تُراث وفنون

اكتشاف النار وتطور طُرق الطهي.. معلومات حول ما جعلنا “أكثر إنسانية”

محمد أحمد كيلاني

يتميز تاريخ البشر وتطورهم بالاكتشافات والاختراعات العظيمة، بدءًا من البدائي للغاية، مثل الحجارة المنحوتة الأولى، وحتى أحدثها، بما في ذلك السيارات الكهربائية أو الذكاء الاصطناعي، ولكن إذا كان علينا أن نختار واحدًا يميزنا حقًا ويجعلنا أكثر “إنسانية” كما يقال، فسنختار اكتشاف النار بكل تأكيد.

فالحقيقة أنه يصعب علينا أن نتصور الحياة بدون نار، وذلك على الرغم من أننا أمضينا جزءًا كبيرًا من تاريخنا بدونها كما تُشير بعض الاكتشافات الأثرية، والسيطرة على النار بشكل كامل لم تتم إلا قبل حوالي 800 ألف سنة.

أول طباخ في التاريخ

مع ذلك، كان لا بد من مرور آلاف السنين الأخرى حتى تصبح النار جزءًا لا يتجزأ من وجودنا وتضع حدًا لا يمكن تجاوزه بين عالم الحيوان والعالم العقلاني، وتشير التقديرات إلى أن ولادة التكنولوجيا النارية حدثت منذ حوالي 400 ألف عام.

وكان أول من تعلم الطبخ هو الإنسان المنتصب – خليفة الإنسان الماهر – وبهذا تمكن من مضاعفة حجم دماغه على مدى 600 ألف سنة، كما يزعم العلماء بالطبع، وتشير التقديرات إلى أن الإنسان المنتصب سكن الأرض في الأعوام 1,000,000 و300,000 قبل الميلاد، أيضًا يجب أن نذكر أن كل تلك الأرقام تقديرات علمية، ويمكن أن لا تكون “حقائق ثابتة”.

وعلى الرغم من كل شيء، فإن استخدام النار ليس مثل “ترويضها”، ويُعتقد أن الإنسان العاقل هو أول من قام بتوليدها بشكل مصطنع، وقد حصل أسلافنا على النار إما عن طريق الاحتكاك، أو فرك قطعة من الخشب على أُخرى، أو عن طريق القرع، وذلك بضرب حجرين حتى تظهر الشرارة.

وليس من الصعب أن نتصور أنه في ساعات الشفق تجمعت مجموعة من هؤلاء البشر حول النار، “فقد كانت كمركز كونهم الصغير هناك”، وبينما أضاءت ألسنة اللهب الكهوف، فقد ملأت رائحة اللحوم المدخنة الهواء، لذلك انتهى الأمر “بالماموث الصغير” ليصبح بطل الرواية الرئيسي للعيد، في ذلك الوقت، ومنذ ذلك الوقت أصبح اللحم المدخن من أطيب الوجبات المحببة لدى الإنسان.

وكان الرجال والنساء والأطفال يجلسون في دائرة ويتبادلون القصص بالإيماءات والهمهمات والضحك والأصوات الحلقية التي يتردد صداها عبر الكهف مع طقطقة النار وأزيز اللحم هذا، فقد كانت سيمفونية قديمة شُكلت ببطء، ولكن بثبات طريق التطور البشري.

اكتشاف النار أدى إلى زيادة استهلاك الطعام وتوفير الوقت 

لا شك أن للطهي العديد من المزايا التطورية، فهو لم يقتصر على قتل السموم الموجودة في الطعام للتقليل من خطر الإصابة بالأمراض فحسب، بل أدى أيضًا إلى تحسين نكهة ما يتم تناوله وجعل بعض الأطعمة مطاطية، مما أدى إلى توسيع مساحة التخزين غير العادية في عصور ما قبل التاريخ .

وبالإضافة إلى ذلك، كان الطعام يوفر سيلًا من السعرات الحرارية التي كان يحتاجها رجال ما قبل التاريخ للحركة حتى تتمكن أدمغتهم من العمل.  

ويجب ألا ننسى أن الإنسان في ذلك الوقت كان يحرق 25% من السعرات الحرارية يوميًا، وهو استهلاك ضخم للطاقة إذا ما قارناه بنظيره لدى الحيوانات الأخرى.

فلا شك أن النار وفرت علينا الكثير من الوقت، الذي تمكننا من تكريسه لمهام أخرى، ومن بينها اختراع أشياء تجعل حياتنا أسهل، وأيضًا التفلسف، وكتابة الروايات، وغيرها الكثير.

اكتشاف النار.. أول شيء كان الشواء

لم يكن الأمر كذلك إلا قبل حوالي 11000 عام، عندما ظهرت الأدوات الخزفية ومعها على الأرجح أول أنواع الحساء والأطباق المسلوقة الأولى، وربما تم طهيها في وقت مبكر جدًا باستخدام معدة الفريسة أو “الأواني الطبيعية” المرتجلة من السلاحف أو المحار.

وربما كان أول شيء طبخه أسلافنا هو الشواء، فبمجرد اصطياد الحيوانات، كان من الضروري تحضير اللحوم المراد استهلاكها، وهي عملية تتضمن سلخها وتقطيعها إلى قطع وإعدادها للمطبخ، وذلك باستخدام الحجارة فقط، ويتم بعد ذلك تقريب اللحم من النار بمساعدة عصا أو وتد، وهي الممارسة التي نعرفها اليوم باسم “الشواء”.

وقد كشفت دراسة أجراها باحثون في جامعة هارفارد، أن اتباع نظام غذائي يحتوي على اللحوم المطبوخة، يعني أن الإنسان المنتصب كان يحتاج إلى المضغ بنسبة تتراوح بين 17%و 26% أقل من أسلافه.  

ونتيجة لذلك، صغرت أسنانه، وضعفت عضلات المضغ لديه، وقصرت أمعاؤه، وازداد حجم دماغه.

أقرأ أيضاً.. الملابس الأولى في التاريخ بشكلها المعروف.. منذ متى ونحن نرتديها؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *