مي الرشيدي
يُعتبر “الدير البحري” (Deir el-Bahri) أحد أهم المواقع الأثرية في مصر، وهو من أشهر الرموز للحضارة المصرية القديمة، فهو يجذب ملايين السياح كل عام، ويمثل أهمية تاريخية كبيرة، فهو يعكس تطور الفن والعمارة المصرية القديمة، كما أنه يعكس أهمية الملكة حتشبسوت في التاريخ المصري، فهي أول ملكة تحكم مصر بشكل مستقل.
موقع الدير البحري
يقع الدير البحري على الضفة الغربية من النيل في الجهة المقابلة لمدينة الأقصر بمصر، وهو عبارة عن مجموعة من المعابد والمقابر الفرعونية.
تاريخ الدير البحري
بدأ بناء معبد الملكة حتشبسوت داخل الدير البحري بعد توليها الحكم، لتؤدي فيه الطقوس التي تفيدها في العالم الآخر، واستمر ذلك لمدة 20 عامًا حتى وفاتها، وبعد ذلك توقف البناء في الدير حتى أواخر عهد “الملك تحتمس الثالث”.
وقد تعرض الدير البحري لأضرار جسيمة خلال العصور الوسطى، حيث تم استخدام أحجاره في بناء العديد من المساجد والكنائس، وفي القرن التاسع عشر بدأ علماء الآثار الأوروبيون في الكشف عنه وتم ترميمه جزئيًا منذ ذلك الحين.
المهندس المعماري
صمم معبد حتشبسوت المهندس المعماري “سننموت”، وهو أحد أشهر المهندسين المعماريين في مصر القديمة، وقد استخدم سننموت مواد متنوعة في بناء المعبد مثل الحجر الجيري والبازلت والرخام.
معابد الدير البحري
يضم الدير البحري ثلاثة معابد رئيسية وهم:
معبد حتشبسوت
وهو أكبر معبد في الدير البحري والأكثر شهرة، ويقع في أعلى نقطة بالمنطقة، ويتميز المعبد بتصميمه الفريد والمميز، كما أنه مُزين بالعديد من المناظر الجدارية التي تصور الإنجازات العسكرية والتجارية.
وقد تم بناء المعبد تخليدًا لذكرى إنجازات الملكة العظيمة حتشبسوت (الأسرة الثامنة عشرة)، حيث اشتهرت ببعثاتها التجارية للخارج خاصة إلى بلاد بونت، وكذلك كان معبد مخصص للإله آمون رع.
وفي القرن السابع الميلادي سُمي باسم(الدير الشمالي) نسبة إلى أحد الأديرة القبطية بالمنطقة، ويعرف اليوم باسم معبد الدير البحري، حيث كان في العصر المسيحي المبكر يُستخدم كدير قبطي.
ويصف هذا المعبد الفريد النزاع بين حتشبسوت و تحتمس الثالث، حيث تم تدمير العديد من تماثيلها، كما قام أتباع تحتمس الثالث بإلحاق الضرر بمعظم خراطيشها.
وقد استغرق بناء معبد حتشبسوت حوالي 16 عامًا، وشارك في بنائه آلاف العمال والحرفيين، وتعرض معبد حتشبسوت لبعض الأضرار خلال العصور التاريخية المختلفة، وتم ترميمه لأول مرة في القرن التاسع عشر، وتعرض أيضًا لعملية إرهابية في عام 1997، أسفرت عن مقتل 62 سائحًا وإصابة أكثر من 26 آخرين.
معبد منتوحتب الثاني
ويقع أسفل معبد حتشبسوت مباشرة، وهو معبد جنائزي آخر بناه الملك منتوحتب الثاني من الأسرة الحادية عشر، ويتميز المعبد بتصميمه البسيط نسبيًا، ويحتوي على بعض المناظر الجدارية الرائعة التي تصور الملك في مختلف مراحل حياته.
وتم اكتشاف المعبد في ستينيات القرن التاسع عشر، وقام بعملية التنقيب فيه إدوارد نافيل بين عامي 1903 و1907، ثم هربرت وينلوك بين عامي 1921 و1930، وكان البناء متعدد المستويات.
معبد تحتمس الثالث
في عام 1961 تم اكتشاف بقايا معبد جنائزي صغير شيده تحتمس الثالث على صخرة صغيرة مرتفعة بين معبدي حتشبسوت ومنتوحتب الثاني، ويتميز المعبد بتصميمه الفخم، كما أنه يحتوي على العديد من المناظر الجدارية التي تصور انتصاراته العسكرية.
وبُني هذا المعبد في نهاية عهد تحتمس الثالث، تقريبًا في العام 43 من حكمه، وقد كُرس هذا المعبد لعبادة الإله آمون، وتشير الاكتشافات الحديثة إلى أنه لم تكن هناك على الأرجح عبادة جنائزية للملك في هذا المعبد، وتضمن المعبد نظامًا من المنحدرات والمصاطب، وشمل قاعة كبيرة ذات صفوف بأعمدة متعددة الأضلاع يبلغ عددها 76 حول المحيط، و12 عمودًا أكبر بالقرب من المركز، وتلت هذه العناصر قاعة لمركب آمون.
المقابر الملكية
يضم الدير البحري العديد من المقابر الملكية وغير الملكية، التي يعود تاريخها إلى عصر المملكة الوسطى والحديثة، وتتميز هذه المقابر بتصميماتها المعمارية الفريدة، وزخرفتها الرائعة.
وتشمل المقابر الملكية في الدير البحري ما يلي:
• مقبرة الملك منتوحتب الثاني: وتقع هذه المقبرة في الجزء العلوي من معبد منتوحتب الثاني، وهي مقبرة واسعة وفخمة، وتضم العديد من الغرف منها (غرفة الدفن، وغرفة القرابين، وغرفة الاستقبال).
• مقبرة الملكة حتشبسوت: تقع هذه المقبرة في الجزء السفلي من معبد حتشبسوت، وهي مقبرة صغيرة نسبيًا، ولكنها تتميز بزخرفتها الرائعة التي تصور مشاهد من حياة الملكة.
• مقبرة الملك تحتمس الثالث: وتقع هذه المقبرة في الجزء الشمالي من معبد آمون، وهي مقبرة واسعة وفخمة، وتضم العديد من الغرف لأغراض مختلفة مثل الدفن، والقرابين.
المقابر غير الملكية
تشمل المقابر غير الملكية في الدير البحري ما يلي:
• مقبرة سننموت: وتقع في الجزء الجنوبي من معبد سننموت، وهي مقبرة كبيرة وفخمة، وتضم العديد من الغرف.
• مقبرة خنوم حتب الثاني: التي تقع في الجزء الجنوبي من معبد منتوحتب الثاني، وهي مقبرة واسعة وفخمة.
• مقبرة إيبو: تقع هذه المقبرة في الجزء الجنوبي من معبد منتوحتب الثاني، وهي مقبرة صغيرة نسبيًا، ولكنها تتميز بزخرفتها الرائعة التي تصور مشاهد من الحياة اليومية.
مخبأ المومياء بالدير البحري
هو عبارة عن مجموعة من جثامين لمجموعة من القدماء المصريين المحنطة، والتي تم انتشالها من مقابرهم خلال الأسرة الحادية والعشرين للمملكة الحديثة عندما أصبح نهب المقابر الملكية متفشيًا، ويضم مخبأ الدير البحري مومياوات لزعماء الأسرة الثامنة عشرة والتاسعة عشرة منها أمنحتب الأول، وتحتمس الأول، والثاني، والثالث، ورمسيس الأول، والثاني، سيتي الأول، وتضمن مخبأ KV35 مومياء تحتمس الرابع، ورمسيس الرابع، والخامس، والسادس، وأمينوفيس(أمنحتب) الثالث، ومرنبتاح، وأيضًا مومياوات مجهولة الهوية بعضها موضوع في توابيت غير مميزة أو مكدسة في الممرات.
تم اكتشاف مخبأ المومياء في الدير البحري عام 1875، وتم التنقيب عنه على مدى السنوات القليلة التالية بواسطة عالم الآثار الفرنسي “جاستون ماسبيرو” مدير مصلحة الآثار المصرية، وتم نقل المومياوات إلى المتحف المصري بالقاهرة، وقد اكتشف فيكتور لوريت مخبأ KV35 في عام 1898، وتم أيضًا نقل هذه المومياوات إلى القاهرة.
التهديدات التي يواجهها الدير البحري
يواجه دير البحري بعض التهديدات منها:
• يؤدي تلوث الهواء والماء إلى تآكل الحجر الجيري الذي بُني منه المعبد.
• يمكن أن تؤدي السياحة غير المسؤولة إلى إتلاف المعبد، مثل لمس المنحوتات أو الكتابة عليها.
• تقع مصر في منطقة زلزالية، مما قد يؤدي إلى تلف المعبد في حال وقوع زلزال كما حدث في معبد تحتمس الثالث الذي تهدم جزء منه بالفعل.
جهود الحفاظ على الدير البحري
تبذل الحكومة المصرية جهودًا للحفاظ على دير البحري منها:
• إنشاء منطقة عازلة حول المعبد، وتهدف هذه المنطقة إلى حماية المعبد من التلوث والنشاط السياحي غير المسؤول.
• يتم إجراء أعمال الترميم بشكل دوري للحفاظ على المعبد في حالة جيدة.
• تتم توعية السياح بأهمية الحفاظ على المعبد من خلال وضع لافتات إرشادية وتنظيم برامج تعليمية.
أقرأ أيضاً.. “منارة الإسكندرية” رمز القوة المصرية