محمد أحمد كيلاني
كان أصل الغجر محاطًا لفترة طويلة بالغموض والأساطير الغريبة، وربما يكون ذلك كان سببًا من أجل حماية أنفسهم من الاضطهاد والأحكام المسبقة التي كان عليهم تحملها تاريخيًا.
أصل الغجر
وقد أثبتت الدراسات الوراثية واللغوية الحديثة أن الغجر هم شعب ينحدر من منطقة البنجاب في شمال غرب الهند، في المنطقة التي تقع اليوم على الحدود مع باكستان، وأيضًا ينحدر بعضهم من راجستان، وكشمير، وقد كانوا ينتمون إلى طبقة تسمى “دوم”.
معنى وأصل كلمة الغجر
كان يُعتقد أن كلمة “غجري” أتت من الإسم الذي أطلق على “المصريون” الأوائل الذين وصلوا إلى إسبانيا، والذين زعموا بعد ذلك أنهم ينتمون إلى منطقة يونانية تسمى “مصر الصغيرة”، مما تسبب ذلك في حدوث ارتباك لفترة طويلة، لأنه كان يُعتقد أن أصل الغجر من مصر.
وقد تمت دراسة لهجتهم معتقدين أنها كانت اللغة المصرية القديمة، و”روم” هو الاسم الذي يطلق على الغجر في اللغة الغجرية -الرومانية- ويعني “الإنسان”.
ويستخدم مصطلح “روماني” بشكل متكرر، وهو الإسم المقبول لهذه المجموعة العرقية.
لغة الغجر
اللغة ذات أهمية كبيرة في الثقافة الغجرية، ولغة الروما” هي العنصر الموحد بين المجتمعات المنتشرة في جميع أنحاء العالم، وهي رابط الثقافة التي تم نقلها شفهيا من جيل إلى جيل.
وهذه اللغة هي جزء من فرع اللغات الهندية الجديدة، ولها جذور مشتركة مع السنسكريتية ويطلق عليها الغجر “روماني جوراجاني” (Romané Jorajané).
وقد فُقدت اللغة الرومانية بسبب فرض اللغة المحلية، كما حدث في إسبانيا، وتُسمى لغة الغجر الإسبانية (كالو – caló) والتي تعني الدارجة، وقد ساهمت لعدة قرون في استخدام العديد من المصطلحات الشائعة الاستخدام في اللغة الإسبانية.
أصل الغجر.. شعب مُشتت في جميع القارات
ربما لُغز التشتيت للغجر بدأ بين القرنين العاشر والحادي عشر، فقد كان الغجر سجناء ثم عبيد للمسلمين الذين فتحوا البنجاب.
وفي ظل حكم “محمود جانزي”، انتقل الغجر من الهند إلى باكستان وإيران وأفغانستان وتركيا، ومن هناك عبروا إلى البلقان في القرن الرابع عشر، ووصلوا إلى رومانيا وصربيا وبلغاريا.
وقد توجهت مجموعة جنوبًا، وجالت في شمال إفريقيا حتى دخلت شبه الجزيرة الأيبيرية عبر جبل طارق، وعلى مدى القرون التالية انتشروا في جميع أنحاء أوروبا، ووصلوا أيضًا إلى الجزر البريطانية وحتى فنلندا والسويد وليتوانيا، وقد ووصلوا إلى أمريكا بشكل رئيسي من صربيا في بداية القرن العشرين.
هل تم الإختلاط مع المجتمعات الأخرى؟
في تلك الرحلة عبر الأجيال التي امتدت لأربعة أو خمسة قرون، عَبر الغجر خلالها آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأراضي القوقاز وأوروبا الغربية، وبالكاد اختلط الغجر بالسكان الأصليين.
فبالمقارنة مع بقية الأوروبيين أو مع جيرانهم الهنود السابقين، فإن الغجر يمثلون درجة عالية من زواج الأقارب، وكان زواج الأقارب ولا يزال ممارسة شائعة جدًا ويحدد أصل الغجر، وقد كان الاختلاط موجود في البلقان مع أولئك من الأفراد ذو الأصول الأوروبية، أما في إسبانيا والبرتغال كان هناك اختلاط أكبر مع السكان المحليين.
ويبدو أن انتشار الغجر عبر أوروبا الوسطى والغربية قد حدث في أعقاب جائحة “الموت الأسود” مباشرة، وهو الذي قضى على أكثر من ثلث سكان أوروبا في عقود قليلة.
ويمكن أن يفسر ذلك نجاح تغلغلهم، وذلك بالنظر إلى “هجرة السكان” الأوروبية بسبب الطاعون بالتأكيد.
علوم وثقافة من أصل غجري
عرف الغجر علم التنجيم، وقراءة الكف، والطب الطبيعي، والموسيقى والرقص، ولم يظهروا مهارات في الرعي أو الزراعة لكنهم كانوا خبراء في ترويض الحيوانات وتدريبها وكانوا أساتذة في السمكرة والعمل بالحديد والمعادن.
وهذه الخصائص وطابعهم البدوي جعلتهم يصبحون مهاجرين يعيشون من فنون سرد القصص، وعروضهم وتجارة الشوارع.
وبعد وصولهم إلى أوروبا، لم يستغرق الغجر وقتًا طويلاً ليدركوا أنهم يستطيعون كسب دخل من خلال ممارسة السحر والتنجيم، وبدأ ربط إسم الغجر بالسحر، وهو نفس الشيء الذي حدث لقرون، وتحديدًا منذ عهد “الإمبراطورية البيزنطية”.
وهكذا، فإن هذا الشعب، الذي تسببت ثقافته الشفوية وعزلته التقليدية في العديد من الأسئلة، تعرض للاضطهاد والإبادة الجماعية عبر التاريخ، ورغم ذلك تمكنوا من البقاء كشعب وثقافة.
التعرض للاضطهاد
في الوقت الذي وصلت فيه معظم هجرة الغجر إلى البلقان، تم أخذ الغجر كعبيد وبيعهم وتبادلهم، وفي القرن الثامن عشر، حاول ما كان يُعرف باسم “الغارة الكبرى” القضاء على الغجر، وتم سجن أكثر من 12 ألف شخص منهم في إسبانيا، وقد تناقض هذا الاضطهاد مع تمجيد الحرية والشرف الذي كانت تُنادي به أوروبا في ذلك الوقت، ناهيك عن اضطهاد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية للغجر.
عادات وأصول في المُجتمع الغجري
تعتبر “الأسرة الغجرية“، التي تضم العديد من الأقارب أو أبناء العمومة، بالإضافة إلى نواة الأسرة الأساسية، أهم شيء في حياة المجتمع الغجري.
واحترام المسنين هو أحد القيم الأساسية لديهم، ويتمتع “الشخص المُسن” بالسلطة ليقول ما هو صواب وما هو خطأ، ويتلقى معاملة خاصة من جميع أفراد المجتمع الآخرين.
وفي حالات المرض أو الحاجة الإقتصادية، فإن التضامن بين أفراد الأسرة يتجاوز أي شاغل آخر، ويتعرف الغجر على بعضهم البعض من خلال العائلة التي ينتمون إليها، مما يدل على أن الحس الجماعي للمجموعة يسود دائمًا على الفرد.
وباختصار، يمكننا تعريف تاريخ الغجر مهما كانت أصوله، بأنه قصة رحلة شعب تائه يتسم بالعداء والازدراء.
أقرأ أيضاً.. “الأكاديون” وأول إمبراطورية في العالم