
محمد أحمد كيلاني
وقعت معجزة كالاندا، الأكثر توثيقًا في التاريخ، في كالاندا بمقاطعة تيرويل، إسبانيا، خلال القرن السابع عشر، والمعجزة تحكي بأن ساق شاب قُطعت وبعد عامين ونصف نمت من جديد، لعل ما قرأته الآن وكأنه جزءًا من فيلم هوليوودي، ولكن تلك القصة تواجدت بالفعل بين سكان تلك المقاطعة الإسبانية، فما التفسير؟ وهل يمكن أن يحدث ذلك فعلاً؟، دعونا نستعرض معكم القصة والتحليل.
معجزة كالاندا
كالاندا هي بلدة في مقاطعة تيرويل، وتشتهر في جميع أنحاء العالم بطقس يُسمى “رومبيدا دي لا هورا” (Rompida de la Hora).
وفي تلك البلدة وُلِد “ميغيل خوان بيليسر بلاسكو” في عام 1617، وهو الثاني من بين ثمانية أشقاء، وكان ينتمي لعائلة متواضعة، وبحثًا عن فرص عمل، ذهب ميغيل وهو في سن التاسعة عشرة إلى بلدة “كاستيون دي لا بلانا” للعمل مع عمه، ومن هنا تبدأ هذه القصة.
بداية قصة الرجل المبتور
كان الشاب ميغيل خوان بيليسر في التاسعة عشرة من عمره عندما كان يعمل في كاستيلون دي لا بلانا، وفي يومًا من الأيام، سقط من عربة محملة بالقمح كان يقودها، وقد تحطم رأسه وساقه اليمنى.
وقد أمضى خمسة أيام في مستشفى فالنسيا وطلب نقله إلى مستشفى في سرقسطة، وبسبب هذا الحادث، كان من الضروري بتر الساق المذكورة، حتى الركبة، وبألفعل تم إجراء العملية في مستشفى “دي نويسترا سينورا دي غراسيا” في سرقسطة، من قبل الجراح “خوان دي إستانغا”، الذي قرر بتره ساق الشاب لإنقاذ حياته.
حياة شحاذ
مع بتر ساقه واستبدالها بساق خشبية، كرس ميغيل خوان نفسه للتسول، وبمرور الوقت، أصبح أحد أشهر المتسولين الذين استوطنوا أبواب الكنائس خصوصًا كنيسة “ديل بيلار”.
وبعد عامين قرر العودة مع والديه إلى كالاندا، وبمجرد وصوله، ولمساعدة والديه، كان يتسول في البلدات المحيطة، ومن وقت لآخر كان يساعدهم في بعض الأعمال الميدانية.
وفي يوم الخميس 29 مارس 1640، عاد لمساعدة أخته في أعمال المنزل، وفي لحظة دخوله المنزل، رأى أن فرقتين من سلاح الفرسان قد وصلت إلى المدينة وكان التزام سكان البلدة هو توفير المأوى لهم.
ولذلك وصل أحد الجنود إلى منزل ميغيل ومكث في غرفته.
ليلة معجزة كالاندا
وفي تلك الليلة، قامت بعض الجيران بزيارة الأسرة، وأظهر لهم ميغيل، ساقه وسمح لهم وللجنود بلمسها، وعند الساعة العاشرة صباحاً قال إن ساقه تؤلمه وأنه يريد أن يعتزل من أجل أن يرتاح قليلاً.
وخلع ساقه الخشبية، واستقر عند سفح سرير والديه، وبمجرد أن غادر الجيران، ذهب الوالدان للنوم، وعند دخول الأم، أكتشفت أن ابنها ميغيل له ساقان، وأول ما فعله ميغيل هو أنه طلب العفو من أبيه، وسرعان ما ذهبت الأم لإبلاغ الجيران، لقد حدثت مُجزة!، وانتشر الخير في جميع شوارع المدينة.
إنتشار معجزة كالاندا
لقد انتشر الخبر كالنار في الهشيم، حيث طلب مجلس المدينة في 8 مايو عام 1640، من الكنيسة إعلان المعجزة.
وفي 5 يونيو، بدأت عملية كنسية، برئاسة رئيس أساقفة سرقسطة، حيث تم استدعاء 25 شاهداً، وهم، موظفو المستشفى، والأقارب، والجيران، والأشخاص الذين رأوا ساقه مقطوعة.
وفي 27 أبريل 1641، قال رئيس الأساقفة أن قدم ميغيل قد عاد نموها بأعجوبة، حتى أن الملك “فيليب الرابع” استقبله وقَبَل ساقه المستعادة.
إن معجزة كالاندا فريدة من نوعها فساق تُقطع ثم تظهر، هو شيء مستحيل، والأغرب من ذلك أنها كانت نفس الساق، فقد كانت تحمل نفس العلامات، ويُقال أن الشاب، في أيامه القليلة الأولى كان يعاني من صعوبة في المشي بشكل طبيعي ولم يستطع تحريك أصابع قدميه.
شرح علمي لمعجزة كالاندا
لعلك عزيزي القارئ بعد كل الذي قرأته تنتظر تحليل منطقي، فلنكمل.
فخلال قراءة محضر المحاكمة، أتت المفاجأة الأولى، وهي أنه لم ير أحد كيف قطعوا ساقه، ولم يقم الجراح خوان دي إستانغا ببترها من الأساس، ولم يكن موجودًا حتى أثناء العملية.
صحيح أن ساق المريض كُتب أنها بُترت في ذلك اليوم، لكن لم يري القدم وهي تُدفن، ولم يقر أي جراح باعتبار ميغيل خوان هو الشخص الذي بترت ساقه.
ومن ناحية أخرى، هناك سلسلة من الحقائق التي أثارت الشك، فأولاً، كان ميغيل بيليسر يُظهر جذعه ويسمح لأي شخص يقترب منه أن يلمسها، لكن ذلك الشخص لم يكن طبيبًا بالطبع.
ثانيًا، حدثت المعجزة عندما أجبرته الظروف على النوم في غرفة والديه الذين اكتشفوا المعجزة.
ثالثًا، عندما أكتشفت والدته وجود ساقه، فإن أول ما فعله ميغيل، هو أن يمسك بيد أبيه ويطلب العفو منه، بمعنى أنه لم يتفاجأ حتى!
تعتمد معجزة كالاندا، التي يُقال إنها المعجزة الأكثر توثيقًا في التاريخ، على حقيقة أن الفكرة الأساسية لبتر ساق بيليسر صحيحة، ولكن لا يوجد شهود مباشرون عليها.
لهذا السبب لا توجد طريقة لإثبات حدوث ذلك، فلربما تم التفكير في قطعها وتحسن بيليسر ولم تبتر، أو ربما لم يقرر الطبيب قط قطعها، ومن المحتمل أيضًا أن بيليسر شهد ما حدث مع مريض آخر وفكر في انتحال تلك الصفة من أجل أن يعيش على التسول.
ودعونا نذكر أن تلك القصة حدثت في “عصر البيكاريسكي“، حيث كانت الشوارع مليئة بالمتسولين المشوهين، ومعظمهم مزيفين بكل تأكيد، والأمر منتشر حتى يومنًا هذا وفي مُعظم الدول.
كن الحقيقة الأساسية التي تشير إلى أنه لم يفقد ساقه أبدًا هي أن الساق الجديدة كانت مطابقة للسابقة، بل وكان جزء منها أغمق من البقية، وبالطبع حدث ذلك لأنه كان يتسول في الشمس.
ومن الواضح أنه دس ساقه في الداخل لفترة طويلة وساعات طويلة في اليوم، ممل جعله يعاني، وهذا هو السبب في أنه واجه مشاكل في المشي خلال الأيام الأولى التي تلت المعجزة المزعومة.
لماذا صدقت الكنيسة قصة ميغيل وجعلتها معجزة كالاندا
لقد استغلت الكنيسة ذلك الحدث من ناحية سياسية، فقد كان من الجيد لهم في ذلك الوقت المضطرب، أن ينشروا مثل هذه الأعجوبة، لضمان زيادة تدفق الحجاج إلى البازيليكا، فالحاجة إلى معجزة جعلتهم يسعون دون وعي إلى تصديقها.
فكل ما حدث كان استغلال من جانب الشاب لتعاطف الناس من أجل حصد الأموال، وكان استغلال من الكنيسة التي صدقت على الرواية من أجل جذب الحجاج إليها، ولكن في كل الأحوال لا المنطق ولا الطب ولا الطبيعية البشرية، تُصدق أو حتى تدع مجال لتصديق معجزة كالاندا.
أقرأ أيضاً.. تشارلز بيرن.. قصة “العملاق الأيرلندي” الذي لم يُدفن