محند أحمد كيلاني
تاج محل هو ضريح بُني بين عامي 1631 و 1653، في مدينة أجرا أو اغرة الهندية بالقرب من نهر يامونا، ويشتهر المَعلم بتخليد واحدة من أهم قصص الحب المعروفة في الهند، كما أنه أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1983، وهو مُدرج أيضاً في قائمة عجائب الدنيا السبع في العالم الحديث منذ عام 2007.
وتم بناء الضريح بأمر من الإمبراطور “شاه جهان” تكريما لذكرى زوجته المفضلة، “أرجوماند بنو بيجوم”، المعروفة باسم “ممتاز محل”، فمَعلم تاج محل يُمثل رؤية الحياة الروحية الإسلامية للملك وقرينته، ورمز الحب الذي تحول إلى الإخلاص، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا للملك، فهيا بنا نتعرف عليه بشكل أكثر شمولاً.
الهندسة المعمارية لتاج محل ومعنى الاسم
يعني اسم تاج محل “تاج القصور”، وتميز الضريح من بين الإنشاءات المماثلة الأخرى لكونه مبنياً من الرخام الأبيض والأحجار الكريمة، مما يمثل تحدياً للتقليد القائل بأن الآثار الجنائزية كانت مصنوعة من الحجر الرملي الأحمر، ولكن أيضاً، من الناحية الجمالية، فهو عبارة عن توليفة من العناصر العربية والهندية والمنغولية والفارسية والغربية.
ونرى تأثير العمارة المنغولية في استخدام المآذن والأبراج، ومن العمارة الفارسية، يرث تاج محل التناظر، في الحديقة المركزية، والقبة والإيوان (مساحة ذات قاعدة مقببة مستطيلة بقوس، مغلقة من ثلاث جهات ومفتوحة من جانب واحد).
ومن التأثير الهندوسي، يطبق أعمدة الأقواس على الجدران الداخلية، ومن الغرب، ورث تقنية النقش الرخامي (المرصع بالأحجار الكريمة)، وأخيراً، أخذ من العرب تطبيق الخط والزخارف المجردة، والمفهوم الثنائي للفضاء (العالم الأرضي والعالم الروحي).
ملامح تاج محل
يغطي تاج محل مساحة بعرض 580 وطول 305 متراً، وينقسم تصميمه إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، في الشمال، الضريح والهياكل المجاورة، وفي الوسط الحدائق، وفي الجنوب المدخل.
ويمكن أيضاً إضافة قسمين، وهما، حديقة ضوء القمر، الواقعة على الجانب الآخر من نهر يامونا، والبازار الكبير القديم.
يتضمن هذا المجمع المعماري هياكل مختلفة، ويمكن تقسيمها إلى:
ضريح ممتاز محل، وهو القسم الأهم من المجمع، وهو مربع الشكل، وجدرانه متطابقة، وزواياهما على شكل قوس طوله 33 متراً، وعلى الضريح نقوش من القرآن الكريم.
ويتوج الضريح قبة بارتفاع 4 أمتار وقطر 40 متراً، تعلوها بدورها قبة مياه يبلغ ارتفاعها أكثر من 17 متراً، والقبة محاطة بأربعة أبراج مثمنة.
المسجد، وهو مبني من الحجر الرملي الأحمر ويوجد به ثلاث قباب، ويحيط بالضريح الرئيسي على الجانب الغربي، ويبلغ طوله 60 متراً وعرضه 30 متراً.
الحصن أو الدروزة، ويقع في المدخل الرئيسي، وهو مبني من الرخام ومستوحى من الطراز المغولي.
المقابر الثانوية، قسم مخصص لإيواء جثث زوجات الإمبراطور الأخريات وقبر إضافي لخادم ممتاز، وتقع المقابر بجوار الحصن.
الحدائق، وهي تمثيل للحياة في الآخرة، وتحتوي الحديقة المركزية على أربع قنوات ترمز إلى أنهار الجنة الأربعة، وتم إنشاء البركة لغرض عكس الضريح، على الجانب الآخر من نهر يامونا وتوجد حديقة ضوء القمر، وعلى الجانب الآخر، حديقة المدخل، التي كانت تحد البازار سابقاً.
زخرفة الضريح
تتميز زخرفة تاج محل بسبب بذخها، فقد تم استخدام النقوش البارزة من الرخام والأحجار الكريمة المرصعة في الصخر (بيترا دورا) وجميع أنواع التقنيات داخلياً وخارجياً، ومن بين الأحجار الكريمة المستخدمة اللازورد، والياقوت، والعقيق، والفيروز، وغيرها.
وتم العثور على أشكال هندسية، وكذلك زخارف نباتية في جميع أنحاء المبنى، كما يَبرُز استخدام الخط العربي مع نقوش من القرآن الكريم.
تاج محل من الداخل
المساحات الداخلية لتاج محل غنية للغاية بالزخرفة، مثل باقي المجمع، لكن التفاصيل أكثر جمالاً.
ففي هذه الأماكن توجد المقابر التي ترقد فيها الملك ورفاقه، وقم تم دفن الإمبراطور جهان في التابوت الرئيسي حيث يرقد ممتاز محل، وذلك على الرغم من أنه لم يكن جزءاً من المشروع الأصلي.
تاريخ تاج محل
تزوج الإمبراطور شا جهان من “أرجوماند بانو بيجوم”، وهي من عائلة فارسية نبيلة من مدينة أغرا، وتزوج الإمبراطور شاه جاهان وهو في سن ال 19.
ومع الزواج، أصبحت “أرجوماند بانو بيجوم” جزءاً من حاشية زوجات الإمبراطور المسلم، ولكنها كانت مُغرمة بالامبراطور بشكل كبير جداً، لذا أعطاها لقب ممتاز محل، والذي يعني “المختارة في القصر ”، وجعلها كبيرة مستشاريه واصطحبها معه دائماً.
وقد أنجب الزوجان ثلاثة عشر طفلاً، لكن الولادة الأخيرة التي حدثت أثناء مرافقة الإمبراطور في رحلة استكشافية أودت بحياة ممتاز محل.
وهي على فراش الموت، جعلت ممتاز محل زوجها يعدها ببناء ضريح، وهو ما فعله، فقد شرع جهان في مشروع بقيمة مليون دولار.
وتعددت أسماء المهندسين المعماريين والحرفيين والفنانين الذين شاركوا في هذا العمل، فلنذكر بعضاً منهم، ففي التصميم نذكر اسم “عيسى محمد أفندي”، وفي القبة، إسماعيل خان، وتشطيب القبة كان من نصيب قاسم خان، وكان رئيس النحاتين ومنسق الفسيفساء هو شيرانجيلال، والخط “أمانة خان شيراز”، ورئيس عمال البناء: محمد حنيف.
فإلى جانب هذه الأسماء وغيرها، عمل أيضاً أكثر من عشرين ألف عامل، لكن مشروع جهان أغرق الإمبراطورية في أزمة إقتصادية كبيرة لدرجة أنها تسببت في مجاعة، وكان على ابن جهان أن ينهض ضده ويخلع عرشه.
وقد تم احتجاز الامبراطور في القلعة الحمراء حتى توفي عام 1666.
أقرأ أيضاً.. “جبل رشمور” نُصب تذكاري أمريكي لتمجيد الرؤساء السابقين