأولى” من الكتاب المقدس هي شريعة الله، جامعة لسننه وأحكامه وأوامره ونواهيه، وهي أساس حياة السامري ومنهاجه، فكل ما يحتاجه السامري في الحياة يجده في التوراة.
- الإيمان بقدسية جبل جرزيم، فهو المكان المقدس الحقيقي عند الله بالنسبة لهم، ولا يعترف السامريون بقدسية القدس على خلاف اليهود.
- الإيمان بيوم الدينونة( يوم القيامة) وهو يوم الحساب والعقاب، والإيمان بوجود الملائكة أيضًا.
الوصايا العشر في التوراة
الوصايا العشر هي الوصايا التي نزلت على سيدنا موسى -عليه السلام- يوم خاطبه الله -عز وجل- على جبل الطور بسيناء، ووردت هذه الوصايا في التوراة السامرية وهي: ” لا يكن لك آلهة أخرى أمامي، لا تحلف باسم الله كذبًا، احفظ يوم السبت لتقدسه، احترم أباك وأمك طوال حياتك، لا تقتل، لا تزني، لا تسرق، لا تشهد الزور، لا تشتهي بيت قريبك وما يحويه، احفظ قدسية جبل جرزيم الأبدية المطلقة”.
الصلاة عند الطائفة السامرية
الصلاة عند السامريين تعني التقرب إلى الله والتضرع والابتهال، والطهارة شرط من شروط الصلاة وهي عماد دينهم، وكذلك استقبال القبلة تجاه جبل جرزيم، ويصلي السامريون يوميًا طوال الأسبوع عند الفجر وعند الغروب، ولكن في يوم السبت يصلون سبع صلوات نظرًا لقدسية هذا اليوم عندهم، وتبدأ صلاة السبت من مساء يوم الجمعة وحتى مساء يوم السبت، ولا يجوز للسامري مزاولة أي عمل في هذا اليوم مهما كان نوعه، فهم يؤمنون بحرمة العمل يوم السبت.
ويرتدي السامريون زيًا أبيض اللون خلال الصلاة يعرف ب “القمباز” ويسبق الصلاة الوضوء بغسل الأعضاء المكشوفة ثلاثًا لكل منها، مع قراءة آيات مخصصة من التوراة على كل عضو حسب نوعية حركته، وهناك صلوات دون وضوء أو سجود مثل صلاة “الكسوف والخسوف”، و”صلاة الاستسقاء”، و”صلاة الميت”، و”صلاة الختانة” .
الصيام عند الطائفة السامرية (يوم الغفران)
لا يصوم السامريون إلا يومًا واحدًا فقط في السنة لمدة 26 ساعة، حيث يبدأ الصيام بعد العصر وينتهي بعد المغرب في اليوم التالي، ويجب الصيام على كل السامريين كبيرهم وصغيرهم، صحيحهم ومريضهم، والرضيع وحده هو مَن يُعفى من الصيام، فالرضيع يرضع من لبن أمه الصائمة فقط، لأنهم يعتبرون أن “كل نفس لا تصوم في هذا اليوم تموت”.
ويكون الصيام عن كل شيء من طعام وشراب وعمل ودراسة وحتى الأعمال المنزلية، ولا يمكن القيام بأي نشاطات دنيوية، ويُكرس يوم الصيام للصلاة والعبادة والدعاء والتراتيل الدينية باللغة العبرية القديمة.
الزكاة
الزكاة هي تقديم عُشر الإنتاج الزراعي أو عُشر الربح التجاري للكهنة وعائلتهم، وعلى الأغنياء أن يقدموا ما تجود به أنفسهم لفقراء الطائفة، والزكاة مفروضة على جميع السامريين باستثناء الكهنة، حيث كانت تدفع لهم، والآن يتم استغلالها لإنجاز المشاريع العامة لأبناء الطائفة.
الحج
يحج السامري ثلاث مرات سنويًا (حج الفصح، وحج الأسابيع، وحج العرش) على جبل جرزيم حيث الأماكن المقدسة للسامريين، خاصة هيكل سيدنا موسى -عليه السلام- الذي بناه في سيناء ونقله “يوشع بن نون” إلى جبل جرزيم، وكذلك مذبح سيدنا إسحاق وفقا للسامرية، وأنواع الحج عند الطائفة السامرية هي:
حج الفصح
يمتد “حج الفصح” سبعة أيام ويذبحون فيه ذبائحهم ويقيمون في هذه المدة فوق الجبل.
حج الأسابيع (حج الحصيد)
“حج الأسابيع” مدته 50 يومًا، ويكون في الشهر الثالث من السنة السامرية، وفي آخر يوم من أيام هذا العيد يصعدون إلى الجبل ليؤدوا صلاتهم.
حج العُرش
يمتد “حج العُرش” أيضًا لسبعة أيام توافق أيام البدر من شهر تشرين الأول (أكتوبر)، وتقيم كل عائلة تحت مظلة أو عريشة، ويصعدون للجبل في أول أيام العيد لأداء الصلاة ثم يعودون لبيوتهم.
الأعياد لدى الطائفة السامرية
الأعياد السامرية هي أعياد دينية نصت عليها التوراة، وليس لديهم أعياد قومية، وهناك سبعة أعياد عندهم وهي: عيد الفصح، عيد الفطير، عيد الحصاد، عيد رأس السنة العبرية، عيد الغفران، عيد العرش (المظال)، العيد الثامن(فرحة التوراة)، ومنها ثلاثة أعياد مركزية وهي:
عيد الفصح
يقدم السامريون القرابين كما قدمها آباؤهم عند خروجهم من مصر في عيد الفصح، وهو ذكرى تحرير بني إسرائيل من عبودية فرعون وكان خروجهم عند منتصف الليل، فخرجوا بعجينهم غير المختمر وذبحوا القرابين شكرا لله على خلاصهم.
عيد الأسابيع (عيد الحصاد)
“عيد الأسابيع” هو ذكرى نزول التوراة على سيدنا موسى -عليه السلام- حيث كان في اليوم السادس والأربعين من الأيام الخمسين، وقد فُرض اليوم الخمسين عيدًا للاحتفال بذلك، وسُمي بعيد الأسابيع لأنه كان كل أسبوع تحدث معجزة لبني إسرائيل في البرية.
عيد العُرش(المظال)
ذكرى “تيه” بني إسرائيل في برية سيناء.
الزواج في الطائفة السامرية
الزواج لدى أبناء الطائفة السامرية يتطلب أن يحضر السامري كتابًا للكاهن الأكبر يوضح فيه عمله وعلمه ومعاملته مع الناس، ولا يستطيع السامري الطلاق إلا بكتاب من الكاهن الأكبر يجيز له ذلك، ولا يجوز زواج السامري بغير السامرية ولو كانت يهودية، وكذلك لا يجوز زواج السامرية بغير السامري وذلك للحفاظ على وجود السامريين وبقائهم، ولكن بسبب قلة عدد السامريات يتجه شباب الطائفة للزواج من فتيات خارج الطائفة شرط اتباعهن لتعاليم الدين السامري والإيمان بقدسية جبل جرزيم، واحترام السبت الذي يُخصص للصلاة فقط.
وأخيرًا فإن السامريين يستعملون اللغة العبرية القديمة في جميع طقوسهم الدينية وصلاتهم، بينما يتكلمون اللغة العربية بلهجتها النابلسية في بيوتهم، ويعتبرون أنفسهم جزءًا أصيلًا من الشعب الفلسطيني ويرفضون تسميتهم يهودًا.
أقرأ أيضًا.. اللغات الليتورجية.. اللغات المُقدسة للأديان