ثقافات

خاص| قبائل الكيروس.. أحفاد الإنكا

محمد أحمد كيلاني

قبل قرون من وصول كريستوفر كولومبوس إلى جزر الهند الغربية، كانت شعوب أمريكية مختلفة قد حققت درجة عالية من الحضارة، ومنهم بالطبع شعوب الإنكا الذين أنشأوا إمبراطورية عظيمة، ولكنها وبسبب الكثير من الأحداث سقطت وأندثرت، ولعل أخر من حافظ على عادات وثقافة الإنكا هم قبائل الكيروس وهم المجموعة الوحيدة التي حافظت بشكل خاص على ما توارثوه من أجدادهم.

لقد كانت الإنكا حضارة أمريكية أصلية احتلت أراضي جبال الأنديز، من كولومبيا إلى تشيلي، مرورًا بالإكوادور وبيرو وبوليفيا وشمال الأرجنتين.

الأصل

وفقًا للتقاليد، فتاتي أصول قبائل الكيروس وشعب الإنكا من مانكو كاباك، وهو إبن الشمس، الذي استقر في كوزكو قادمًا من بحيرة تيتيكاكا، في القرن الثالث عشر، وليس من المؤكد ما إذا كانت هذه الشخصية الأسطورية كانت موجودة بالفعل أم لا، وخلال تلك الفترة، التي تسمى “الإمبراطورية الأسطورية”، اقتصرت هيمنة الإنكا على مدينة كوزكو والمناطق المحيطة بها فقط، وذلك قبل إنشاء الإمبراطورية الكبيرة.

قبائل الكيروس.. الدين والمُعتقدات

يتميز شعب الكيروس بعبادة عناصر الطبيعة المختلفة، مثل الشمس والقمر والبرق والأرض، في نظام القيم لديانة الإنكا، وكان يجب سداد جميع الفوائد المحققة بنوع من التضحية التي تعبر عن امتنان الإنسان للأرض والطبيعة، لهذا السبب، نلاحظ أن الإنكا نظموا العديد من الطقوس حيث كانت التضحيات، بما في ذلك القرابين البشرية، شائعة، حيث وجدت هياكل لبنات صفار فوق الجبال.

وكانت تلك القرابين تُقدم للآلهة لخلق توازن بين الأرض والإنسان، لأن عدم التضحية سيجلب لهم الأمراض والتعاسة.

وبخصوص تقديم القرابين البشرية (البنات الصغار) للجبال أو بالخصوص جبل “الأبو” فقد تلاشت الآن تلك العادة القديمة بين أفراد الكيروس، فهم فقط يقومون بالحج وذلك عن طريق الصعود إلى الجبال الشاهقة التي فد يزيد ارتفاعها عن 6.5 آلاف متر.

وشعب الكيروس لا يُقدسون الجبال فقط بل أيضًا يعتبرونها كائنات حية والبعض منها آلهة، ويعتبرون خصوبة تربتهم الزراعية بسبب تلك الجبال المُقدسة.

ويعتبر الكاهن شخص مُعالج بالإضافة لكونه رجل دين، حيث يهتم بعلاج المرضى ويأتي إليه بعض سكان المُدن للعلاج أيضًا.

اللغة

يتحدث أفراد قبائل الكيروس لغة تُسمة “رونا سيمي” وهي لغة لا تحتوي على نظام أبجدي للكتابة، وهي فقط شفهية وتتناقل عن طريق التوارث والتناقل اللفظي، وعلى وجه العموم، لم يكن لدى الإنكا نظام كتابة، فقد نفذوا السجلات الإدارية من خلال نظام يعرف بإسم “كيبو” ويتألف من حبل تتدلى منه سلسلة من الخيوط الملونة ذات العقد التي تمثل الكميات.

الهندسة المعمارية للكيروس

على الرغم من تميز حضارة الإنكا قديمًا بهندستها المعمارية الباهرة، مع بناء المدن المحصنة، والاستفادة من عدم انتظام التضاريس ومنحدرات الجبال، إلا أن بيوت الكيروس في الوقت الحالي تُبنى بمواد بسيطة جدًا وصديقه للبيئة، فهم يستخدمون الحجارة واغصان وورق الأشجار فقط في بناء الأكواخ، فهم يُقدسون البيئة ويحاولون قدر المُستطاع تلاشي غضبها.

ومن المعروف عن الكيروس إيضًا أنهم مُحبون لسكن المرتفعات، فقديمًا كانت مدينة ماتشو بيتشو المقدسة قد بُنيت على إرتفاع يزيد عن 2000 متر فوق مستوى سطح البحر.

يذكر أن ذلك الصرح كان مُكون من 140 مبنى و 100 درج مصنوع من الحجر المصقول، وكانا مُقسمة إلى منطقتين، منطقة حضرية، مكان عبادة وإقامة، وأخرى زراعية، بها مصاطب مخصصة للزراعة مروية بنظام من القنوات المنحوتة في الحجر.

المنحوتات والمصنوعات

تُصنع منحوتات الكيروس بشكل أساسي من الحجر وكان له طابع احتفالي قديمًا، ويمثل الحيوانات والنباتات والشخصيات البشرية، ويختلف حجمه حسب الغرض منه، ويتم تزيين الخزف المخصص للاستخدام الاحتفالي بألوان وأشكال مختلفة، كما يقومون بصنع أدوات خزفية مثل الأواني المنزلية.

ويتم استخدام الأقمشة، خاصة الصوف والقطن، للاستخدام المنزلي والديني، كملابس أو كهدية للآلهة، بالإضافة إلى ذلك، صنعوا من المعادن أيضًا أوانيًا وأدوات زراعية وأسلحة، وصنعوا أيضًا قطعًا رائعة من الذهب والفضة لتزيين المعابد.

الطعام والزراعة

لدى قبائل الكيروس نظام قائم على الاكتفاء الذاتي، فهم يزرعون ويأكلون ويلبسون من نظامهم ذلك، ومن أهم المأكولات لديهم هي “حساء البطاطا”، وهم عمومًا يعتمدون في نظامهم الغذائي على البطاطا بشكل أساسي.

وفي الزراعة، يستخدمون نظام “الارخبيل” الذي يعتمد على زراعة جزر مُختلفة لكل محصول على إرتفاعات مُتباينة، فمثلاً زراعة البطاطا ستكون على إرتفاع 4 آلاف و 700 متر فوق سطح البحر، والخيرزان سيزرع على إرتفاع 1800 متر متر، أما الخضروات كالفلفل والذرة تُزرع على إرتفاع 5 آلاف متر فوق سطح البحر، ويمتلك شعب الكيروس قدرة كبيرة على التكيف وبذل الجُهد في ظل نقص نسبة الأكسجين.

الكيروس وتقديس حيوان اللاما

من العادات المُميزة لدى الكيروس هي تقديم حيوان اللاما، حيث أنهم يقومون بتزيينها مرة كل عام عن طريق وضع خيوط في أذان الذكور منها، ويقومون بقص شعرها وتنظيفها، ويُعتبر حيوان اللاما مُقدس لدى الكيروس ويعتمدون عليه بشكل أساسي في حياتهم اليومية، حيث أنهم يستفيدون من البانها وشعرها وحتى أنها أيضًا تُستخدم في التنقلات.

وهم يوميًا يخرجون في الصباح الباكر حتى المساء للمراعي من أجل رعاية اللاما، وقديمًا كان يتم دفن اللاما مع الموتى.

النظام الاجتماعي وتقسيم الأدوار

لدى قبائل الكيروس الآن نظام اجتماعي قائم على التعاون المُشترك بين الرجال والنساء، ولعل هذا ما يِميز مجتمع الكيروس في وقتنا الحالي، فالرجال والنساء في مُساواة وتعاون بناء من أجل القبيلة، ولكن هناك بعض المهام التي مازالت مُقسمة حتى الآن خصوصًا بين الإناث، فمثلا جمع روث حيوان اللاما الذي يُستخدم في إشعال النار هي مُهمة البنات الصغار.

والخروج للغابات من أجل جمع الزهور والنباتات الملونة التي تُستخدم في صبغ الخيوط هي مُهمة النساء، والجدير بالذكر هُنا أن شعب الإنكا قد أشتُهر بمهاراته المُتقنة في الحياكة، ودور آخر للمرأة هو تجفيف وتخزين البطاطا، وهي عملية تتم عن طريق وضع البطاطا في الشمس حتى تجف وبعدها يتم طحنها عن طريق الدهس بالأرجُل، ثم تخزينها، وفي هذه العملية قد يُشارك فيها أيضًا الرجال.

أخيرًا، لقد حافظت قبائل الكيروس على النظام التقليدي للإنكا من مئات السنين، وهم على إقناع تام أن المنفعة بين الأرض والإنسان يجب أن تكون مُشتركة، فهم مُدركون تمامًا لمفهوم العطاء والتنازل من أجل الكون

أقرأ أيضاً..قبائل الغال.. عاشقي الحروب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *