محمد أحمد كيلاني
أدى جدار برلين، الذي ربما يكون الرمز الأكثر تمثيلا للحرب الباردة، إلى تقسيم المجتمع الألماني لمدة 28 عامًا كاملة، فدعونا في مستبشر نستعرض تاريخه.
يعد جدار برلين، بلا شك، أحد أعظم رموز ذلك الصراع المضطرب في الحرب الباردة، فقد تم بناء الجدار في عام 1961، وكان الهدف الرئيسي له هو الفصل بين القطاع الرأسمالي والقطاع الشيوعي لمنع هروب أعداد كبيرة من السكان من وإلى، وخلال تلك العقود الثلاثة تقريبًا، لم يقسم الجدار العاصمة الألمانية فحسب، بل أيضًا قسم العائلات التي وجدت صعوبة كبيرة في التواصل مع أقاربهم وأصدقائهم وحتى أعمالهم.
فالعلاقات غير الجيدة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والإتحاد السوفيتي من جهة أخرى، والتي أدت إلى فكرة بناءة، مرورًا بتلك السنوات التي عاشها الشعب الألماني بتواجد الجدار، وحتى نهاية هذا العازل، فإن تلك السنوات بقيت عالقة في أذهان الكثيرين.
أصل المُشكلة
في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، كان السوفييت يتقدمون من الشرق بقوة لا يمكن إيقافها وكان الحلفاء يكتسبون المزيد والمزيد من الأراضي في أوروبا الغربية، وفي شهر أبريل من عام 1945، انتهى أكبر صراع حدث في التاريخ الحديث.
ومن هنا بدأت المشكلة، وذلك عندما أدرك قادة الولايات المتحدة برئاسة “هاري ترومان” والإتحاد السوفييتي بقيادة “جوزيف ستالين” أن تصوراتهما عن العالم متعارضة وغير متوافقة، بحيث أنه لا يمكن أن يكون هنالك كيانين كبيرين في العالم ويجب أن يبقى واحد فقط، لذلك بدأت الحرب الباردة، والتي شملت صراعات وتوترات سياسية بين القوتين الحليفين سابقًا.
ما دخل ألمانيا بالتوتر وكيف ظهر جدار برلين ؟
وكيف يمكن أن يكون الأمر بخلاف ذلك، فقد أصبحت ألمانيا الجوهرة في تاج تلك القوتين، ليس فقط لأنها كان مركز التهديد الذي أدعى كلا العملاقين أنهما هزموه، ولكن أيضًا لأنها كانت نقطة الالتقاء في تقدم كلا الجيشين، لذلك تقرر، من خلال إعلان برلين، أن النصف الغربي من البلاد سيكون منطقة نفوذ (تسيطر عليها) الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا وأن الشيء نفسه سيحدث مع الجانب الشرقي للإتحاد السوفيتي، فبرلين، التي كانت داخل الأراضي السوفيتية تم تقسيمها بنفس الطريقة.
سنوات جدار برلين الأولى
ابتليت السنوات الأولى من هذا الإنقسام بالصراعات والتوترات بين كلا القطاعين والتي، ولحسن الحظ، لم تؤد إلى مواجهة مفتوحة، أو حرب عسكرية، ومع ذلك، فإن الانتعاش الاقتصادي لألمانيا وبرلين الغربية، والذي تحقق بفضل مشروع أو “خطة مارشال”، تسبب في عبور حوالي 3.5 مليون شخص من الجانب السوفيتي إلى الجانب الأمريكي عبر العاصمة برلين.
بالنسبة للامريكان تلك الهزيمة جعلت السلطات تقرر، في غضون ساعات قليلة، إنشاء فصل يحيط بالقطاع السوفيتي لمنع الناس “من التأثر بالمحتوى الفاشي والرأسمالي الذي كان ضد الاشتراكية”، أو هكذا قالوا، وفي حين أن النسخة الأولى من الجدار كانت عبارة عن سياج من الأسلاك الشائكة وأكياس من الخيش، إلا أنه سرعان ما تحولت إلى بناء خرساني مسور، مكتمل بأمن دائم وكابلات إنذار و 30 مخبأ وأكثر من 300 برج مراقبة مسلح، وقد تكلف بنائه أكثر من 16 مليون مارك لجمهورية ألمانيا الديمقراطية.
جدار برلين خلال ثلاثة عقود
خلال ما يقرب من 30 عامًا من وجوده، وتحديدًا من 13 أغسطس 1961 إلى 9 نوفمبر 1989، كان جدار برلين مركزًا للتوتر الفيروسي بين قطاعي المدينة، حيث تشتت آلاف العائلات وفقدوا وظائفهم أو وجدوا أنفسهم مطرودين من منازلهم بسبب مرور الجدار عليها، فقد قُتل ما يقدر بحوالي 125 شخصًا أثناء محاولتهم عبور الجدار، وقد اعتقلت قوات الأمن السوفيتية التي تحرس هذا السجن المكشوف الآلاف من الألمان.
نهاية الجدار الفاصل
ومع ذلك، عندما اهتزت أسس الإتحاد السوفيتي واقتربنا من نهاية الحرب الباردة، رأى سكان برلين اللحظة المناسبة لوضع هذا الإنقسام المفروض وراءهم، وهذا بالفعل ما حدث فقد اندلعت موجة من الغضب ضد الجدار، وقام الآلاف من المواطنين المُسلحين، بمهاجمة وهدم الحدود التي فصلتهم عن عائلاتهم في 9 نوفمبر 1989، وكان ذلك إنهيار لرمز القهر وكانت الخطوة الأولى نحو توحيد ألمانيا، والتي حدث بالفعل في 3 أكتوبر عام 1990، وبعد أقل من عام بقليل، أصبحت مدينة برلين رسميًا عاصمة ألمانيا الموحدة.
جدار برلين اليوم
اليوم، بعد ذلك بوقت طويل، لا تزال أجزاء صغيرة من الجدار باقية، بالإضافة إلى نقطة تفتيش تشارلي المعروفة، وأصبح الجدار يجذب الزوار من جميع أنحاء العالم، لكن وبغض النظر عن قيمته التاريخية وجاذبيته السياحية، يتم في وقتنا الحالي الحفاظ عليه حتى لا ينسى أحد خطر التطرف الأعمى والقمع، وحتى يتذكر الجميع أن الرغبة في الحُرية لدى شعب أقوى من مطرقة الهدم.
أقرأ أيضاً.. تمثال الحرية.. مُجاملة فرنسا لأمريكا