
محمد أحمد كيلاني
سوريا، تلك البقعة الساحرة من الشرق الأوسط، ليست مجرد دولة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بل هي واحدة من أقدم المناطق المأهولة في العالم، حيث يعود أول احتلال بشري فيها إلى حوالي 700,000 عام. مع حدودها الممتدة بين تركيا والعراق والأردن وفلسطين ولبنان، شكلت سوريا القديمة عبر العصور نقطة التقاء للحضارات ومسرحًا للصراعات الكبرى، مما جعلها أرضًا غنية بالتاريخ والتراث.
أصول الحضارة في سوريا القديمة
تشير الاكتشافات الأثرية، مثل تلك الموجودة في “مغارة الديدرية” قرب حلب، إلى وجود حياة بشرية تعود إلى العصر الحجري القديم. كما ظهرت أولى علامات البشر المعاصرين قبل حوالي 100,000 عام، مع أدلة على استخدام الأدوات الحجرية والفخار. ومع تغير المناخ قبل 15,000 عام، تحول السكان من مجتمعات الصيد والجمع إلى الزراعة، مما مهد الطريق لظهور الحضارات الأولى.
سوريا في العصور القديمة.. إيبلا وماري
كانت مدينتا إيبلا وماري من أبرز المراكز الحضارية في سوريا القديمة، حيث تأسستا في الألفية الثالثة قبل الميلاد على يد السومريين. وقد كشفت ألواحهما المسمارية عن تفاصيل الحياة اليومية والتجارة والعلاقات الدبلوماسية في تلك الفترة. كما كانت سوريا جزءًا من إمبراطوريات بلاد ما بين النهرين، مثل الأكادية والآشورية والبابلية، حيث تنافست القوى العظمى على السيطرة على طرقها التجارية الحيوية.
الصراعات الكبرى.. من الحيثيين إلى الرومان
شهدت سوريا حروبًا ضارية بين الإمبراطوريات القديمة، مثل معركة قادش (1274 ق.م) بين المصريين والحيثيين، والتي انتهت بتعادل تاريخي. وبعد سقوط الآشوريين والبابليين، سيطر الفرس ثم الإغريق بقيادة الإسكندر الأكبر على المنطقة، قبل أن تصبح جزءًا من الإمبراطورية الرومانية. وقد اشتهرت سوريا الرومانية بمدنها العظيمة مثل أنطاكية، التي أصبحت لاحقًا مركزًا مسيحيًا مهمًا.
سوريا القديمة والديانات السماوية
كان لسوريا دور محوري في تشكيل التراث الديني للشرق الأوسط. فمنها انطلق الرسول بولس لنشر المسيحية، كما حافظت على تراثها الآرامي والآشوري الذي أثر في نصوص الكتاب المقدس. وبعد الفتح الإسلامي، أصبحت دمشق عاصمة للخلافة الأموية، مما أعطاها مكانة سياسية ودينية جديدة.
إرث لا يندثر
على الرغم من الغزوات المتتالية والتغيرات السياسية، حافظت سوريا على هويتها كأرض للحضارة والتجارة. إلا أن الإهمال والصراعات الحديثة أثرت على تراثها العريق. اليوم، تبقى سوريا شاهدًا حيًا على تاريخ إنساني عظيم، حيث تتحدث أطلال مدنها القديمة عن أمجاد غابرة لا تنسى.
بهذا المزيج الفريد من التاريخ والصراع، تظل سوريا القديمة واحدة من أكثر المناطق إثارة في العالم، حيث لا يزال إرثها الحي يلهم الأجيال الجديدة.
اقرأ أيضًا.. ما هي اللهجة.. وما أهم اللهجات العربية؟