تامر عابد
اليوم، سنزور أطراف الأرض ونتكلم عن المكان الأقسى على كوكب الأرض، والذي حتى الآن لم تكتشف نسبة كبيرة من أراضيه الغامضة، تحدث الجرمان والفايكنج عن أماكن بعيدة مخفية وراء الجليد، عالم كامل لا نعلم عنه شيئًا وكائنات حية ليست معروفة لنا، عالم مليء بالأسرار والمفاجآت، ومن الممكن أيضًا أن يكون هناك قواعد سرية، هذا العالم وراء الجدار الجليدي.
الجدار الجليدي والأسرار
ما هو الجدار الجليدي؟ ما سر الخرائط القديمة التي تظهر الجدار المحيط بالكرة الأرضية؟ ما هي أسباب التكتم الشديد والسرية المحيطة بالمنطقة المحظورة؟ ما حكاية النهر الأحمر الذي ينزف دمًا؟ وهل بالفعل توجد مخلوقات غريبة؟ هل لأساطير الجرمان والفايكنج وحتى الإغريق أصل حقيقي أم هي مجرد خيال؟ وما علاقة الجدار الجليدي بنظرية الأرض المسطحة؟
ريتشارد إيفلين بيرد واكتشافاته
كل هذا سنعرفه بالتفصيل في مقال اليوم. الطيار الأمريكي المشهور ريتشارد إيفلين بيرد، الذي سمى حاكم القطب الجنوبي، ألف ثلاثة كتب: “عناية السماء”، “أمريكا الصغرى”، و”الوحيد”، وأيضًا مذكراته، قال في كل مؤلفاته إن الأرض بها فتحات ومداخل توصلنا لعوالم داخلية مخفية، وهذه المداخل موجودة في المناطق القطبية، حكى تفاصيل مذهلة وأسطورية عن رحلاته للعوالم الخفية، سنسردها بالتفصيل.
استكشاف القطب الجنوبي
ظل العالم مكونًا من ست قارات حتى سنة 1820: أوروبا، آسيا، أفريقيا، الأمريكتين، وأستراليا، قبل هذا التاريخ، كانت هناك نظرية تقول إنه يوجد أرض في أقصى الجنوب مثل الأرض التي في أقصى الشمال، لكن أول إنسان وصل إلى أنتاركتيكا بالفعل كان كابتن مركب أمريكي اسمه جون دايفس في سنة 1821، منذ ذلك التاريخ، أصبح العالم رسميًا مكونًا من سبع قارات وبدأ سباق جنوني لاستكشاف القطب الجنوبي، وكان لهذا السباق ضحايا، لكن هذا ليس موضوعنا، سنتكلم فيه فيما بعد.
طبيعة القطب الجنوبي
القطب الجنوبي هو أرض جديدة غريبة مليئة بالأسرار، ومؤكد أنها ليست لها مالك، القطب الجنوبي هو أكثر قارة مليئة بالغموض والأسرار بين قارات العالم، مع أن مساحتها تقارب 14 مليون كيلومتر مربع، إلا أن القطب الجنوبي لا يوجد به سكان من البشر، وسكانه من البطاريق، من الممكن وجود 1500 إلى 5000 إنسان من البعثات الاستكشافية والعلمية وقوات الحماية.
شلالات الدم
من الطبيعي أن تكون 98٪ من مساحة القطب الجنوبي مغطاة بالثلج، ودرجة الحرارة فيها تصل في شهر يوليو سنة 1983 إلى 90 درجة تحت الصفر، وهذه أقل درجة حرارة سجلت على كوكب الأرض، في الصيف، الذي يكون وقت الشتاء لدينا، يمكن أن تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة تحت الصفر، هذه مساحة ليس لها نهاية من اللون الأبيض، وهو اللون الوحيد الموجود فيها، ولو رأيتها على الطبيعة، ستكتشف أن اللون الأبيض له درجات، جمال مخيف وباهر، لوحة فنية بدرجات اللون الأبيض، منظرها يجعل دماءك وعمودك الفقري يتجمدان من الخوف وليس من البرد، وسط اللون الأبيض اللانهائي، من الممكن أن ترى شلالات الدم. مياه مالحة مسجونة سنين تحت الثلج وبها نسبة حديد عالية، وبمجرد أن تجد منفذًا تخرج منه وتتنفس الأكسجين لأول مرة، يتأكسد الحديد ويتحول إلى اللون الأحمر الدموي، وتظهر المياه بلون الدم، تظنون ما المرعب أكثر؟ لون الثلج الأبيض حولك في كل مكان وعلى امتداد نظرك، أم شلال دم وسط اللون الأبيض؟
اكتشاف الجدار الجليدي
في المناطق القطبية، ينزل الثلج بكميات كبيرة ويتراكم فوق بعضه على سطح الجليد البحري أو فوق الجبال، ومع مرور الزمن والضغط من وزن الثلج فوق بعضه، يتحول بالتدريج إلى كتل جليد صلبة، من التكوينات التي تشكلت بتلك الطريقة جبل جليد ضخم على شكل جدار عائم في المياه في القارة القطبية الجنوبية، طوله حوالي 800 كيلومتر وعرضه يصل إلى 274 مترًا وارتفاعه من 20 مترًا إلى 50 مترًا، معنى ذلك أنه جبل جليد بحجم دولة. كيف تم اكتشافه؟ بعد اكتشاف القارة القطبية، خرجت بعثات استكشافية لتحديد القطب الجنوبي المغناطيسي للأرض، من بين هذه البعثات، كانت هناك بعثة بقيادة الأدميرال البريطاني جيمس كلارك روز، الذي تفاجأ بوجود الجدار ولم يستطع تجاوزه أو الوصول للقطب الجنوبي، ولهذا، أصبح اسم الجدار “جرف روز”، ولمدة 70 سنة بعد اكتشافه، منع الجدار المستكشفين من الوصول للقطب الجنوبي.
العمليات العسكرية في القطب الجنوبي
ولكي أسرد لكم قصة المشاجرة القائمة على الجدار، سنرجع بالتاريخ لنهاية الحرب العالمية الثانية، سنة 1946، بعد نهاية الحرب بسنة، تغيرت موازين القوى في العالم وبدأت الولايات المتحدة تنفيذ عمليات عسكرية للسيطرة على القارة القطبية الجنوبية، التي لا تملك صاحبًا، سميت أول عملية “الوثب العالي” (Operation High Jump)، وشارك فيها 13 سفينة حاملة طائرات وطائرات مائية و4700 عسكري وأسلحة ومعدات من البحرية الأمريكية، كان هدفهم التدريب على الحرب في ظروف المناخ القاسية، اسم العملية يشرح لك صفات الجدار الجليدي، ومع محاولتهم لتجاوزه، لكنهم أخفقوا بسبب الظروف القاسية والبرودة الشديدة التي تسببت في تجمد زيت الطائرات.
بعد 15 سنة، زار القطب الجليدي بجيش حوالي 400 جندي أمريكي، وبعد عشر سنين، سنة 1955، نفذوا عملية أخرى لمحاولة اقتحام الحائط، وتمت تسميتها “العمق المتجمد”، كان هدفهم التغلب على العمق الكبير والحفر تحت الجدار للوصول للجانب الآخر، هذه العمليات كان يشارك فيها ريتشارد بيرد، بعد سنتين من بداية “الوثب العالي”، قالت الأرجنتين: لماذا نحن؟ نحن الأقرب والأحق، أعدت الأرجنتين حملة عسكرية على القطب الجليدي للسيطرة عليه، لكن الحملة اشتبكت مع الجيش البريطاني، الذي كان لديه قوات تحمي القارة، لا تنسوا أن جزر فوكلاند هي التي تسيطر عليها بريطانيا بين الأرجنتين وأنتاركتيكا، قبل أن يتحول الأمر إلى صراع عسكري أو حرب عالمية ثالثة، 12 دولة من الذين لديهم مصالح في القطب الجنوبي وقعوا على معاهدة القارة القطبية الجنوبية، أو معاهدة أنتاركتيكا.
معاهدة القارة القطبية الجنوبية
المعاهدة تقول إن أنتاركتيكا هي كل الأراضي والجزر والجروف الجليدية جنوب خط عرض 60 درجة، وإن القطب الجنوبي محمية علمية من حق كل الدول إجراء أبحاث علمية فيها، ويُمنع أي أنشطة أو تجارب عسكرية أو تنقيب عن المعادن فيها.
الجدار الجليدي.. نظريات المؤامرة
أين المشكلة؟ سنة 2018، انتشر فيديو على يوتيوب يتحدث عن جدار الجليد وأنه يحيط بحافة الأرض بناء على نظرية الأرض المسطحة، وأن وراء الجدار هناك عالم آخر متقدم علينا بكثير، سكانه كائنات عملاقة، تم رصد كائنات حية على شكل وجه كلب وجسم إنسان، وأن هذه المخلوقات عدوانية لأي كائن.
ريتشارد بيرد والفتحات القطبية
سنعيد النظر إلى الأدميرال ريتشارد بيرد عندما تكلم عن الفتحات في القطب الشمالي والجنوبي، كتب في مذكراته أنه دخل بطائرته في فتحة في القطب الشمالي، ووجد نفسه طائرًا تحت سطح الأرض على ارتفاع عالٍ جدًا فوق مدن وقرى وزرع وجبال وأنهار وبشر وحضارة ثانية مختلفة عن الحضارة فوق سطح الأرض، خرج من نفس الفتحة، وقال إنه قابل سكان الأرض الداخلية، التي تسمى أجارتا (Agartha)، هذه المخلوقات تُسمى بالشماليين، وقالوا له إنهم سمحوا له بدخول أرضهم لأنه شخصية مرموقة.
درجة الحرارة الغريبة في باطن الأرض
الغريب أنه قال إن درجة الحرارة في هذا المكان لا تتعدى 123 درجة، بمعنى أن الجو لطيف ومعتدل جداً، وهذا عكس المعروف عن باطن الأرض، والأغرب أنه رأى شمساً في جوف الأرض، ولما انتهت زيارته لمنطقة أجارتا، أخبره أهلها عن طريق الخروج، من الممكن لأي إنسان تأليف هذا الكلام، لكن حكايات ريتشارد بيرد موثقة في كتبه ومذكراته ومدعمة بأفلام وتسجيلات صوتية وصور فوتوغرافية.
الأساطير النوردية ووجه الشبه
انتبهوا للشبه بين تلك الحكاية والأساطير النوردية التي أخبرتكم عنها في البداية، الأساطير تقول إن هناك عالماً يسمى جوتنهايم، سكانه عمالقة، وهذا العالم مخفي وراء الجليد، والفيديو أيضاً قال إن القوات الموجودة هناك هدفها منع الناس من الوصول للقارة واكتشاف الحقيقة، التي عبارة عن أن الأرض قرص مسطح، رغم صور الأقمار الصناعية، فإن 2% من الأمريكيين متأكدون أن الأرض مسطحة.
نظرية الأرض المسطحة والجدار الجليدي
أصحاب نظرية الأرض المسطحة يقولون إن القطب الشمالي في مركز الأرض، وأن الجدار الجليدي مثل سور على حافة قرص الأرض، وتلك نظرية لها مؤيدون كثر في العالم كله، أنشأوا جمعية الأرض المسطحة، والمشاجرة مستمرة بين مجموعة الأرض المسطحة ومجموعة الأرض الكروية، وبين نظرية الجدار الجليدي الذي أنشأ سورًا حول الأرض وجبل الجليد الذي بمثابة ثلاجة للكوكب، قصص وأساطير القارة البيضاء لا تنتهي، وسأقص لكم آخر قصة.
الجدار الجليدي.. قصة الحب المستحيلة وخريطة بيرى ريس
قصة حب مستحيلة بين رحالة أمريكي وأميرة تركية جميلة جداً رأها وهو يزور إسطنبول، مثل قصص كثيرة من هذا النوع، أهل الأميرة رفضوا حبهم، وفي يوم قرر الرحالة أن يودع حبيبته ويسافر من إسطنبول، فأخذته إلى غرفة في القصر مليئة بالمجوهرات، وطلبت منه أن يختار هدية لتظل في ذاكرته طيلة العمر، ما تخمينك لاختياره؟ عملات ذهب أم تاج مرصع بالأحجار الكريمة؟ الحقيقة أن الشيء الوحيد الذي لفت انتباهه وأخذه هو خريطة قديمة مرسومة على جلد الغزال.
سنة 1952 عثروا على الخريطة مع رجل من البحارة، وعندما فحص المؤرخون الخريطة، تفاجأوا أنها من سنة 1513، والتي رسمها قبطان تركي اسمه بيرى ريس، ورسم فيها القارة القطبية الجنوبية بدقة ووضوح، ليس هذا أغرب شيء، الغريب أن القبطان ريس نقل الخريطة هذه من كتب وخرائط أقدم، والأعجب أنه رسم على هامش الخريطة سحباً لامعة فوق القارة القطبية، وهذا شيء عرفناه في نهاية القرن العشرين، والخبراء الذين فحصوا الخريطة قالوا إنها أصلية 100%، أي ليست مزورة، وأغرب شيء أنه ليس بمقدور إنسان رسم القارة بتلك الدقة إلا لو تم تصويرها من الجو، هذا معناه أن الذي رسم الخريطة اكتشف أمريكا الجنوبية والقارة القطبية الجنوبية قبل جون ديفيز بقرون، لا تزال القارة البيضاء مليئة بالأسرار، ولا يزال وراء جدار الجليد أسرار.
أقرأ أيضاً.. اكتشاف غامض: سهينج “النصب التذكاري الخشبي الغريب” في نورفولك