أماني صلاح
نظرًا لأهمية الشعر في العصر الأندلسي وانتشار الموشحات الأندلسية والشعر بكافة الوانه، وبسبب الاضطرابات في الأندلس وسقوط مدن عديدة، فقد ظهر نوع جديد من الشعر لرثاء المدن الزائلة، ولعل من أشهر الشعراء في هذا النوع هو الشاعر أبو البقاء الرندي والذي أشتهر بقصيدته “نونية الرندي”.
نشأة أبو البقاء الرندي
الاسم عند الولادة هو “صالح بن أبي الحسن بن يزيد بن صالح بن موسي بن أبي القاسم بن علي بن شريف العنزي” ولديه العديد من الألقاب منها “أبا الطيب، وأبو محمد، وأبي البقاء”، وهو من قبلية نقزة وهي أحدي قبائل البربر التي سكنت مدينة رنده، وعاصر الفتن والاضطرابات في الأندلس وسقوط قواعدها على يد الإسبان وأجمع الأدباء أنه خاتم الشعراء بالأندلس.
صفات شخصية مميزة
تميز أبو البقاء بالخلق والدين فكان حافظًا للحديث وفقيهًا وبارعًا في نظم الكلام والمدح والغزل والرثاء، فقد جسد صورة الأديب الفقيه مما جعله حسن الصلة بأهل الفكر، وأصحاب الدولة من الأمراء، والحكام، والوزراء، والدليل على تمسكه بالدين هو أنه نظم شعره في غرض التوحيد مثل “مالنا نفر بالأذهان ونغرها بمطالب البرهان”.
مؤلفاته
أشتهر أبو البقاء الرندي بقصيدته النونية في رثاء الأندلس إلى جانب كتاب الوافي في نظم القوافي، وهو كتاب نقدي يصدر في سلسة دراسات أندلسية، وأيضًا كتاب في المعارف العامة ويسمى روضة الإنس ونزهة النفس، وكتاب الفرائض وقد تم شرحه من قبل أبو الحسن علي بن محمد، كما أن له العديد من دواوين الشعر، وتم الإشارة اليها في تراجم وتاريخ الأدب الأندلسي، ولكن لم يستدل عليها.
الصور الشعرية عند أبو البقاء الرندي
المدح
ويظهر في قصائده أنه شاعر البلاط النصري حيث أتصل بالأمير محمد بن يوسف فلم يغادر مناسبة دون إعداد شعر خاص به وخصص ديوان شعر عند ولي الأمير “الحضرة النصرية”، وتميز شعره بحسن صياغة العبارة والإبحار خلف الصور المبتكرة والوصول والتأثير في النفوس.
الغزل
كان غالبًا ما يبدأ قصائده في المدح بالغزل فهو لم يستخدم الغزل كهدف في حد ذاته ولكن بمثابة تطريزات لشعره.
الوصف
وهو أحد الصور الشعرية التي تميز بها الرندي حيث كان يقرب الصورة الشعرية بوصفها بأشياء تتصل بأمور الحياة، فقد وصف الطبيعة الأندلسية و الغرناطية، وأيضًا الأشجار والسفن.
الرثاء
وهو أهم ما أشتهر به، فقد انقسم الرثاء عند الرندي إلى الرثاء الأسري كالقصائد التي أرثى بها زوجته، والرثاء الخاص بالمدن الزائلة وأشهر قصيدة له في رثاء الأندلس هي “نونية الرندى” كما أسلفنا.
والتي أشتهر منها البيت الشعري التالى: “لكل شيء إذا ما تم نقصان-فلا يغر بطيب العيش إنسان”،
فهو هنا لم يرثي سقوط المدن فحسب بل حضارتها كحضارة الفلك لكل من العلماء، المجريطي، والزرقالي، وحضارة الطب لكل من ابن رشد، وابن جليل، وموشحات عبادة “ابن ماء السماء”، ومعاهد العلم في قرطبة.
الدراسة الفنية لشعر أبو البقاء الرندي
اللغة الشعرية عند الرندي بين الرقة والعذوبة وسلاسة الطبع واحيانًا بين الجرأة والقوة وذلك تأثرًا ببيئة الاندلس، وقد استخدم الرندى أساليب التشبيه والاستعارة والكناية لتقريب الصورة الشعرية إلى الصورة الواقعية فيسهل على القارئ والسامع لشعره فهمها، والاحساس بها.
وتمتع الرندي باستخدام الموسيقى الشعرية في أوزانه على غرار أوزان “الخليل بن أحمد” فقد ركز على الموسقى الداخلية المعتمدة على التكرار، والطباق، والجناس، والموسيقى الخارجية التي تشمل الوزن والقافية.
فهو خاتم شعراء الأندلس كما وصفه بن عبد الملك وهو شاعر الرثاء الأصيل الذي تميز ببراعة أدبية وقدرة على النظم والتأليف إلى جانب في منظوم الكلام والتصرف.
أقرأ أيضاً.. فاطمة الفهرية “أم البنين” مؤسسة أول جامعة في التاريخ