جهاد مصطفى
في عام 1886، عَثر عالم الآثار”جاستون ماسبيرو” على “الخبيئة” الملكية بالدير البحري التي تضمنت مجموعة كبيرة من المومياوات، التي كان من ضمنها مقبرة الملك “رمسيس الثالث” أحد ملوك الأسرة العشرين، ولكن المفاجأة هي أنه وجد داخل المقبرة، تابوت خشبي غير مُزين بزخارف أو مرصع بأحجار كما كان الأمر مُتبع، ووجد بداخله مومياء مجهولة، وقد ظلت هذه المومياء لغزاً لعدة سنوات، وأطلق عليها إسم “المومياء الصارخة المجهولة، أو المومياء المجهولة، ورُمزت بحرف E.
المومياء الملعونة.. لمن كانت؟
كانت المومياء المجهولة لشاب يُرجح أن عُمره كان يتراوح بين 18-20 عام، وأثبتت الفحوصات أنه لم يكُن يعاني من أي أعراض مرضية أو ما شابه ذلك، لكن كان المظهر العام له، يدل على تعرضه للألم قبل وفاته، ووجوده بغرفة الدفن الملكية، تدل بالطبع على وجود صلة بينه و بين الملك، لكنها ظلت غير معروفة لفترة كبيرة.
لكن ما لفت الأنظار أن طريقة التحنيط كانت مختلفة عن طريقة التحنيط المعتادة التي أتبعها القدماء المصريين، حيث قام المحنطين بلف الجسد بجلد الماعز و هو ما يشير إلى أن هذا الشخص قد قام “بفعل بشع” عوقب عليه، لأن جلد الماعز يعتبر نجس طبقًا للمعتقدات المصرية القديمة حيث أن الماعز من أعداء الإله “رع”، وتمت عملية التحنيط بهذا الشكل ليكون مصيره الجحيم في الآخرة، كما كانوا يزعمون، ليظل ملعون في الحياة الأخرة، حسب المعتقد المصري القديم.
المومياء الملعونة.. هل كانت لها صلة برمسيس الثالث؟
كانت ترجيحات علماء الآثار أن هذه المومياء ربما تعود لابن الملك رمسيس الثالث”بنتاؤر”، وهو الإبن الذي تورط بشكل أساسي في قتل والده، فيما يعرف”بمؤامرة الحريم”، وفي تلك المؤامرة التي ذُكرت في بردية، عثر عليها، تُمثل محاكمة المتورطين في هذا الحدث، و تعرف باسم”بردية تورين القضائية”.
و بعد عدة سنين من الترجيحات أثبتت الدراسات الحديثة بالاشعة المقطعية و اختبار الحمض النووي أن هذه المومياء بالفعل تعود للامير”بنتاؤر” أبن الملك رمسيس الثالث، وأنها مومياء الإبن الخائن لرمسيس، الذي أُجبر على الإنتحار عقابًا له على تورطه في قتل أبيه.
مؤامرة الحريم وصلتها بالمومياء الملعونة
جاء ذَكر “مؤامرة الحريم”في البرديات القديمة، و هي السبب الرئيسي في لعن”بنتاؤر”و وفاة الملك رمسيس الثالث كما ذكرنا، أنه تم إغتيال الملك في مؤامرة دبرتها له زوجته الغير الملكية التي كانت تعرف باسم “تي” أو”تيي”، وذلك طمعًا في وضع أبنها”بنتاؤر” على العرش خلفًا للملك بدلًا من الخليفة المختار”رمسيس الرابع”.
فبعد مدة حكم امتدت 32 عام أنتقل الملك رمسيس الثالث إلى طيبة للاحتفال بالعيد”سد”و تم هناك تنفيذ هذه المؤامرة، حيث قامت زوجة الملك و معها بعض من نساء القصر و الخدم بإرسال خطة الإغتيال إلى عدد من رجال الدولة البارزين، و نظموا هجوم على الملك بمساعدة”بنتاؤر” و والدته بعدة اسلحة مختلفة.
وأثبت فحص الاشعة المقطعية عن وجود قطع في حلق الملك حتى العظم مما أدى إلى قطع القصبة الهوائية و المرئ و الأوعية الدموية، و وجود قطع في إصبع القدم اليسرى بواسطة جسم يشبه الفأس، وحدث ذلك قبل الوفاة مباشرةً، ووضع المحنطون نوعًا من الكتان بدلًا من الإصبع ووضعوا 6 تمائم حول القدمين و الكاحلين للمساعدة في إلتئام الجروح في الحياة الأخرى، ورغم ذلك لم يتوفى الملك مباشرة لكنه توفى بعدها بفترة قصيرة متأثرًا بجروحه، و نجحت المؤامرة في قتل الملك لكنها فشلت في جعل”بنتاؤر” ملكًا.
محاكمة المتآمرين ومصير الإبن الخائن
قام”رمسيس الرابع” باقامة محاكمة عاجلة للمتآمرين بقتل الملك، حيث حكم على البعض منهم بالاعدام و حكم على البعض الأخر بقطع اجزاء من الجسد، مثل القدم و اليد، وحُكم على بنتاؤر باعدام نفسه شنقًا، و قيل أنه تناول السم، و هذا يفسر سبب وجود المومياء بشكل يدل على تعرضه للألم الشديد قبل موته و طريقة التحنيط التي تمت بجسده، فيما لم يذكر ماذا كان مصير زوجة الملك الخائنة.
أقرأ أيضاً..نفق خوفو السري.. إلى أين تقودنا أسرار الأهرامات المصرية