محمد أحمد كيلاني
نظرًا لجماله وتاريخه وثروته، فقد تم إدراج برج بيزا المائل (The Leaning Tower of Pisa) كموقع للتراث العالمي في عام 1987، والبرج ذائع الصيت، والذي تم تصميمه على الطراز الرومانسكي للعصور الوسطى الإيطالية، يقع في المكان الذي أطلق عليه الكاتب “غابرييل دانونزيو”، ذات مرة “ساحة المعجزات”، في بيزا، توسكانا، إيطاليا، ويُعد السبب الأكبر في شهرة المبنى هو ميلانه المُلفت.
بداية ميل البرج
بدأ برج بيزا في الإنحناء بمجرد بدء بنائه، ومع ذلك، فإن عملية البناء هذه، لم تتوقف، وبعد أكثر من 800 عام، لا يزال البرج يقف بجانب كاتدرائية بيزا، ليثبت للعالم على أنه معجزة معمارية حقيقية.
وقد استمرت عملية البناء لمدة 200 عام تقريباً، وكان ذلك، بسبب الصعوبات التقنية التي واجهها العمال، وبسبب ميلان المبنى، وأيضاً بسبب الصراعات السياسية والعسكرية في تلك السنوات، والتي حولت الإنتباه والموارد إلى الشركات الأخرى.
خصائص برج بيزا
على عكس ما يوحي به اسمه، فقد تم بناء البرج ليكون برج جرس ضخم، قائم بذاته، ويهدف إلى ان يكون تابع للكاتدرائية، وهذا البرج، كان يجب أن يكون مستقيماً بالكامل.
وتم تصميم المبنى على شكل برج أسطواني، مقسم إلى ثمانية مستويات، يتكون من القاعدة وستة لوجيا أو طوابق وبرج الجرس، وتم تثبيت سبعة أجراس تم ضبطها على النوتات الموسيقية الرئيسية دو، ري، مي، فا، صو، لا، سي (do, re, mi, fa, sol, la, si).
وكما هو معتاد في الفن الرومانسكي، فإن الجدران الأساسية للمبنى عريضة للغاية وصلبة، مما يفسر وزنها الهائل، وتضيق هذه الجدران وتخف كلما ارتفع البرج.
العناصر الجمالية لبرج بيزا المائل
لتزيين المبنى، استخدم المعماريون ترصيعات رخامية بألوان مختلفة مع زخارف هندسية مطبقة.
ويمكن أيضاً ملاحظة عناصر النحت على السطح، سواء كانت مجردة أو تصويرية (حيوانات، أشكال بشرية، زخارف نباتية، وأمور أخرى).
ويمكنك أيضاً رؤية بعض الزخارف مثل المخلوقات الأسطورية التي تعكس عقلية الرومانسيك، والتي كانت لا تزال سارية في توسكانا، في ذلك الوقت.
قياسات برج بيزا
يبلغ ارتفاعه التقريبي ما يقارب 55.8 متراً، وذلك على الرغم أنه كان مخططاً له في بداية إنشاؤه أن يصل إلى 60 مترًا.
وقطره الخارجي 15.4 متراً، والداخلي 7.36 متراً، ووزنه 14700 طن، وزاوية الميل الحالية حوالي 5 درجات
مُصمم برج بيزا المائل
لا يعُرف بشكل قاطع من هو مؤلف المشروع الأصلي لبرج الجرس، ويقترح البعض أنه كان ديوتيسالفي (Deustesalvet)، وقد قال الرسام والمُهندس المعماري” فاساري” أن مُصمم البرج هو “بونانو بيسانو”، لكن يبدو أن هذا الإسناد خاطئ.
المرحلة الأولى لبناء برج بيزا.. وسبب الإنحناء
كان ذلك في أغسطس عام 1173 عندما بدأت أعمال البناء في برج بيزا المائل، لأول مرة، وفي هذه الفترة، تم بناء القاعدة والطوابق الثلاثة الأولى للبرج، ومع ذلك، بدأ البرج في ميله باتجاه الشمال.
ويعود سبب ميلان البُرج إلى عاملين رئيسيين، الأول يتعلق بخصائص التربة، فقد كان الموقع طينياً، وهذا لأن المنطقة كانت مستنقعاً.
والعامل الثاني يتعلق بالمشروع المعماري، ففي الواقع، كان عمق قاعدة المبنى بالكاد 3 أمتار، وهو ما لم يكن كافياً لثبات البرج على الأرض.
ومع عدم وجود حلول فورية للتوصل إليها، تقرر إيقاف البناء لأول مرة في عام 1178.
المرحلة الثانية لبناء برج بيزا المائل
بعد ما يقرُب من مائة عام من إيقاف العمل، تم استئناف المشروع، وابتداءً من عام 1272، تم الإنتهاء من الطابق الرابع وإضافة المزيد من المستويات، والتي تم ترتيبها في إتجاه معاكس، لتصحيح الخلل.
وبحلول ذلك الوقت، وصل وزن البرج التقريبي إلى 9.5 طن، لكن في هذه المرة، بدأ البرج يميل في الإتجاه الآخر متجهاً جنوباً، ولاحتواء هذه العملية، قاموا بوضع مواد ثقيلة في القسم الشمالي، وهي استراتيجية غير كافية لتقويم المبنى، لذلك توقف العمل مرة أخرى في عام 1278.
المرحلة الثالثة للبناء
بدأت أعمال البناء في البرج مرة أخرى في عام 1360، أي بعد التوقف يحوالي 82 عاماً، وبعد جهد كبير تم استكمال البناء في عام 1370، ووصل البرج إلى شكله النهائي مع اللمسة الأخيرة.
جهود جبارة لمنع إنهيار برج بيزا المائل
كانت هناك جهود كثيرة لمنع إنهيار برج بيزا المائل، وتم تشكيل لجان مختلفة عبر التاريخ من أجل إيجاد الحل الأفضل، وذكر ذلك “إنريكي سانتويو” وإفراين أوفاندو، في نص بعنوان التوازي بين برج بيزا وكاتدرائية المكسيك.
وتاريخ اللجان المسؤولة عن حماية برج بيزا طويل جداً، ويمكن القول أن اللجنة الأولى تعود إلى عام 1298، عندما إجتمع الخبراء في ذلك الوقت لمناقشة استئناف البناء.
وفي عام 1840 بدأت اللجنة الثانية للدراسة وفي عام 1907 بدأت الثالثة، ومنذ ذلك الحين، شارك مهندسون بارزون بدراسة البرج.
وبعض البدائل التي تمت تجربتها لم تؤد إلا إلى تفاقم المشكلة، حيث أدت إلى غرق البرج وميله أكثر، ويضاف إلى ذلك أنه في عام 1944، كادت غارة جوية في الحرب العالمية الثانية أن تدمر البُرج.
تدخل الحكومة الإيطالية لمنع دمار البرج
ومع مرور الوقت، تم استئناف الجهود لحماية النصب التذكاري، وفي عام 1972 دعت الحكومة الإيطالية إلى مسابقة لحماية البرج دون الحاجة إلى تصحيح ميله.
وبدأ الخلاف لتصحيح الميل أو عدم فعل ذلك، وعلى الرغم من هذا، فإن أي موقف مؤيد أو معارض يواجه حقيقة لا جدال فيها، هي أنه لا يمكن ترك البرج كما هو، لأنه قد ينهار في أي وقت.
ولن يكون من غير المستحسن تقويم البرج بالكامل، هذا لأن البرج ليس مستقيماً تماماً، فهو مقوس قليلاً، أي على شكل “موزة”، ومحاولة استقامته ستجعله ينحني إلى الجانب الآخر.
وبفهم ذلك، كان من الضروري إغلاق البرج أمام الجمهور لمدة أحد عشر عاماً من أجل الأعمال التصحيحية والوقائية، وفي تلك الفترة، تمكنوا من تقليل الميل من 5.5 درجة إلى 5 درجات، وهي خطوة جيدة جداً.
أما الآن، فيمكنك زيارة برج بيزا المائل، والاستمتاع بهذا النصب التذكاري العجيب.
أقرأ أيضاً.. الكولوسيوم الروماني.. الكثير من التضحيات لمُجرد التسلية!