تاريخ

شبه الجزيرة الأيبيرية.. أرض الحدادين

محمد أحمد كيلاني 

تاريخ شبه الجزيرة الأيبيرية مليء بالثقافات القديمة التي تركت بصمة لا تُمحى على الإقليم، وواحدة من أروع الحضارات التي ازدهرت في هذه المنطقة هي الحضارة الأيبيرية، فقد كان الأيبيريون مجموعة عرقية سكنت جنوب شرق شبه الجزيرة منذ القرن السادس قبل الميلاد، وحتى الفتح الروماني في القرن الثاني قبل الميلاد، واستمر إرثها الثقافي والفني على مر القرون وما زال محل إعجاب من معظم الشعوب حتى يومنا هذا.

من هم الأيبيريون؟

لقد كان الأيبيريون شعبًا من المزارعين ومُربي الماشية الذين عاشوا في مجتمعات منتشرة في جميع أنحاء منطقة شبه الجزيرة الأيبيرية، وامتدت أراضيها من جنوب فرنسا إلى شرق الأندلس، ومن جنوب شرق البرتغال إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​الإسباني.
وعلى الرغم من عدم وجود توحيد سياسي بين القبائل الأيبيرية المختلفة، إلا أنها اشتركت في سلسلة من العناصر، اللغوية والثقافية، والتي ميزتها عن غيرها من المجموعات.

أهم سمات الحضارة في شبه الجزيرة الأيبيرية

من أهم السمات البارزة في الحضارة والثقافة الأيبيرية هي علم المعادن، فقد تميز الأيبيريون في صناعة البرونز والحديد وكانوا صانعين ماهرين، وصنعوا من المعادن، أسلحة وأدوات ومجوهرات عالية الجودة، وميزتهم مهاراتهم المعدنية عن غيرهم من الشعوب في ذلك الوقت وكانوا يتمتعون بتقدير كبير في التجارة مع ثقافات البحر الأبيض المتوسط ​​الأخرى.

ويُعد الفن الأيبيري أيضًا أحد أبرز المظاهر الثقافية لهذه الحضارة، فقد ترك الأيبيريون إرثًا فنيًا فريدًا، مثل الزخارف والمنحوتات، التي صُنعت اغلبها من الحجر الجيري، وقد صورت أشكالًا بشرية بسمات مميزة، مثل عيون كبيرة على شكل لوز وأنوف بارزة، وكانت هناك لوحة عُرفت باسم “السيدات الأيبيرية”، وكانت تُعتبر رمزًا للمكانة والسلطة، ووجدت بشكل رئيسي في أماكن العبادة والمدافن للمجتمعات الأيبيرية.

الدين والتنظيم الإجتماعي للحضارة الأيبيرية

لقد احتل الدين مكانة مركزية في حياة الأيبيريين، فقد كانوا متعددي الآلهة، وعبدوا مجموعة متنوعة من الآلهة والإلهات الذين يمثلون جوانب مختلفة من الطبيعة والحياة اليومية، وكانت الطقوس والتضحيات الدينية شائعة في الحضارة الأيبيرية، وقد تم العثور على العديد من البقايا الأثرية التي تثبت هذه الممارسات.

أيضًا كان التنظيم الإجتماعي للأيبيريين مبنيًا على هيكل هرمي، حيث كانت القبائل الأيبيرية تحت قيادة النخبة الحاكمة المكونة من النبلاء والمحاربين الذين تمتعوا بمكانة كبيرة، وكان مُعظم السُكان من الفلاحين والحرفيين، والإقتصاد الأيبيري كان قائمًا على الزراعة والثروة الحيوانية والتجارة، وحافظت القبائل على إتصالات تجارية مع ثقافات البحر الأبيض المتوسط ​​الأخرى، مثل الحضارة الفينيقية، واليونانية.

الأمبراطورية الرومانية وتأثيرها على الأيبيريون

وعلى الرغم من ثرائهم الثقافي الغني، لم يستطع الأيبيريون مقاومة توسع الإمبراطورية الرومانية، وخلال “الحروب البونيقية“، فرض الرومان هيمنتهم على شبه الجزيرة، وبدأوا في غزو الأراضي الأيبيرية.

وكانت المقاومة الأيبيرية شرسة، لكنها أخمِدت في النهاية من قبل الجيوش الرومانية في القرن الثاني قبل الميلاد.

وقد فرض الغزو الروماني تحولًا جذريًا في الثقافة الأيبيرية، وفرض الرومان لغتهم ونظامهم القانوني وتنظيمهم السياسي على المنطقة بأكملها، وتم إخفاء الثقافة الأيبيرية، خطوة بخطوة، ومع ذلك، تمكنت بعض جوانب الثقافة الأيبيرية من البقاء في مجتمعات ريفية معزولة.

أهمية دراسة الحضارة شبه الجزيرة الأيبيرية

تعتبر دراسة الحضارة الأيبيرية ضرورية لفهم تاريخ شبه الجزيرة الأيبيرية وتنوعها الثقافي الثري، ومن خلال علم الآثار والبحث اللغوي وتحليل الآثار، تمكن الباحثون من إعادة بناء جزء كبير من الحياة الأيبيرية وألقوا الضوء على تأثير هذه الحضارة القديمة على تكوين هوية شبه الجزيرة الأيبيرية.

أقرأ أيضاً.. الحضارة الفينيقية.. أول من اخترعوا الكتابة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *