شيماء مختار
تخيل أنك جالس أمام شاشة الكمبيوتر وتلعب لعبة عبر الإنترنت مع أصدقائك وأشخاص آخرين من قارات أخرى، بينهم وبينك آلاف الأميال، فجأة تنهض من مكانك وتدخل داخل الشاشة، فتجد نفسك داخل اللعبة تتحرك وتشعر بكل شيء حولك، تنتقل بجسمك وحواسك داخل اللعبة، حيث يمكنك لمس أصدقائك من كندا، مصافحتهم، المشي معهم، اللعب والضحك كأنهم معك فعليًا، وعندما تريد العودة إلى بيتك في لحظة، تخرج من الشاشة وتجد نفسك جالسًا على الكرسي أمام شاشة الكمبيوتر كما كنت، هل تظن أن هذا جزء من فيلم خيال علمي منهم؟ لا، هذا جزء من الميتافيرس، ما هو الميتافيرس؟ ماذا يعني الميتافيرس؟ وكيف سيؤثر علينا؟ هل سيغير حياتنا للأفضل أم للأسوأ؟ وما هي حكاية مدينة “ميتا توت”؟ لكي تتعرف على إجابات تلك الأسئلة تابع معنا.
ما هو الميتافيرس؟
الميتافيرس هو حلقة الوصل بين الحياة الواقعية والحياة الرقمية داخل الشاشات في عالم ثلاثي الأبعاد، ولكن دخولك داخل الشاشة لن يكون كما تراه في الأفلام، ستظل بالفعل في غرفتك بمنزلك، ولكن بدون أن تتحرك من مكانك ستضع نظارات الميتافيرس وترتدي الملابس وقفازات خاصة، ومع وجود جهاز تحكم في يدك، ستنتقل إلى داخل الشاشة، النظارة ستجعلك ترى نفسك داخل الشاشة بالشكل الذي تصممه لنفسك (الافتار الخاص بك)، والقفازات ستجعلك تشعر بمقبض الباب الذي ستفتحه، ولمسة يد صديقك الذي تصافحه، وثقل الكرة على المضرب الذي بيدك عند لعب التنس، ستشعر بكل شيء داخل الميتافيرس ولن تشعر بالعالم الحقيقي.
الميتافيرس: مفهوم وتطور
مجملًا، عالم الميتافيرس هو عالم رقمي، وهو عبارة عن مزج الألعاب الجماعية عبر الإنترنت بتكنولوجيا الواقع الافتراضي، يحتوي على آلاف العوالم ويزوره آلاف المستخدمين، والمستخدمون يصممون عوالم الميتافيرس، وكل مستخدم يصمم جسده الرقمي بنفسه (الافتار الخاص به)، كلمة “ميتافيرس” عبارة عن جزأين، “ميتا” بمعنى ما وراء و”فيرس” من كلمة يونيفيرس بمعنى الكون أو العالم، وهذا يعني أن ميتافيرس هو ما وراء العالم، لأنه بالفعل ينقلك لعالم آخر، وهذا هو بداية النهاية للهواتف الذكية، لأنها لا تعمل بالثلاثي الأبعاد وستحتاج لأجهزة خاصة لاستخدامها في التواصل والاتصالات في الواقع الافتراضي.
مدينة “ميتا توت”: مشروع مصري رائد في الميتافيرس
منذ أن أعلن مارك زوكربيرج عن تغيير اسم شركة فيسبوك إلى “ميتا”، وبدأ سباق مجنون بين الشركات والدول لدخول عالم الميتافيرس الجديد، دخلت مصر السباق في ذكرى مرور 100 سنة على افتتاح مقبرة الملك الذهبي توت عنخ آمون، وأعلنت عن أول مدينة مصرية في الميتافيرس واسمها “ميتا توت”، وقد نفذت المشروع شركة “توتيرا” مع شركة “كيوب كونسالتانت”، إنتاج مصري 100%، الملك توت عنخ آمون بدأ بعمل مشروعات معمارية عظيمة، لكنه مات وعمره 18 عامًا ولم يكملها، لو عاد توت عنخ آمون للحياة سنة 2024 سيكمل مشروعاته الأسطورية مثل قصر السنين الذي لا يعلم أحد مكانه إلى الآن، وينفذ مشروعات أخرى لكن بإمكانيات وتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين، وتلك هي فكرة مدينة “توت” (ميتاتوت) أو “توتيرا” بمعنى عصر الملك توت.
معالم مدينة “ميتا توت”
المدينة التي يُقال عنها “مشروع القرن”، تحتوي على قاعات مثل معبد الملكة حتشبسوت والطريق الملكي من وحي وادي الملوك والملكات، يروي لزوار المدينة قصص أهم ملوك وملكات مصر، وفي الطريق ستجد بوابات ضخمة تُفتح على أحياء المدينة في أزمنة مختلفة، وفي آخر الطريق ستجد أهم معالم المدينة وهو “هرم توتيرا”، وفي مركزه ستجد “الهرم الكريستالي” وهو مركز الطاقة الذي سينقلك بين بوابات المدينة في لحظات، تلك التي تحتوي على مراكز أبحاث علمية وعلوم الفلك، ومناطق تعليمية مجهزة بأحدث التكنولوجيا، تستطيع المؤسسات العلمية تنظيم فيها محاضرات ليحضرها الناس من أي مكان في العالم.
أنشطة وتجارب فريدة في “ميتا توت”
هناك أيضًا قاعة “اللحن المسحور”، وهي قاعة مصممة للاحتفالات والمهرجانات، وبها مسرح على الطراز القديم لكن بتكنولوجيا حديثة تجعل الزائر يمتلك القدرة على التحرك في مستويات مختلفة ويرى العرض من أبعاد مختلفة، المدينة أيضًا تحتوي على محاكاة لمدينة “أخناتون” المعروفة باسم “تل العمارنة”، ويخرج منها جسر في الفضاء يجعلك تصل لقاعة الأجرام السماوية التي سترى فيها الكواكب تدور حول الشمس، وفي “قصر الملكة نفرتيتي” – هذا ركن الفن في المدينة – تجد قاعة ضخمة للفنون ومعرض لعالم المرأة والجمال والأزياء، ستجد به منتجات معروضة لأشهر شركات الأزياء، تستطيع أيضًا عندما تزور مدينة “ميتا توت” ممارسة كل الأنشطة اليومية التي كان يفعلها المصري القديم لكن بشكل جديد وبالتكنولوجيا الحديثة، ومن المهم أن كل أحياء المدينة وقاعاتها متزخرفة بنقوش الحضارة المصرية القديمة.
الميتافيرس: وجوه متعددة وتحديات قادمة
أنا أتحدث عن عالم سحري جديد ومغري، من المؤكد أنك متلهف لدخوله وتجربته، ولكن كل شيء في هذه الحياة له وجهين، ونحن إلى الآن نحكي عن الوجه الرائع من الميتافيرس، هل تظنون أن الواقع الافتراضي يمكن أن يكون له وجه أسود؟ إلى الآن الميتافيرس ليست موجودة بالشكل النهائي، لأنه لا يوجد روابط بين عوالم الميتافيرس، وأيضًا ليس باستطاعة أي شخص أن يخوض تجربة الميتافيرس لأن أجهزته باهظة الثمن وليس بقدرة الجميع على شرائها.
المخاوف والآثار الجانبية المحتملة
في عالم الواقع الافتراضي، لا يمكن توقع أن يكون لديك خصوصية من أي نوع، كل حركة أو نفس تتنفسه سيكون مسجلًا ولن تجد ورقة توت تخبأ بها أي شيء يخصك، وفي بيئة مثل هذه، سيكون معدل الهجمات السيبرانية والجرائم الإلكترونية أكبر بكثير من وقتنا الحالي، وفي الميتافيرس، عندما يتم إلغاء الحدود الرقمية والمادية بين الدول، هذا يعني أنه سيكون هناك نظام عالمي افتراضي بدلاً من النظام العالمي التقليدي الموجود حاليًا، ومن المؤكد أن الميتافيرس سيؤثر على العلاقات الإنسانية والروابط البشرية، لأنه سيغير طريقة التواصل بين البشر، وسيحل الواقع الافتراضي والواقع المعزز محل الواقع التقليدي والتواصل الحقيقي.
الانعزال عن الواقع: المخاطر النفسية والاجتماعية
بمعنى أكثر توضيحًا، هناك أناس سيدخلون الميتافيرس وسيعيشون داخله، وسينسون الحياة الحقيقية، ستبقى حياتهم جميعها داخل الميتافيرس، وسينفصلون تمامًا عن الواقع، وأيضًا الذين لن ينفصلوا تمامًا سيكونون مجبرين على استخدام تطبيقات الميتافيرس في حياتهم، لأنه من الواضح أنه المستقبل، مثل ما كان الإنترنت هو المستقبل في سبعينيات القرن العشرين، وكل البشر سيتأثرون بالتكنولوجيا الجديدة، وعلماء النفس يحذرون من آثار نفسية خطيرة نتيجة الاندماج الزائد في الميتافيرس مثل القلق والاكتئاب والعزلة الاجتماعية والوحدة والانفصال عن الواقع، هذا بالإضافة إلى الأمراض العقلية مثل الذهان والفصام والأوهام وجنون العظمة.
الميتافيرس: بين الأحلام والكوابيس
لكن أخطر شيء، هناك تقارير من مؤسسات دولية تحذر من توظيف الميتافيرس في التجسس والإرهاب، لأن العوالم الرقمية فيه والتي تحتوي على كل تفاصيل حياتك سيكون من السهل التلاعب بها والتعدي عليها سواء من أفراد أو جماعات أو حتى دول، الميتافيرس: تجسيم لحلم عالم سحري جميل أم كابوس؟ نحن نتطور بالتكنولوجيا ونسير للأمام أم نتراجع للخلف؟ هل سنستفيد من تطبيقات الميتافيرس ومميزاته وسيكون تأثيرها إيجابيًا على حياتنا أم أن أضراره ستغلب مميزاته وسنقول “كان العالم بحال أفضل بدونه”؟ أسئلة لن نعرف إجابتها اليوم، وربما نعرفها بعد أعوام، كم عامًا؟ أيضًا لن تُعرف اليوم.
أقرأ أيضاً.. القنبلة الذرية على اليابان.. أبشع الجرائم في تاريخ البشرية