
محمد أحمد كيلاني
رغم أن أفلاطون وصفه ذات مرة باستخفاف بأنه “سقراط المغترب” فإن الحقيقة هي أن ديوجين سينوب شارك سلفه في رفض وسائل الراحة المادية، على الرغم من أنه أخذ تلك الأفكار إلى أقصى الحدود، وديوجين، الفيلسوف الشهير في القرن الرابع قبل الميلاد، تحدى الأعراف الاجتماعية والثقافية في عصره، بأسلوب حياة غريب وفي نفس الوقت متطرف، وبأفكار موحية حول السعادة والفضيلة، فلنتعرف على مفهوم السعادة عند ديوجين وعلى تلك الشخصية المثيرة.
الفيلسوف الساخر ذو المفهوم الجذري للسعادة
ولد ديوجين (404-223 قبل الميلاد) في عائلة ثرية، لكنه تخلى عن ميراثه ليعيش متسولًا في شوارع أثينا، ولقد تبنى أسلوب حياة زاهدًا ومجردًا، وأصبح رمزًا لحرية الفرد واستقلاله.
ويقال إنه كان يعيش في برميل على أطراف المدينة ويكتفي بالحد الأدنى لتلبية احتياجاته الأساسية.
واعتمد المتهكمون، أتباع فلسفة ديوجين، منهجه الجذري في الحياة والسعادة، وإن مصطلح “ساخر” المشتق من الكلمة اليونانية “kunikos” (التي تعني “شبيه بالكلاب”)، ينقل التصميم الذي كان به هؤلاء المفكرون يحتقرون الأعراف الاجتماعية ويسعون إلى العيش بشكل طبيعي قدر الإمكان.
وعلى الرغم من اعتباره منبوذًا من قبل المجتمع في عصره، تحدى ديوجين المفاهيم التقليدية للنجاح والسعادة، وقدم منظورًا جذريًا للحياة والفضيلة، ويمثل إرثه تذكيرًا بأهمية الأصالة والحرية والبحث عن معنى يتجاوز الممتلكات المادية والأعراف الاجتماعية.
وعلى وجه التحديد، فإن مصطلح “متلازمة ديوجين” مستوحى من هذا الفيلسوف اليوناني، على الرغم من أنه لم يكن هو من صاغه، ولقد تم نشره في السبعينيات عندما لوحظت حالات سلوكية مشابهة لتلك الموصوفة في الكتابات عن ديوجين سينوب.
ومتلازمة ديوجين هي اضطراب عقلي يتميز بالإهمال الشديد للنظافة الشخصية، والاكتناز القهري للأشياء، والعزلة الاجتماعية، وغالبًا ما يعيش الأشخاص الذين يعانون منه في ظروف من الإهمال الشديد والاضطراب، ويميلون إلى رفض المساعدة أو التدخل الخارجي.
السعادة عند ديوجين
لقد ركزت فلسفة ديوجين على السعي وراء حياة بسيطة وحقيقية، وخالية من القيود الخارجية التي يفرضها المجتمع، والسخط الداخلي الناجم عن الرغبة والعاطفة والخوف.
وبالنسبة لديوجين، لم تكن السعادة في الثروة أو السلطة أو الشهرة، بل في الفضيلة والاكتفاء الذاتي، وكان يعتقد أن السعادة الحقيقية تكمن في العيش وفقًا للطبيعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ولقد رفض الملذات الدنيوية ووسائل الراحة المادية، بحجة أنها ليست ضرورية لحياة كاملة.
معنى السعادة عند ديوجين
ومن وجهة نظره فإن السعادة تكمن في الحكمة والفضيلة، وفي تنمية حالة داخلية من الهدوء مستقلة عن الظروف الخارجية.
ولقد انفصل نهجه الجذري تجاه السعادة عن المعايير التقليدية للرفاهية، واقترح مسارًا بديلًا يعتمد على النزاهة الشخصية.
وبهذا المعنى، كان يعتقد اعتقادًا راسخّا أن مفتاح تحقيق حياة سعيدة تستحق العيش يعتمد على التحرر من الروابط الاجتماعية والمادية والسعي إلى الانسجام وفقًا للطبيعة والعقل.
وهذا يعني أن السعادة عند ديوجين تكمن في العيش في انسجام مع إيقاع العالم الطبيعي، ولكن وأيضًا في الرضا بالقليل، لذلك كان يعتقد أنه كلما اقترب المرء من العيش ببساطة وطبيعية، كلما اقترب من تحقيق حياة مثالية سعيدة.
ويتجلى ذلك في أسلوب حياته “النسكي”، الذي اتسم بالفقر والتخلي عن وسائل الراحة المادية، وفي الواقع، قرر ديوجين أن يعيش في الشارع، متجاهلاً جميع الاتفاقيات.
وبحسب الوثائق المحفوظة فإنه أكل الفتات ولبس الخرق، وبرميله كان بمثابة ملجأه الوحيد، وأصبح رمزًا لأسلوب حياته.
أسلوب حياة ديوجين
لقد تم توثيق بعض الحكايات عن ديوجين التي توضح فلسفة الحياة هذه، وتنسب إليه القصة الشهيرة أنه شوهد ذات مرة وهو يسير في أثينا في وضح النهار ومعه مصباح مضاء، يبحث عن “رجل أمين”، وهو عمل من شأنه أن يوضح هذا “النقد” لغياب الفضيلة في المجتمع في هذا الوقت كما يزعُم.
وكان الرد الذي قدمه عندما سأله “الإسكندر الأكبر” عما إذا كان بإمكانه أن يفعل شيئًا من أجله: “نعم، اغرب عن شمسي”، وأجاب ديوجين هذه الإجابة بجرأة، مظهرًا ازدرائه للسلطة والتباهي اللذين اتسم بهما هؤلاء القادة.
أقرأ أيضاً.. “الإنسان حيوان سياسي”.. ماذا كان يقصد أرسطو؟!