ثقافات

قبائل الغال.. عاشقي الحروب

محمد أحمد كيلاني 

كان لقبائل الغال تأثير كبير في أوروبا، ويمكن رؤية إرثهم حتى يومنا هذا، مثل السلتيين، الذين نشأوا منهم، لقد كانوا قبائل شبه بدوية مكرسة بشكل خاص للحرب، وهم مجموعة متباينة جدًا من الشعوب التي احتلت مساحة شاسعة في وسط أوروبا خلال العصر الحديدي.

لقد كان هؤلاء في البداية من السكان شبه الرحل الذين أصبحوا فيما بعد شبه مستقرين، واختلف أسلوب حياتهم اعتمادًا على الثروة الطبيعية للمنطقة الواقعة تحت سيطرتهم، لكنهم يشتركون في نفس المعتقدات الدينية وتفاقم شغفهم بالحرب، بالإضافة إلى امتلاكهم تكنولوجيا معدنية كبيرة.

أصل قبائل الغال

تعود أصول قبائل الغال إلى الشعوب السلتية، التي سكنت أراضي وسط أوروبا في العصر الحديدي ثم انتشرت إلى أوروبا الغربية ومناطق أخرى، وكانت هذه شعوب شبه رحل، استقرت لاحقًا في هذه الأراضي وغيرت طريقة حياتهم، وتشترك هذه الشعوب في الجوانب الدينية والعسكرية والاقتصادية واللغوية والثقافية.

فالغال هم شعوب من أصل سلتي سكنوا منطقة بلاد الغال، ومن هناك حصلوا على اسمهم، والمناطق التي عاشوا فيها قديمًا تتوافق حاليًا مع بلجيكا وفرنسا وسويسرا.

الدين والمعتقدات

كان أفراد قبائل الغال يؤمنون بالديانة الإغريقية القديمة، وكانوا مسؤولين عن تنفيذ الطقوس والاحتفالات المشتركة لعبادة آلهتهم، ومن ناحية أخرى، يُعتقد أن الغال سمحوا “بالتضحيات البشرية” من أجل تهدئة الآلهة وأيضًا كنوع من القرابين، والتي كان العبيد الذين تم أسرهم في الحرب أو أولئك الذين ارتكبوا جريمة السرقة أو قطاع الطرق جزءًا منها، حيث يتم حرق هؤلاء أحياء كتضحيات.

في وقت لاحق، تأثر الغال بشكل كبير بالرومان وتحول الكثير منهم إلى المسيحية، وهي الديانة التي انتشرت في معظم أنحاء بلاد الغال وأصبحت جزءًا من عبادتهم.

اللغة

تحدث الغال لهجات مختلفة من اللغات القلطية، والتي تنتمي إلى عائلة الهندو أوروبية، والتي انقرضت الآن، وربما كانوا يتحدثون لغات الباسك في منطقة آكيتاين، فقد كانت هذه المنطقة أكبر بكثير مما هي عليه اليوم.

ولا يُعرف سوى القليل عن الكتابة عند الغال ويعتقد أن هذا يرجع إلى المحرمات الدينية فيما يتعلق بالكتابة، ولكن بعد اتصالهم بالإغريق والرومان، استخدموا الأبجدية.

اقتصاد شعوب الغال

كان اقتصاد بلاد الغال يعتمد بشكل أساسي على المعادن المستخرجة من الأرض، مثل الحديد والذهب والفضة، وقد استخدموا الحديد على نطاق واسع لصنع أسلحة ودروع مختلفة، مثل الدروع، والرماح، والخوذات، والسيوف، والخناجر وغيرها، والتي كانت تستخدم لمواجهة الرومان في صراعات عديدة، ولكن تم استخدام الحديد أيضًا من قبلهم لصنع أدوات مفيدة للزراعة، مثل المحاريث، والمناجل، وآلات القص، والمعاول، والخطافات وغيرها الكثير.

ومن ناحية أخرى، أنشأ الغال أيضًا أدوات مفيدة للحرف اليدوية، مثل الأوتاد، والمقصات، والمطارق، والمسامير، والدبابيس، وغيرها، بالإضافة إلى الأدوات المنزلية مثل السكاكين، والملاعق، والسلاسل، والطاولات، والكراسي، والمفاتيح وما إلى ذلك، ولقد امتهنوا التجارة لتصدير كل هذه الأدوات التي قاموا بإنشائها.

وكان الصيد مهمًا أيضًا بالنسبة إليهم، حيث كانوا متواجدين في مناطق بها العديد من الغابات، التي تحتوي على مجموعة متنوعة من الحيوانات، وكانت القوة الأخرى للاقتصاد الغال قائمة على الزراعة، حيث حصدوا القمح والحبوب التي تستخدم لإطعام عائلاتهم والتجارة مع الشعوب الأخرى.

 التنظيم السياسي لقبائل الغال

الغال، ولأنهم أحفاد السلتيين، كان لديهم تنظيم سياسي بسيط للغاية، لأنهم كانوا قبائل، وكان لديهم ببساطة “زعيم قبلي” يتمتع بكامل الصلاحيات وكان مسؤولاً عن رعاية سلامة المدينة واستقرارها الاقتصادي، ومع ذلك، كان أهم عمل لزعيم الغال هو أن يقودهم في الحرب ويرشدهم إلى النصر، لأن هذا كان الهدف الرئيسي لهذه الشعوب.

التنظيم الاجتماعي لشعوب الغال

ضمن هذا المجتمع الغالي، يمكننا تمييز أربع طبقات اجتماعية، وهم:

الملوك

وكان هؤلاء مسئولين عن قيادة الشعب وكانت لهم سلطة كبيرة، لكن أبرز ما في الأمر أنهم تأثروا بالدين إلى حد كبير، نظرًا لأنه كان يعتقد أن موقعه كان من أصل إلهي، فإن هذا هو السبب في أنه تم إعطاؤهم اسامي بعض الآلهة، وكان للملك الفضل في سعادة الناس وسلامهم وثروتهم، لذلك كان عليه أن يثبت أنه عادل ولا يمكن أن يعاني من أي عيوب جسدية.

– النبلاء

تتكون هذه الطبقة الاجتماعية من مجموعتين، وهم، الكهنة والمحاربون، فقد كان كهنة الغال هم المسؤولين عن التعليم والدين والعدالة للشعب، ومن بين جميع الكهنة، كان واحدًا فقط لديه أعلى سلطة بينهم ويترأسهم، وقد برز هؤلاء الكهنة لمعرفتهم الواسعة وحكمتهم في مختلف المجالات، ولهذا السبب تم استخدامهم كمستشارين للملك وكمعلمين للصغار.

 ومن ناحية أخرى، كان المحاربون أساس شعوب الغال، حيث عُرف الغال من خلال الحرب وكانت حياتهم قائمة على هذا الفن، ففي البلدات كان هناك قادة عسكريون يتمتعون بسلطة كبيرة يتحملون مسؤولية ضمان سلامة البلدة ضد هجمات الأعداء.

– عامة الناس

 في هذه الطبقة الاجتماعية، يمكن التمييز بين عدة أنواع من الأشخاص بوظائف مختلفة، فقد كان الحرفيون هم الأشخاص الأكثر أهمية بين عامة الشعب، حيث أنهم أشخاصًا طوروا مهارة كبيرة في عمل المعادن، وكانوا مسؤولين عن صنع الأسلحة والدروع وجميع أدوات الحرب، وجاء في المرتبة الثانية التجار الذين استخدموا القوارب والنقاط الاستراتيجية لشراء وبيع المنتجات مع البلدات المجاورة.  

أيضًا، كان هناك الشباب الذين أطلق عليهم “أبناء البلد’، وكانوا مسؤولين عن العمل في الثروة الحيوانية والزراعة.

– العبيد

كان العبيد أدنى طبقة اجتماعية وبالتالي لم يكن لديهم امتيازات أو حقوق، وتم تبنيهم من قبل العائلات النبيلة وأيضًا من عامة الناس للعمل المنزلي والميداني.

مساهمات الغال

لقد ساهمت شعوب الغال في العديد من العلوم، والاختراعات ومنها:

– علم المعادن: اشتهر الإغريق بمعرفتهم الواسعة بعلم المعادن، مما ساعدهم في صنع أدوات وأسلحة حديدية شديدة المقاومة، بالإضافة إلى دروع ساعدتهم في قتالهم ضد الرومان.

البرميل: وهو عبارة عن خليط من الحديد والخشب بشكل دائري، مما يفيد في تخزين السوائل مثل الماء والخمور وأيضًا الطعام، مما ساهم في الحفاظ عليه.

وبشكل عام فقد ساهم الغال في تطو القبائل والشعوب المجاورة لهم، ولأن لكل شعب ميزة يشتهر بها، فقبائل الغال هم الشعوب المُغرمين بالحروب والقتال.

أقرأ أيضاً.. قبائل الثيمبو.. موطن نيلسون مانديلا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *