محمد أحمد كيلاني
قام فريق بحثي باكتشاف استثنائي في تركيا، فقد كانوا يقومون بفهرسة عشرات الآلاف من الألواح الطينية التي ظهرت في عاصمة الإمبراطورية الحثية القديمة، في شمال وسط شبه جزيرة الأناضول، وعندها رأوا نصًا لم يتمكنوا من التعرف عليه، وعلى الرغم من أنها اتبعت نظام الكتابة المسمارية، إلا أن الخبراء لم يسبق لهم رؤية اللغة ممثلة في تلك النقوش على الطين، وبحسب الباحثين، فهي لغة قديمة فقدت منذ أكثر من 3000 عام.
لغة قدمية من العصور السحيقة
ليس لدينا أي فكرة عما يقوله النص، ولا يكاد يجدون أي تشابه مع بقية اللغات القديمة التي نعرفها في الشرق الأوسط، إلا أن كل شيء يشير إلى أنها تشترك في أصولها مع لغات هندية أوروبية أخرى، مثل اللغة الحثية، وهي أقدم ما نعرفه من هذه العائلة من اللغات التي تنتمي إليها اللغات الأكثر انتشارًا في العالم اليوم.
والأكثر فضولاً أننا نعرف اسم هذه اللغة، لأن النص الغامض يبدأ بعد مقدمة يمكننا ترجمتها والتي نصها: “من الآن فصاعدا، اقرأ بلغة بلد كالاشما”.
لذلك فهي تُسمى الكلاسما أو الكلاسمايك، ةيمكننا قراءتها، لكننا غير قادرين على فهمها (في الوقت الحالي).
ويمكننا أيضًا تحديد موقع استخدام هذه الكتابة جغرافيًا، وكانت كالاسما كيانًا سياسيًا من العصر البرونزي، وعلى الرغم من وجود شكوك حول موقعها، إلا أن الكثيرين يضعونها في الطرف الشمالي الغربي من الإمبراطورية الحيثية، التي تم اكتشاف عاصمتها حاتوسا.
ويقود أعمال التنقيب البروفيسور أندرياس شاشنر، من قسم إسطنبول بمعهد الآثار الألماني، الذي ذكر في البيان الصحفي أنه أعلن عن الاكتشاف وقد شعر بثقل أهمية ذلك اللوح من بين أكثر من 25 ألف لوح عثروا عليها في نفس الموقع.
وعلى مدى أكثر من قرن من الزمان، عمل المؤرخون وعلماء الآثار واللغويون معًا لكشف وترجمة أرشيف هاتوسا المذهل من المعاهدات الملكية والمراسلات السياسية والنصوص القانونية والدينية.
في حين أن معظم هذه الألواح كانت مكتوبة بالخط المسماري الحيثي، إلا أن الخبراء العاملين في نفس الموقع وجدوا أيضًا لغات أخرى مختلفة، زيبدو أن هذه الكتابات تأتي من عدة مجموعات عرقية كانت ذات يوم في ظل الإمبراطورية الحثية، أثناء حكمها على جزء كبير من الأناضول من 1650 إلى 1200 قبل الميلاد.
لغة قديمة ونص ديني؟
وفقًا للبروفيسور دانييل شويمر، خبير الشرق الأدنى القديم في جامعة يوليوس ماكسيميليانز في فورتسبورغ بألمانيا، “كان الحيثيون مهتمين بشكل خاص بتسجيل الطقوس باللغات الأجنبية”، ومن الممكن أن يكون هذا الاهتمام قد جاء استجابة لمحاولة الحيثيين جذب رعايا لمشروعهم الإمبراطوري.
وعلى ما يبدو، كان الحيثيون متسامحين للغاية مع آلهة وطوائف الشعوب الأخرى من أجل تسهيل الاحترام عند توسيع نطاق سيطرتهم إلى مناطق أخرى واستيعاب الثقافات المختلفة التي عاشت هناك.
وتذكُر الأرشيفات الملكية في حاتوسا الآلهة التي كانت تُعبد في أماكن بعيدة مثل سوريا وبلاد ما بين النهرين، ويشتبه العلماء في أن الأرشيفات الملكية للإمبراطورية كانت وسيلة لترسيخ عبادة الدولة وتقديم صورة مفصلة عن الاهتمام المطلوب والمولى للآلهة والإلهات.
وربما كان استعارة الأفكار، مثل أنظمة الكتابة المسمارية والتقاليد والأديان، وسيلة لتوسيع نطاق الإمبراطورية.
وبهذه الطريقة يفهم أن الكلشمانيين الذين اكتشفنا لغتهم بعد 3000 عام، قاتلوا إلى جانب الحيثيين في معركة قادش الشهيرة ضد الإمبراطورية المصرية التي يحكمها الفرعون رمسيس الثاني.
ولسوء الحظ، لا توجد حتى الآن صور عامة للوح والكتابة المكتشفة حديثًا، والباحثون بصدد نشر دراسة تحتوي على كل ما يمكنهم معرفته من النص.
وفي غضون ذلك، سنستمر في الاهتمام بقدر اهتمامنا بمعرفة ما تقوله هذه اللغة القديمة المفقودة.
أقرأ أيضاً.. الأنوناكي.. آلهة بلاد ما بين النهرين