محمد أحمد كيلاني
سور الصين العظيم هو عبارة عن حصن تم بناؤه بين القرن الخامس قبل الميلاد و السابع عشر ميلادياً، في شمال الصين، وذلك من أجل احتواء غزوات القبائل البدوية، بشكل رئيسي من منغوليا، وهو أكبر عمل هندسي تم تطويره في التاريخ.
وقد صنف اليونسكو سور الصين العظيم كموقع للتراث العالمي في عام 1987، وبعد ثلاثين عاماً، أي في عام 2007، فاز الجدار بالمنافسة العامة لعجائب الدنيا السبع الجديدة
الموقع وظروف البناء
يقع الجدار في شمال الصين، على حدود صحراء جوبي (منغوليا) وكوريا الشمالية، ويمتد السور بين مناطق (جيلين، وهونان، وشاندونغ وسيتشوان، وخنان، وقانسو، وشانشي، وخبي وكوينهاي، وهوبى، ولياونينغ، وشينجيانغ ومنغوليا الداخلية، ونينغشيا، وبكين، وتيانجين).
ولبنائه، تم استخدام السخرة، وتسبب بنائه في الكثير من الوفيات، فقد اشتهر السور “بأنه أكبر مقبرة في العالم”، وترددت شائعات عن استخدام رفات العبيد كمواد بناء، لكن الأبحاث دحضت هذه الأسطورة.
وتقول أسطورة أخرى أنه يمكن رؤية سور الصين العظيم من الفضاء، لكن هذا ليس صحيحًا أيضاً، إذن ما الذي نعرفه حقاً عن هذه الأعجوبة الهندسية؟ لمعرفة ذلك، دعنا نتعرف على السمات الرئيسية لسور الصين العظيم، وما هو تاريخه وكيف تم بناؤه.
ملامح سور الصين العظيم
يُعتبر سور الصين العظيم مجمعاً دفاعياً، حيث يعبر الصحاري والجروف والأنهار والجبال التي يزيد ارتفاعها عن ألفي متر، وهو مقسم إلى أقسام مختلفة ويستفيد من السمات الطبوغرافية كامتداد طبيعي لجدرانه.
طول جدار الصين
بحسب مصادر رسمية، وصل طول سور الصين العظيم إلى مسافة 21196 كيلومتراً، ويشمل هذا القياس محيط جميع الجدران التي ظهرت إلى الوجود والمسارات المتصلة.
إرتفاع سور الصين العظيم
إذا فكرنا في الجدران، فإن متوسط إرتفاع سور الصين العظيم يبلغ حوالي 7 أمتار، بينما يمكن أن تصل أبراجه إلى حوالي 12 متراً، وتختلف هذه القياسات حسب القسم، فالجدار الصيني هو نظام دفاعي مُعقد يتكون من أقسام وعناصر معمارية مختلفة.
مواد بناء سور الصين العظيم
تختلف مواد بناء جدار الصين العظيم حسب المرحلة، ففي البداية، تم استخدام الحصى المدك في طبقات، وفي وقت لاحق، تم تضمين الفروع والصخور والطوب والملاط المصنوعة من دقيق الأرز.
وكانت الصخور من أصل محلي، لذلك، في بعض المناطق تم استخدام الحجر الجيري، وفي مناطق أخرى، تم استخدام الجرانيت، وفي حالات غيرها، تم استخدام أحجار ذات محتوى معدني معين مما أعطى الجدار مظهراً لامعاً.
وكان الطوب أيضاً محلي الصُنع، فقد كان لدى الصينيين أفرانهم الخاصة، وغالباً ما كان حرفيوهم ينحتون أسمائهم على الأحجار.
تاريخ سور الصين العظيم
بحلول القرن السابع قبل الميلاد، كانت الصين عبارة عن مجموعة من الدول المتحاربة والزراعية الصغيرة، وكانوا جميعاً يقاتلون بعضهم البعض لتوسيع نطاقهم، فقد جربوا موارد مختلفة للدفاع عن أنفسهم، لذلك بدأوا ببناء بعض جدران الحماية.
وبعد خمسة قرون، بقيت دولتان، إحداهما بقيادة تشين شي هوانغ، وقد هزم هذا المحارب عدوه وأدى إلى توحيد الصين في إمبراطورية واحدة، وهكذا أصبح تشين شي هوانغ الإمبراطور الأول وأسس أسرة تشين.
كيف تم بناء سور الصين العظيم؟
تباينت تقنيات بناء الجدار الصيني في جميع فترات السلالات الصينية الحاكمة، فبالنسبة لهم جميعاً، كان لابد من استخدام السخرة، والتي لم تكن شائعة تماماً لدى عامة الناس.
وفي جميع المراحل التاريخية للجدار، تم استخدام التقنية التي أنشأتها أسرة تشين كقاعدة رئيسية، وهي “صدم الأرض”، ومع مرور القرون، تم إدخال المزيد من موارد البناء، فدعونا نرى كيف حدثت هذه العملية.
المرحلة الأولى لبناء سور الصين
تم بناء معظم جدران أسرة تشين باستخدام تقنية الأرض المضغوطة أو صدم الأرض كما ذكرنا، وتم تجميع هذه الطبقات باستخدام قوالب خشبية مملوءة بالتراب، ويضاف الماء لضغطها.
وبالتالي، كان على العمال توخي الحذر لإزالة أي بذور أو براعم من الطبقات، حتى لا تنمو بين الأرض الرطبة وتضر بالبنية من الداخل، وبمجرد إكتمال الطبقة، يتم إزالة القوالب، ورفع الطبقة فوق الأخرى، وتتكرر العملية.
وكشفت تقنية البناء هذه أنه لا يمكن استخدام الجدار لصد الهجمات، ولكن لتأخيرها وإرهاق المغول، وبهذه الطريقة، سيتم أيضاً تقليل كمية الطاقة البشرية المطلوبة وسيكون هناك عدد أقل من الضحايا.
المرحلة الثانية من بناء جدار الصين العظيم
لقد تم إتقان تقنية البناء على مر السنين، وبدأ استخدام الحصى الرملي وفروع الصفصاف الأحمر والمياه في عهد أسرة هان.
فهم اتبعوا نفس المبدأ الأساسي، “القوالب الخشبية”، التي تسمح بصب الحصى فيها، وبمجرد ضغط الحصى، يتم وضع طبقة من أغصان الصفصاف الجافة، مما يسهل وضع الطبقات وجعل الجدار أقوى.
المرحلة الثالثة والأخيرة من بناء سور الصين
تميز الجدار في عهد سلالة مينج بالكمال التقني، وذلك بفضل تطور تقنيات البناء في العصور الوسطى.
فلم يعد يقتصر على التراب أو الحصى، وتمت حماية الأرض والحصى بواسطة نظام من الواجهات الحجرية (الوجوه أو الأسطح الخارجية)، وتم تثبيت قطع الجدران باستخدام نوع من الملاط غير قابل للتلف، مصنوع من دقيق الأرز والجير والتراب.
وقد أتاحت التقنية الجديدة تحسين كفاءة البناء على المنحدرات الجبلية، ووفقاً للخبراء، تم بناء بعض الأقسام على منحدرات بميل 45 درجة، ولم تكُن أقل ثباتاً.
وللقيام بذلك، صعدوا على المنحدرات، وملأوا الدرجات بالطوب الموازي للأرض، وقاموا بإنهائها بطبقة أخرى من الطوب تحاكي المنحدر، وكان الهاون هو القطعة الأساسية.
ولم تكن جدران فترة مينغ تحتوي فقط على بوابات الوصول والحصون والأبراج، فقد كان لديهم أيضاً نظام أسلحة نارية لصد هجمات العدو، فبعد صنع البارود، طور مينغ المدافع والقنابل اليدوية والألغام.
وفي هذا العهد من سور الصين العظيم كان أيضاً، مُجهزاً بنظام تصريف المياه، وكان الجدار في عهد مينج أيضاً موضوعاً للزخرفة الفنية في بعض الأقسام، والتي كانت بمثابة علامات للثروة والقوة.
الحصون وأبراج المراقبة
كانت أبراج المراقبة عبارة عن مبانٍ ترتفع عمودياً فوق الجدران، لتحديد هجوم العدو في الوقت المناسب، وقد تم تسجيل وجود حوالي 24000 برج.
وتم تجهيزهم بنظام اتصالات لتنبيه القوات، وكانت إشارات الدخان والأعلام في النهار، وإشارات ضوئية ليلاً.
وكان ارتفاع الأبراج يصل إلى 15 متراً، ويمكنها استيعاب ما بين 30 و 50 جندياً، بحسب حجم المكان، حيث كان عليهم قضاء الليل فيها في نوبات مدتها أربعة أشهر.
وكانت الثكنات والحصون أماكن يعيش فيها الجنود ويتدربون فيها، وكان الجنود بحوزتهم أسلحة وذخائر ومستلزمات أساسية.
فلا شك أن سور الصين العظيم واحداً من عجائب الدنيا، وهو يُمثل قدرة البشر في الابتكار من أجل حماية أنفسهم وأرضهم.
أقرأ أيضاً..نفق خوفو السري.. إلى أين تقودنا أسرار الأهرامات المصرية