محمد السيد
إذا كنت تعتقد أن انقراض النحل سوف يمنعك فقط من الحصول على العسل اللذيذ بمختلف ألوانه وأشكاله فإن اعتقادك هذا خاطئ تمامًا، لأن وجود النحل على الأرض يساوي وجود الحياة بأكملها على سطح الكوكب وذلك لما يعنيه وجود هذه الحشرة – التي ينفر منها الكثيرون – من أهمية بالغة للإنسان والحيوان.
متى بدأت المخاوف من انقراض النحل؟
قبل ما يقرب من خمسين عامًا قال عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين “إذا اختفى النحل من كوكب الأرض فلن يبقى للإنسان إلا أربع سنوات فقط ثم ينقرض هو أيضًا”، وقتها لم ينتبه الكثيرون لتلك الجملة، لكن بعد أن أثبتت الدراسات أن أنواع عديدة من النحل قد انقرضت بالفعل في السنوات الأخيرة عادت كلمات أينشتاين من جديد للظهور في العديد من المقالات والمواقع الإلكترونية، فعلى الرغم من أن أينشتاين كان عالم فيزياء وليس له أي علاقة بعالم الحيوان ولكن ذلك لا يمنع من أن تلك الجملة بها الكثير من الحقيقة.
بدأت هذه القضية في الظهور على السطح تحديدًا في عام 2006عندما لاحظ علماء متخصصين تقلص أعداد النحل وموته بشكل غريب وغير مفهوم، فخلال خمس سنوات فقط تقلصت أعداد النحل في مناطق شاسعة من العالم بنسبة تتراوح بين الثلاثين والخمسين في المئة وهي نسبة مخيفة وغير طبيعية بالمرة، وما زالت تلك النسبة في تصاعد مستمر كل سنة فأطلقوا على هذه الظاهرة اسم “فوضى انهيار المستعمرات”.
الغريب في هذه الظاهرة هو أن مستعمرات النحل تختفي فجأة دون سابق إنذار حيث يختفي النحل كله من دون أي علامة أو مؤشر يدل على حدوث مرض أو غزو أو اضطراب، وفي بعض الأحيان يحدث ما هو أسوأ من الاختفاء بين ليلة وضحاها فيجد هؤلاء المربين صناديقهم التي تحتوي على مئات الملايين من النحل يجدونها ميتة بالكامل وأصبحت جبالا من الجثث بدون أي سبب معروف أو مفهوم.
وفي دراسة حديثة أعدها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة سنة 2014 كشف على أن ثلاثة عشر الف نوع من أنواع النحل قد اختفى من الوجود وانقرض تماما مما يعني أن جميع الأنواع المتبقية وعددها سبعة ألاف نوع فقط ستنقرض هي الأخرى بعد حوالي عشرين سنة من الآن ولن نسمع مجددا عن شيء اسمه النحل.
لماذا علينا أن نقلق من انقراض النحل؟
يعود تاريخ وجود النحل على هذه الأرض إلى مائة وخمسين مليون سنة، يعرف منها فقط ما يقارب 20 ألف نوع وتنتشر في جميع دول العالم حيث أنه مسؤول عن تلقيح نحو سدس النباتات المزهرة الموجودة على كوكب الأرض ومسؤول أيضا عن تلقيح ثمانين في المائة من الطعام الذي يستهلكه البشر يوميًا والعديد من الفواكه والخضروات مثل الخوخ والحمضيات والطماطم.
هذا الكائن الصغير مسؤول أيضا عن تلقيح جميع أنواع الأعلاف والنباتات والأزهار البرية، لذلك فإن أهمية وجود النحل ليس فقط على الخضروات والفواكه بل أيضا على جميع الحيوانات البرية والمستأنسة مما سيؤثر كارثيًا على مجال صناعة اللحوم والألبان وجميع مشتقاته، ولن يجد البشر ما يأكله لا من الخضر ولا من اللحوم أيضا مما يعني الموت جوعًا بكل بطء.
أما الحياة البرية فحدث ولا حرج فجميع الحيوانات والحشرات التي تعيش وتتغذى على الأعشاب والأزهار جميعها ستنقرض واحد تلو الآخر وينهار النظام البيئي مما يعني دمار الحياة على كوكب الأرض نهائيا، بالإضافة أيضا أن جميع الأعشاب والنباتات التي تدخل في صناعة الأدوية والمنتجات العلاجية ستتأثر أيضا بكارثة انقراض النحل الذي يقوم بتلقيحها، مما يعني نقص شديد في الدواء المقاوم للعديد من الأمراض حول العالم.
قدرة التكنولوجيا على تعويض غياب النحل
يتساءل البعض هل يمكن أن تقوم الآلات والتكنولوجيا الحديثة بتعويض غياب النحل وتضاؤل أعداده بشكل مستمر، لكن الكثير من الباحثين أكدوا صعوبة حدوث ذلك لأن النتيجة لن تكون بالفاعلية والجودة والسرعة التي يقوم بها النحل، وهذا ليس مجرد كلام لإثبات تلك الحقيقة لكنها إجابة مبنية على تجارب بعض المزارعين عام 2012 في ألمانيا.
حيث لاحظ العديد من المزارعين اختفاء النحل الذي كان يلقح محاصيلهم من التفاح وعباد الشمس مما أدى إلى خسارة فادحة قدرت بحوالي 12 مليون يورو في سنة واحدة، حاولوا إيجاد الطرق المبتكرة لتعويض رحيل النحل فاستعملوا الطائرات بدون طيار لإتمام هذه المهمة وأيضا هناك من حاول تلقيح المحاصيل بشكل يدوي لكن كل هذه الحلول كانت مجرد محاولات كارثية بالنسبة لهم، فبجانب أنها كانت مكلفة وتحتاج للكثير من الأموال فإنها أيضا لم تأتي بالنتيجة المطلوبة من حيث الجودة والفعالية التي يقوم بها النحل.
وبعد دراسات مكثفة أجراها الباحثون فإن على الأرجح أن سبب هذه الظاهرة هو سوء تغذية النحل نتيجة لكثرة استخدام المبيدات الزراعية أو قد تكون ظواهر أخرى محيطة مثل ظاهرة الاحتباس الحراري أو الموجات الكهرومغناطيسية الصادرة عن مختلف الأجهزة الإلكترونية التي يستخدمها الإنسان مثل الهواتف المحمولة، لكن يبقى السبب الرئيسي لهذه الكارثة غير مفهوم إلى الأن.
وعلى الرغم من ذلك يظل الشيء الأخر الذي نتفق حوله هو أن الإنسان دائما ما تكون له اليد في مثل هذه الكوارث الطبيعية، فالإنسان الذي صنع القنبلة النووية ليدمر بها أممًا من البشر يكون من السهل عليه أن يصنع المبيدات الزراعية واستخدامها بشكل غير مدروس فيقتل أممًا من الحشرات الصغيرة، فبرغم أنه من المستبعد انقراض سبعة ألاف نوع من النحل خلال الأعوام المقبلة إلا أن ذلك لا يمنع أن تلك الكارثة ستجلب للبشرية المزيد من المتاعب.
تعليق واحد