أماني محسن
هناك الكثير من قصص النجاح لشخصيات نسائية على مر التاريخ، فقد تمكنّت العديد من النساء في ترك أثر كبير في عدة مجالات، ونحن الأن بصدد الحديث عن امرأة تُمثل فخرًا كبيرًا لجميع العرب رجالًا ونساء، وهي فاطمة بنت محمد الفهري ” فاطمة الفهرية” مؤسسة أول جامعة في تاريخ العالم.
نشأة فاطمة الفهرية
في عام 800 م وبمدينة القيروان بتونس وُلدت فاطمة بنت محمد الفهرية ولقبها أم البنين من أصل تونسي وتعود أصولها لذرية عُقبة بن نافع الفهري القرشي الذي قام بفتح بلاد المغرب (تونس، والمغرب، والجزائر) وأسس مدينة القيروان بتونس، وهي شخصية تاريخية خالدة في ذاكرة مدينة فاس بالمغرب والتاريخ المغربي فقد كانت أول مؤسسةً لجامعة في التاريخ، وقد أطلق عليها والدها محمد الفهري اسم فاطمة تيمنًا باسم السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ولم يكن لدي فاطمة سوي أخت واحدة تُدعى مريم نسبة للسيدة مريم بنت عمران، وكان لقبها أم القاسم.
وقد نزحت وهي فتاة صغيرة مع والدها ضمن العرب النازحين من مدينة القيروان إلى مدينة فاس بالمغرب وكان ذلك في زمن حكم الملك
إدريس الثاني، واستقرت العائلة بمنطقة عدوة القرويين وتزوجت فاطمة من رجل ثري وعاشا بسلام وأصبح أهلها وزوجها
أثرياء بعد تعب وعمل، ولكن سعادتها لم تكتمل حيث توفي زوجها بعد فترة قصيرة من زواجهم ولم تُنجب منه أولاد، ثم توفي أخ له فورثت فاطمة عنهما مالاً طائلاً، وكان الإبتلاء الأعظم هو وفاة والدها محمد الفهري معلمها الأول، وورثا الأختين من والدهما مالًا كثيرا وأصبح لديهم ثروة هائلة.
سبب تسميته فاطمة الفهرية بأم البنين
أخذت فاطمة تفكر ماذا يمكنها أن تفعل بكل هذا المال وخاصة أنها لم يكن لديها أي أولاد لذا قامت بالتبرع بمبالغ كبيرة لطلاب العلم الفقراء واليتامى وبسبب ذلك لُقبت فاطمة بأم البنين حيث كان هؤلاء الطلاب واليتامى بمثابة أطفالها،
جامع القرويين من إنجازات فاطمة الفهرية
لم تكتفي فاطمة بالتبرع لطلاب العلم بل أخذت تفكر في مشروع يُفيد الإسلام والمسلمين وخلال ذلك علمت أن أكبر مسجد في المدينة وهو “مسجد الشرفاء” لم يعد يستوعب العدد الهائل من المصلين وطلاب العلم ويرجع ذلك لكثرة هجرة العرب من الأندلس وأفريقيا لعدوة القرويين ومدينة فاس، ونظرًا لشخصية فاطمة السخية والطيبة قررت أن تقوم ببناء جامع يجمع المسلمين من كل أنحاء المدينة ليُرفع ويُذكر فيها اسم الله.
وقد اختارت فاطمة مسجد القرويين لكي تقوم بإعادة بناءه وقامت بشراء الأرض المحيطة به لضمها لأرض المسجد فيصبح من أكبر المساجد في المغرب، وعندما بدأت عملية البناء قررت فاطمة أن تصوم لله عز وجل بنية المباركة في المسجد، وقد انفقت أموالًا طائلة حتي إكتمل بناءه في صورة بهية وقد كانت عازمة على ألا يتم أخذ ترابًا أو مواد بناء من غير الأرض التي قامت بشراءها.
فقاموا ببناء كهوف تحت اللأرض لإستخراج الرمل الأصفر والأحجار والجص لإستخدامهم في البناء وقد أرادت بذلك ألا يكون هناك أي
شبه تشوب بناء المسجد، وهذا يُوحي كونها شخصية قيادية وعالمة بامور البناء والتشييد، وعندما تم بناءه بعد فترة استمرت 18 عام وفي اليوم الأول من رمضان عام 245 هجرية صلت فاطمة حمدًا وشكرًا لله في جامع القرويين، والذي أصبح في عام 877 ميلاديًا أول مسجد ديني وأول جامعة عربية وفقًا لموسوعة غينيس.
أقرأ أيضاً.. قصر الحمراء بغرناطة.. المَرجع الرئيسي للهندسة الإسلامية
وأصبح مقر للتعليم في مجالات عديدة كالطب، والفلسفة، والفلك، وغيرها من العلوم، وتوسعت مكتبة الجامع حتي أصبحت بحجم مكتبة قرطبة.
وبسبب دروس العلم التي كانت تُعطي في الجامع بإنتظام أصبح الجامع منارة الإسلام في العالم أجمع، وإمتد دوره في نشر الإسلام من المغرب العربي وصولاً لإوروبا، وتم تصنيفه كونه أقدم جامعة في العالم وذلك لأن بناءه سبق بناء أي جامعة أوروبية في العالم بقرنين.
وتخرج منه أشهر العلماء في التاريخ مثل ابن خلدون والذي انتشرت علومه بين المغرب والأندلس، ومحمد بن عبد الكريم الخطابي ( أسد الريف ) القائد العسكري الذي حرر المغرب من الإستعمار الفرنسي والأسباني وصاحب مقولة ” المغرب العربي بالإسلام كان، وللإسلام عاش وعلى الإسلام سيسير في حياته المستقبلية”.
وكان سببًا في قيام الحركات التحريرية للجزائر وتونس وليبيا وكل الدول الإسلامية، وشخصيات أخرى مؤثرة وغيرت مجرى التاريخ قد تخرجت من جامع القرويين، وبذلك أصبحت فاطمة الفهرية من أكتر النساء الملهمات في التاريخ وصاحبة أقدم جامعة في العالم.
أقدم جامعة في العالم
في عهد دولة المرابطين إنتقل مسجد القرويين من مرحلة الجامع إلى البداية الجامعية حيث إتخذه الكثير من العلماء مقرًا لدروسهم، وفي عصر “المرينيين” بدأ في الإنتقال لمرحلة الجامعة فقد تم بناء المدارس حوله وإمداده بالكراسي العلمية والخزانات ومن
هذه المدارس مدرسة فاس والمدرسة المصباحية التي أنشأها أبو الحسن المريني عام 743 هجريًا وكان الطلاب هم من يقوموا بإختيار المعلم الذي يريدونه فيجلسون حوله في شكل حلقات فأصبح جامع القرويين والجامع العلمي الملحق به مركز للنشاط الفكري والثقافي والديني لما يقرب ألف سنة.
مسجد الغيرة
ثارت نفس مريم من كثرة انجازات أختها فاطمة مما جعلها تقرر أن تقوم هي أيضًا بعمل مشروع يفيد الإسلام والمسلمين ولذلك قامت ببناء مسجد الاندلس وقد اطلق عليه البعض مسجد الغيرة نظرًا لأن مريم قامت ببناءه لكي تسابق أختها في عمل الخير.
وهو مسجد عريق في مدينة فاس وتم بناءه عام 859 ميلاديًا وكان ذلك بعد عام من بناء جامع القرويين، فقد قدمت الأختين فائدة كبيرة للمسلمين وأصبحا نموذج ملهم ومشرف للنساء المسلمين.
وتوفت فاطمة الفهرية عن عمر يناهز 78 عامًا ولم تكن تعلم أنها تركت أثرًا كبير ومشروعًا كتب للإسلام والمسلمين في المغرب وأفريقيا والعالم كله عهد جديد.
أقرأ أيضاً.. المدن المسورة في المغرب.. أماكن عتيقة تتحدى الزمن