معالم سياحية

تمثال الحرية.. مُجاملة فرنسا لأمريكا

محمد أحمد كيلاني 

تمثال الحرية، النصب التذكاري الضخم الذي يقع في جزيرة ليبرتي، وهي جزيرة صغيرة عند مدخل ميناء نيويورك (نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية)، اسمه الرسمي هو “الحرية التي تنير العالم”، وهي من أشهر المنحوتات في العالم على الاطلاق وبدون مبالغة، وتم تقديمه من دولة فرنسا إلى الولايات المتحدة خلال الاحتفال بالذكرى المئوية لإعلان الاستقلال.

تمثال الحرية المعلم السياحي الأول

إدارة المتنزهات الوطنية بالإنجليزية (National Park Service) هي وكالة فيدرالية مسؤولة عن حماية المتنزهات الوطنية والمعالم الوطنية والمواقع التاريخية وغيرها، وهي من قامت بتصنيف تمثال الحرية في عام 1924 “بالنصب التذكاري الوطني” للولايات المتحدة، وتم تسجيل ذلك بشكل رسمي في عام 1966 في السجل الوطني للمواقع التاريخي في الولايات المتحدة، وفي عام 1976 دخلت المواقع البارزة في نيويورك ومنذ عام 1984 أصبحت جزءًا من موقع التراث العالمي لليونسكو.

قصة بناء تمثال الحرية

يبلغ ارتفاع تمثال الحرية أكثر من 46 مترًا، وهو مصنوع بالكامل من النحاس، أي أنه مصنوع من 300 صفيحة نحاسية تم طرقها حتى تصبح على الشكل المُتعارف عليه الآن، والتمثال مصنوع بحرفية عالية تضمن له الاستقرار ومقاومة الرياح البحرية القوية، فقد تم تثبيت الألواح معًا بدقة شديدة لمنع ظهور المسامير من الخارج مثلاً، وقد استغرق البناء 9 سنوات، من عام 1875 حتى 1884، وتم تنفيذه في باريس، في ورشتي( جاجيت وجوتييه)، المتخصصتين في أعمال النحاس.

وتم تجميع التمثال لأول مرة في وسط باريس، لمدة عام تقريبًا، لضمان إمكانية تجميع جميع القطع بسلاسة، ثم قاموا بتفكيكها، وتحميلها على متن سفينة حربية لنقلها إلى نيويورك، حيث قام بتجميعها مرة أخرى العمال الأمريكيون.

الصعوبات التي واجهوها

كانت الصعوبات الرئيسية التي واجهوها هي التمويل لصناعة النصب، لأنه إذا كان التمثال من مسؤولية الفرنسيين، فإن التمويل كان لابد أن يكون مشاركة مع الأمريكيين، ورغم ذلك، لم يطلب الفرنسيين الأموال، لذلك واجهوا صعوبة في بناءه، وبعدها تدخل “جوزيف بوليتسر”، رئيس تحرير صحيفة “العالم”، لإعطاء دفعة تضامن مع مروجي المشروع، وذلك من خلال التقارير، فقام بتضخيم قوة النصب التذكاري للطبقة الوسطى في أمريكا، والتي وافقت على التبرع لبناء التمثال، ولكن الطبقة العليا وخاصة في الجانب الشرقي، كانوا أكثر قلقًا، ولم يستجبوا لطلبات التمويل.

في ذلك الوقت، لم يكن من الشائع أن يتخلى الأثرياء عن أموالهم من أجل مثل هذه القضية، وبدا الأمر طبيعيًا، لكن بفضل جوزيف بوليتسر، تم الانتهاء من التمويل الأمريكي، وعلى الجانب الفرنسي، لم يكن من السهل العثور على ممولين لبناء التمثال، ولكن الشعب الفرنسي كان متحمسًا لبناء هذا النصب الذي سيذهب إلى أمريكا، ولأن صناعته ستكون فرنسية فهذا سيدل على عظمة فرنسا، وكان هذا الشعور مهم للغاية في منتصف القرن التاسع عشر.

وكانت هنالك صعوبة أخرى تمثلت في العمالة المؤهلة للعمل في الورش، ويتوافق منتصف القرن التاسع عشر مع بداية الميكنة، التي أصبحت شائعة في العقود التالية، ولكن في ذلك الوقت، كانت الحرفية أو العمل اليدوي هو الطريقة الأكثر انتشارًا، لكن العثور على عامل يمكنه العمل بالنحاس كان صعبًا في الأساس، لذا كان العثور على العشرات منهم أكثر صعوبة، ومن هنا كانت الصعوبات التي واجهها النحات “أوغست بارتولدي” في المضي قدمًا في مشروعه كما يشاء.

أسباب نجاح تمثال الحرية

من الناحية التكنولوجية، يُعد التمثال إنجازًا رائعًا، خاصةً بعدما تم تطبيق بعض المعايير التي تم دراستها ولكنها لم تُطبق على نصب تذكاري بهذا الحجم، وقد ابتكر النحات “أوغست بارتولدي” نموذجًا مُصغرًا متوسط ​​مساحته 11 مترًا (والذي كان بمثابة نموذج للنسخة الباريسية المتماثلة لجسر جرينيل في جزيرة سوان)، وتم تقسيم هذا النموذج إلى 12 قسمًا، تم قياسها جميعًا في العديد من النقاط بجميع الأبعاد الثلاثة، وتم دراسته جيدًا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إقامة العلاقات بين فرنسا والولايات المتحدة هي أيضًا عامل نجاح كبير في الواقع،

هل يرمز التمثال إلى الحرية فقط؟

في الأساس يرمز التمثال الى الحرية، لكننا نرى أن هذا الرمز يتقاطع بمرور الوقت، فقد تم استخدام التمثال مرات عديدة للدفاع عن قضايا مختلفة، على الرغم من أنه اليوم في نظر غالبية الأمريكيين، رمز الحرية التي يجلبونها للعالم كما يزعمون، بخلاف ذلك، حتى التمثال يحتوي على عدة عناصر رمزية، مثل سلاسل العبودية المكسورة، والتي غالبًا ما يتم تجاهلها عند صنع نسخة طبق الأصل من التمثال، ويتم تمييز اللوح الذي يحتوي على تاريخ الاستقلال الأمريكي.

تمثال الحرية هو الأكثر تقليدًا في العالم

هل تعلم أن تمثال الحرية هو أحد أكثر الأعمال إعادة إنتاجًا في العالم مع الموناليزا؟ فقد تواجدت نسخ للتمثال في العديد من البلدان حول العالم، مع وجود الكثير منها في الولايات المتحدة نفسها، ويوجد في فرنسا أكثر من ثلاثين نسخة، دون احتساب النسخ الثانوية أو الخاصة، ويُعد أشهرها هو ذاك الموجود في جزيرة سوان، بجوار جسر جرينيل في باريس.

ماذا سترى خلال زيارتك للتمثال

تتم زيارة التمثال بشكل جيد للغاية في وقتنا الحالي، لكنها لم تكن كذلك دائمًا، يجب أن يقال أن حتى أوغست بارتولدي لم يتوقع أن يأتي كل هذا العدد لزيارة النصب، لذلك تم تطوير الجزيرة مرتين، الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي، والثانية من عام 1984 إلى عام 1986، وهذا هو الشكل الحالي للجزيرة.

فإذا كُنت هناك، سيكون برنامجك السياحي، كالتالي: ستشمل الزيارة جولة حول الجزيرة، وإلى مدخل فورت وود، والحصن العسكري القديم الذي تم بناء قاعدة التمثال في وسطه، وزيارة المتحف ثم صعود الدرجات إلى قمة التمثال، وهي قاعدة يطل منها الزائر على منظر رائع لخليج نيويورك، وتحت ثياب التمثال وضع المُصممين سقفًا زجاجيًا أعلى قاعدة التمثال، مما سيتيح لك رؤية العمارة الداخلية للتمثال.

وأخيرًا، وإذا كانت لديك الجرأة، ستصعد ثلاثمائة خطوة خلال السلم الحلزوني الضيق الذي يصعد إلى رأس التمثال، مما يوفر إطلالة على ارتفاع 100 تقريبًا على أفق نيويورك، وهي بالطبع لحظة رائعة لمن لديهم فرصة الذهاب إلى هناك، وهو أمر غير متاح للجميع لأنه يتعين عليك حجز تذكرتك قبلها بأسابيع.

أأقرأ أيضاً.. “جبل رشمور” نُصب تذكاري أمريكي لتمجيد الرؤساء السابقين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *