تاريخ

الطب الأندلسي.. الإسلام كان السبب الرئيسي في تطور الطب الغربي

محمد أحمد كيلاني 

الطب الأندلسي، يُنظر إلى المرض في الإسلام على أنه حقيقة طبيعية للحياة، وحالة انتقالية يمكن أن تؤدي إلى الشفاء أو الموت، وتناولت الرسائل الطبية الإسلامية المرض وخصائصه وعلاجاته المختلفة، العلاجية والمسكنة، وفيما يتعلق بأسباب المرض، تسود المفاهيم الموروثة من الطب الجالينوسي، والتي تفسر صحة الإنسان على أنها توازن هش لأخلاط الجسم الأربعة، وبعيدًا عن مجرد التأثير، يضع القرآن الكريم أيضًا قواعد ومبادئ توجيهية محددة بشأن القضايا المتعلقة بالصحة والنظافة، ولهذه القواعد وزن كبير في حياة المجتمع المسلم، وتغطي جوانب متنوعة مثل:

الإجهاض وقتل الأطفال – يحرمهما القرآن، ويعتبران من الأفعال التي تهدد حياة الإنسان.

الختان – يتم ممارسته كطقوس دينية وثقافية، كما أن له فوائد صحية

الرضاعة الطبيعية– يوصي القرآن بالرضاعة الطبيعية لمدة عامين كأفضل طريقة لتغذية الطفل.

النظام الغذائي – يتم وضع إرشادات حول الأطعمة المسموح بها والمحظورة، مع التركيز بشكل خاص على اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن.

الصيام – خلال شهر رمضان له فوائد روحية وجسدية.

الطب الأندلسي.. بوتقة تنصهر فيها المعرفة

وصل الطب الأندلسي إلى مستوى عالٍ من التطور بسبب عدة عوامل، منها توسع الحكم الإسلامي، مما سهل الاتصال بالمعرفة الطبية للثقافات الأخرى، مثل اليونانية والفارسية والهندوسية، بالإضافة إلى ذلك، تمت ترجمة الأعمال الطبية الهامة من العصور القديمة إلى اللغة العربية، مما سمح بدراستها ونشرها.

ولعب إنشاء مراكز التدريس أيضًا دورًا أساسيًا، وبهذه الطريقة ظهرت مدارس طبية مهمة في مدن مثل قرطبة وغرناطة، حيث تم تدريب أطباء مرموقين.

ولوحظ هذا التطور في الأندلس في القرن التاسع عندما كتب ابن حبيب أول خلاصة وافية للطب في الأراضي الإسبانية، وهو عمل يجمع مفاهيم الطب اليوناني الهلنستي ويتضمن بعض مكونات الطب الشعبي أو “الطب النبوي”.

وكانت مدرسة غرناطة أول جامعة حكومية في الأندلس.

رحلات دراسية لاستكمال التدريب

إن تدريب الأطباء يشهد على التميز الذي كان يتمتع به الطب في الحضارة الإسبانية العربية لأنه قبل إتقان علومهم كان عليهم تطوير معارف أخرى لا تقل أهمية.

وعلاوة على ذلك، كان عليهم أن يلجأوا إلى ما في وسعهم من وسائل لإكمال دراستهم، فسافر من استطاع إليه سبيلا إلى المشرق، ومن ناحية أخرى، بدءًا من القرن العاشر، كانت هناك عدة خطوات كان على الأطباء الطموحين اتباعها للحصول على لقبهم (إيشازا): ممارسات المستشفى، وجولة من الأسئلة والأجوبة حول الأمراض، وامتحان عام وغيرها في تخصصات معينة.

وبهذه الطريقة، تم الترخيص القانوني لممارسة الطب بعد أداء قسم أبقراط، وكل هذا كان لا بد من القيام به أمام لجنة المحتسب، وهو نوع من المسؤولين الذين ينظمون التجارة.

الطب الأندلسي ونموذج المستشفى الحديث

تأسست أول مستشفى في إسبانيا المسلمة في القرن الرابع عشر في مملكة غرناطة، وهو حدث بارز يمثل مرحلة ما قبل وما بعد الرعاية الطبية في المنطقة.  

ويعلن النقش التأسيسي للمستشفى، الذي يعود تاريخه إلى ما بين 1365 و1367، بكل فخر أنه لم تكن هناك مؤسسة مماثلة في الأندلس حتى ذلك الوقت.

ويعود إدخال نموذج المستشفى في إسبانيا المسلمة إلى الموحدين الذين أتوا به من الغرب الإسلامي، وقد علم السلطان النصري محمد الخامس أثناء رحلة إلى فاس بهذه المؤسسة المبتكرة وقرر تنفيذها في مملكته.

وقد تم تصميم مستشفى غرناطة في الأصل كمؤسسة خيرية لرعاية الأشخاص الأكثر حرمانًا، وهيكلها المعماري مستوحى من الماريستان المغاربية، مع غرف مقسمة حسب الجنس وفناء كبير ومياه جارية ومستودعات ومكاتب ومساحات لدراسة الأطباء والمتدربين.

وطوال القرن الخامس عشر، وسعت نطاقها ليشمل رعاية المرضى العقليين، ويعكس هذا التطور الاهتمام بالرفاهية العامة للسكان، وليس فقط بصحتهم البدنية، فهي لم تقدم الرعاية الطبية لآلاف الأشخاص لعدة قرون فحسب، بل كانت أيضًا بمثابة نموذج لإنشاء مستشفيات أخرى في المنطقة.

يتم دمج الجراحة والطب

على الرغم من أن الطب والجراحة يشتركان في أصل قديم، إلا أن الجراحة ولدت مع عيوب كبيرة، إن الطبيعة السحرية والمقدسة المنسوبة إلى الطب في بداياته، من خلال ربط المرض بأسباب خارقة للطبيعة، أعطت لممارسيه مكانة اجتماعية أعلى مقارنة بالجراحين الذين ارتبط عملهم اليدوي بالدنيوي.  

وكانت طقوس استحضار النعمة الإلهية في علاج الأمراض تتمتع بهالة من الكرامة تتناقض مع الممارسة الأكثر واقعية ومباشرة للجراحة.

وفي المجتمع الروماني، تم توحيد التقسيم بين نوعين من المهنيين الطبيين: “ميديسي كلينيكي”، المخصص للتشخيص والعلاج الطبي، و”ميديسي تشيرورجيكي”، المتخصص في التدخل الجراحي.

كان طبيب قرطبة أبو القصاص من القرن العاشر، مدركًا لقوة الجراحة العلاجية، قد دعا إلى دمجها بالكامل في الطب في عمله “التصريف”، لقد اعتبر الجراحة جزءًا لا يتجزأ منها ويجب تعلمها وممارستها بنفس الدقة مثل بقية الطب.

لكن أبو القصاص لم يدافع عن تكامل الجراحة فحسب، بل ساهم أيضًا بشكل كبير في تطويرها: فقد أدخل تقنيات جراحية جديدة وابتكر أدوات جراحية جديدة، لذلك كان لأطباء الأندلس هذا الدور الكبير في التطور العلمي الطبي في المنطقة ككل.

أقرأ أيضاً..  أول طبيب في التاريخ.. الطب والحضارة الإنسانية جنبًا إلى جنب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *