محمد أحمد كيلاني
من المعروف أن اللغات المُقدسة أو اللغات الليتورجية هي أي لغة يتم أستخدامها بشكل أساسي في خدمة الكنيسة أو لأسباب دينية أخرى من قبل الأشخاص الذين يتحدثون لغة أساسية أخرى في حياتهم اليومية، ودائمًا ما تُستخدم للحفاظ على التقاليد الأصلية، ويتم تعلمها بعد مرحلة الطفولة، والآن لا يُطلق لقب اللغة الليتورجية على لغة الكنيسة المسيحية فقط، بل يطلق على اللغات الخاصة بالاديان بشكل عام.
وبإيجاز فأن اللغات الليتورجية هي لغات يستخدمها المؤمنون بدين ما خلال احتفالاتهم الدينية، وغالبًا ما تُعتبر ذات قيمة دينية أعلى من لغة الحياة اليومية، وعُرفت الليتورجيا في الفاتيكان على أنها “ممارسة كهنوت المسيح”.
المفهوم الأساسي للغات الليتورجية
غالبًا ما تكون اللغة المقدسة هي اللغة التي تم كتابتها والتحدث بها في المجتمع الذي نشأت فيه النصوص المقدسة للدين لأول مرة، تمامًا مثل اللغة العربية في الإسلام، فتصبح هذه النصوص بعد ذلك ثابتة ومقدسة، وتبقى مجمدة ومحصنة ضد التطورات اللغوية الأخرى.
و تختلف اللغات المقدسة عن اللغات الإلهية، وهي اللغات المنسوبة إلى الإله، وقد لا تكون بالضرورة لغات طبيعية.
بعض اللغات الليتورجية للمسيحية
تُعتبر اللاتينية هي اللغة الليتورجية للكنيسة اللاتينية (التي ينتمي إليها معظم الكاثوليك الغربيين)، حيث يقع مقرها الرئيسي في روما، وهي منشأ هذه اللغة الهندية الأوروبية، ومع ذلك، وبحسب المجمع الفاتيكاني الثاني، فقد أصبحت اللغات العامية رسمية في كل بلد للاحتفال الليتورجي، ويفضلونها عمومًا على اللاتينية.
أما الكنيسة القبطية فتَعتبر “اللغة القبطية” لغتها الليتورجية، وهو تطور مباشر للغة المصرية التي كان يتحدث بها المصريون القدماء، بسبب المكانة العظيمة التي حققتها حضارة النيل.
وتستخدم الكنائس السريانية “الآرامية السريانية” كلغة طقسية (مشتقة من الآرامية القديمة)، حيث كانت اللغة المشتركة لتلك المنطقة من العالم في الأصول المسيحية.
بينما الكنائس الإثيوبية، تستخدم “الجعزية” كلغة طقسية، وفي العديد من الكنائس الأرثوذكسية (البلغارية والروسية والصربية وغيرها)، وكذلك بعض الكنائس الشرقية الكاثوليكية، يستخدمون “اللغة السلافية”.
وتستخدم الكنائس الأرثوذكسية في القسطنطينية وقبرص وأثينا “اللغة اليونانية”، والتي تُستخدم أيضًا إلى جانب اللغة العربية في بطريركيات القدس وأنطاكية، وهي أيضًا اللغة الليتورجية للكنيسة الكاثوليكية اليونانية البيزنطية، والكنيسة الكاثوليكية اليونانية، والكنيسة الرومانية الكاثوليكية الملكية، وبعض الكنائس الشرقية الكاثوليكية الأخرى.
اللغات الليتورجية في الأديان الأخرى
كما ذكرنا سابقًا فيمكن أن يطلق لقب الليتورجية على اللغات المُقدسة في جميع الأديان وليس فقط المسيحية.
فتُعتبر “اللغة العربية الفصحى” هي اللغة الليتورجية للإسلام، حيث كانت اللغة التي استقبل بها الرسول مُحمد القرآن الكريم، وفي اليهودية تُستخدم العبرية الكلاسيكية كلغة ليتورجية وهي لغة مختلفة تمامًا عن العبرية الحديثة.
وفي البوذية تُستخدم “اللغة التبتية” الكلاسيكية في الطقوس وهي لا تزال تُستخدم في الهند حتى اليوم كلغة طقسية في الديانة الفيدية بجانب السنسكريتية، والتي تنحدر منها جميع لغات شمال ووسط الهند تقريبًا.
وفي بلاد ما بين النهرين، كانت اللغة السومرية تُستخدم “للديانة الآشورية البابلية” حتى بداية عصرنا الحديث، وتُستخدم “اللغة الإسكندنافية القديمة” في العديد من مصطلحات الوثنية الجرمانية الجديدة.
وفي الأفيستا وهو الكتاب المُقدس “للديانة الزرادشتية”، يتم استخدام “اللغة الأَوِستية”، أما عن اللغة المقدسة “للهندوسية” فهي اللغة السنسكريتية بأشكالها المختلفة، ويوجد ترجمات جزئية إلى مختلف اللغات العامية في الهند، لكنها ذات قيمة تعليمية فقط، وليست دينية، ويجب أن تُستخدم جميع الطقوس والصلوات باللغة السنسكريتية، وهي اللغة المقدسة الوحيدة.
أما عن الديانة “الجاينية أو اليانية” فقد تمت كتابة النصوص التأسيسية لليانية بلغة تُسمى “أرداماغادي”.
أصول مُختلفة للغات الليتورجية
هناك نوعين من الأصول للغات الليتورجية وهما:
- أصل جغرافي: وهنا تكون اللغة الليتورجية هي لغة المجموعة التي طورت الدين المعني، أو لغة المجموعة التي نشرته.
- أصل تاريخي: وفيه تكون اللغة الليتورجية هي التي يتم التحدث بها في الوقت الذي نشأ فيه الدين المدروس في البداية.
سبب الاستخدام في الكنيسة
كان يعتقد أن اللغات العادية تحمل معاني وصور من واقعنا اليومي الذي عادة ما ينقصه عنصر القداسة والنقاء، هو الدافع لاستخدام اللغات الليتورجية المُقدسة، فعندما نخاطب الله يجب استخدام لغات حصرية لذلك داخل حدود الكنيسة، وذلك لجعل تلك الكلمات والأصوات تثير المشاعر المقدسة.
فالمسيحيون، مثل اليهود، يحافظون على اللغات المقدسة لأن هناك شيئًا إنسانيًا عميقًا حول استخدام لغة مميزة للصلاة.، وعلى الرغم من أنه من الضروري أن تكون قادرًا على قراءة الكتاب المقدس والصلاة بلغتك الأم، فإن استخدام لغة مميزة في الصلاة أهميتها الفائقة.
أهمية الاستخدام
على الرغم من أن استخدام لغة مقدسة قد يمثل تحديًا كبيرًا، نظرًا لأنه يتطلب تعلم الصلوات الأساسية بلغة أخرى، فقد يكون ذلك شيئًا جيدًا، على الرغم من أنه يتطلب مزيدًا من الجهد، ولكن يقول الكثيرين على أنه يساعدهم في التفكير بمعنى الصلاة حتى لا يأخذونها ببساطة كأمر مُسلم به.
فاستخدام لغة مميزة علامة على أن الصلاة أهم من كلمات الحياة اليومية، واعتادت المدارس الكاثوليكية أن تدرس جميعًا اللغة اللاتينية (ومعظم المدارس العامة فعلت ذلك أيضًا لأسباب ثقافية)، فتعلم اللاتينية يفتح لهم التراث العظيم للكنيسة وكتابات القديسين.
وبشكل عام، يساعد الاستخدام الليتورجي في الحفاظ على السمات القديمة في اللغات التي لا تزال على قيد الحياة وتلك التي لم يعُد يتم استخدامها، وحتى في العالم الحديث، لم تفقد اللغة المقدسة أهميتها.
أقرأ أيضاً “الانسان حيوان سياسي”.. ماذا كان يقصد أرسطو؟!