رُكن مقالات مُستبشرمعالم سياحية

المتحف المصري.. جوهرة في قلب القاهرة 

إيمان محمود خليفة

المتحف المصري بوابة تطل على أسرار وعجائب الحضارة المصرية القديمة، حيث يصحبك في رحلة عبر التاريخ للاستمتاع بكنوز الماضي الساحرة، ويعد المتحف المصري أعرق وأشهر متحف للآثار المصرية القديمة في العالم، فهو يحتوي على حوالي 180 ألف قطعة أثرية مصرية قديمة، ويتميز المتحف بميزة فريدة وهو أنه تم تصميمه منذ البداية كمتحف لعرض الآثار، على عكس معظم متاحف العالم التي كانت قصورًا، ثم تحولت إلى متاحف أثرية بمرور الوقت، كالمتحف البريطاني بلندن ومتحف اللوفر بباريس.

مراحل إنشاء المتحف المصري

للمتحف المصري تاريخ طويل بدأ في عهد محمد علي باشا والي مصر عام 1835 الذي أدرك أهمية الآثار المصرية القديمة وقيمتها التاريخية، فبدأ في التفكير بإنشاء متحف مصري للحفاظ على التراث المصري وعرض سحر الحضارة المصرية القديمة التي اهتم بها الأوروبيون والأجانب اهتمامًا كبيرًا.

متحف الأزبكية

أمر محمد علي باشا عام 1835 بإنشاء متحف للآثار المصرية القديمة على ضفة بركة الأزبكية (دار الأوبرا حاليًا) حيث تم وضع كل الآثار التي تم اكتشافها فيه، ولكن مع مرور الوقت وبعد وفاة محمد علي باشا، تم إهمال المتحف وقام بعض الحكام بإهداء الآثار لكبار السائحين الأجانب وتم نقل ما تبقى منها لقلعة صلاح الدين. 

 المتحف المصري بالقلعة 

بعد وفاة محمد علي باشا عام 1849، وبسبب الاضطرابات السياسية الموجودة في البلاد، تعرضت الآثار للسرقة وانتشرت تجارة الآثار وتم نقل ما تبقى من الآثار الموجودة بمتحف الأزبكية إلى أحد قاعات قلعة صلاح الدين، ولكن ازداد الأمر سوءًا عندما قام الخديوي عباس الأول بإهداء “الأرشيدوق النمساوي ماكسيميليان” كل الآثار الموجودة في قاعة صلاح الدين،عندما أُعجب ماكسيميليان بمجموعة من هذه الآثار وأظهر رغبته في الحصول عليها، وبذلك فقدت مصر آثار متحفها الأول، ولكن بعد ذلك أظهر عباس الأول اهتمامًا بالآثار وأصدر قرارًا بمنع الإتجار في الآثار أو إهدائها  للمصريين أوالاجانب.

متحف بولاق

عندما جاء أغسطس مارييت “Auguste Mariette” أحد موظفي متحف اللوفر إلى مصر بحثًا عن مخطوطات قبطية، انبهر بالآثار المصرية والحضارة المصرية القديمة، فقام بالتنقيب في منطقة سقارة  واستطاع أن يجد 5984 قطعة أثرية قام بإرسالها لمتحف اللوفر في سرية تامة، ثم قرر البقاء  في مصر واكتشاف ما بها من روائع أثرية.

بدأ أغسطس مارييت بإعداد برامج مكثفة للبحث والتنقيب عن الآثار، كما سعى لإنشاء متحف مصري يضم الآثار المصرية، وتكللت جهوده بالنجاح عام 1857 عندما وافق الخديوي سعيد على إنشاء مصلحة الآثار المصرية وقام بتعيينه  لإدارة أعمال الحفر والتنقيب عن الآثار، وأصبح مأمورًا للعاديات (الآثار القديمة) في مصر، كما قام بإنشاء مخزن الآثار  ببولاق على ضفاف نهر النيل، وتحول هذا المخزن فيما بعد لمتحف للآثار ضم الكثير من روائع الآثار المصرية القديمة. 

كان المتحف عبارة عن مبنى ضخم يطل على ضفاف النيل ببولاق، وافتتحه الخديوي إسماعيل عام 1863 وعيَّن أغسطس مارييت مديرًا للمتحف وسُمي بدار الآثار(الأنتيكخانة). 

وفي عام 1877، قام أغسطس مارييت بعرض مجموعة من الآثار المصرية الموجودة بمتحف بولاق بمعرض مؤقت بفرنسا، وقد أبدى الأوروبيين إعجابهم الشديد بهذه الآثار، وطلبت الإمبراطورة أوجيني إمبراطورة فرنسا في هذا الوقت من مارييت أن يترك هذا المعرض في فرنسا بشكل دائم، ولكنه رفض ذلك وأعاد الآثار إلى مصر مرة أخرى .

ولكن لسوء الحظ تعرض المتحف للغرق بسبب فيضان النيل عام 1879 وفقدت مصر مجموعة كبيرة من الآثار الرائعة، وتم نقل ما تم إنقاذه من الآثار  إلى أحد قصور الخديوي إسماعيل الذي تم عزله بعد ذلك بفترة وجيزة.

المتحف المصري بالجيزة

بعد غرق متحف بولاق ونقل ما تم إنقاذه من مقتنياته إلى قصر الخديوي إسماعيل، تمنى أغسطس مارييت أن يتم بناء متحف مصري كبير يتسع لكل الآثار المصرية الموجودة، ولكن بسبب الاضطرابات السياسية والانهيار الاقتصادي في مصر في ذلك الوقت لم يتحقق ذلك، وتُوفي أغسطس مارييت وخلفه في منصبه جاستون ماسبيرو الذي اهتم بالتنقيب عن الآثار المصرية والحفاظ عليها حتى تكدست هذه الآثار في حجرات المتحف وأصبح إنشاء متحف جديد للآثار ضرورة لا بد من العمل عليها.

المتحف المصري الجديد بميدان التحرير

تم تصميم المتحف الحالي بميدان التحرير بواسطة مارسيل دورنون Marcel Dourgnon عام 1897، وتم وضع حجر الأساس في أول أبريل من نفس العام، بحضور الخديوي عباس حلمي الثاني ورئيس مجلس النظار وجميع وزرائه، وتم الانتهاء من إنشاء المتحف المصري بالتحرير خلال 5 سنوات، وتم نقل جميع الآثار المُكدسة في قصر الخديوي إسماعيل للمتحف المصري بالتحرير، كما تم نقل ضريح أغسطس مارييت إلى حديقة المتحف كما أوصى قبل وفاته، وقام الخديوي عباس حلمي الثاني بافتتاح المتحف في 15 نوفمبر عام 1902.

التصميم المعماري للمتحف المصري

تم اختيار تصميم المتحف المصري من بين ثلاثة وسبعين تصميم حيث أقيمت مسابقة دولية فاز بها تصميم المهندس المعماري الفرنسي مارسيل دورنون “Marcel Dourgnon”، الذي صمم  واجهة المتحف متأثرًا بالعمارة الكلاسيكية للفن اليوناني، ولكن من الداخل قام بتصميم الحجرات والقاعات الداخلية بشكل يُحاكي مداخل المعابد المصرية القديمة، وفي عام 1983 تم تسجيل مبنى المتحف المصري بتصميمه الفريد المميز كمبنى أثري. 

مكتبة المتحف المصري 

تم إنشاء مكتبة المتحف المصري عام 1899، وكانت واحدة من أهم أربع مكتبات عالمية حيث تم تزويدها بالكتب القيمة والمجلدات التي بلغ عددها في خمسينيات القرن الماضي حوالي 50 ألف كتاب من أندر الكتب المصرية واليونانية والرومانية والشرق الأدنى القديم، ومن أهم الكتب الموجودة بالمكتبة، “كتاب آثار مصر والنوبة” وكتاب “ليبسيوس” وكتاب “وصف مصر”،  كما تضم المكتبة مجموعات نادرة من اللوحات والخرائط والصور، وتُعد المكتبة مقصدًا للباحثين والمختصين بعلم الآثار على مر السنين. 

اقرأ أيضًا… بويرتا ديل سول.. قلب “العاصمة مدريد”

مجموعات المتحف

يتم عرض الآثار الموجودة بالمتحف بشكل متسلسل تاريخي وفقًا للعصور المختلفة 

عصر ما قبل التاريخ (عصر ما قبل الأسرات) (العصر العتيق)

تشتمل هذه المجموعة على أنواع مختلفة من الفخار، من أبرزها قطعة تسمى راقصات الإناء، وأواني مزدوجة ذات حافة سوداء، وكؤوس على شكل زهرة، كما تشتمل أيضًا على أدوات الزينة وأدوات الصيد ومجموعة من التماثيل الصغيرة المصنوعة من الحجر الجيري.

عصر التأسيس 

تشمل هذه المجموعة آثار من الأسرة الأولى والأسرة الثانية، ومن أهمها تمثال “خع سخموي” والعديد من الأواني والصلايات، أشهرها “صلاية الملك نعرمر” المصنوعة من مادة الشست.

عصر الدولة القديمة

تتضمن تلك المجموعة الكثير من القطع الأثرية الهامة، ومنها تمثال زوسر مؤسس الأسرة الثالثة، ومجموعة من الرؤوس البديلة، وتمثالي رع حتب ونفرت، وتمثال شيخ البلد، وتمثال خفرع المصنوع من مادة الديوريت، ومجموعة تماثيل منكاورع، ومجموعة من الصور الجدارية، وتمثال القزم سنب وعائلته، وتمثال الكاتب الجالس، وتماثيل الخدم، وتمثال ببي الأول، وتمثال كبير الأطباء “ني عنخ رع” المصنوع من الحجر الجيري.

عصر الدولة الوسطى 

تشتمل هذه المجموعة على العديد من التماثيل والقطع الأثرية، من أبرزها تمثال الملك منتوحتب الثاني، وتابوت الملكة كاوييت، وتمثال حاملة القرابين، وتمثال أمنمحات الأول(إميني)، وتماثيل سنوسرت الأول، والنموذج الخشبي لإحصاء الماشية من مقبرة “مكت رع”، والعديد من نماذج أخرى تصور الحياة اليومية للمصريين القدماء.

عصر الدولة الحديثة

كنوز الدولة الحديثة هي أشهر مجموعة بالمتحف المصري، ومن أبرزها تمثالي أمنحتب الثالث وزوجته، ومجموعة أخناتون، وتماثيل حتشبسوت وتحتمس الثالث ورمسيس الثاني وتمثال حتشبسوت على شكل أبو الهول المصنوع من الحجر الجيري والعديد من التماثيل متقنة الصنع التي تبين سحر الحضارة المصرية العريقة.

العصور المتأخرة

تتضمن هذه المجموعة كنوز تانيس المصنوعة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وتمثال أمون، والعديد من الثماثيل واللوحات المميزة.

اقرأ أيضًا… بردية تورين.. أقدم خريطة لمناجم الذهب بمصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *