محمد أحمد كيلاني
لقد كان توماس لورنس، المعروف بلورنس العرب، محل إعجاب ونستون تشرشل وملك العراق فيصل، الذي ساعده في معركته ضد الإمبراطورية العثمانية، وكان في عصره، أكثر الغربيين نفوذاً في الشرق الأوسط، وهو الذي أراد استقلال العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى.
النشأة
ولد في عائلة غير نمطية، فقد كان والده، السير توماس روبرت تيغي تشابمان، وهو من ملاك الأراضي الأنجلو إيرلنديين، وكانت والدته تدعى سارة جونر، و التي كانت تعمل كمربية أطفال، وقد كان توماس طفل غير شرعي، وبسبب الكثير من الشائعات أجبرت الأسرة على الانتقال إلى أماكن مختلفة في بريطانيا، وكان توماس الابن الثاني.
الدراسة
استقر آل لورنس في أكسفورد، حيث درس الأخوة الأربعة، وكان تخصص توماس في علم آثار العصور الوسطى في الشرق الأوسط، ودفعه حبه للقراءة إلى التهام الكتب، وأثناء ذلك كان على توماس المواظبة على التدريبات العسكرية، وبدا أن توماس قد عرف أن مستقبله سيكون مرتبطًا بالحياة العسكرية.
وتعلم الشاب لورنس الفرنسية واللاتينية واليونانية، وعلى عكس ما يقال، فهو لم يتقن اللغة العربية أبدًا، وكانت شرعية زواج والديه قضية خلافية في إنجلترا ما بعد العصر الفيكتوري، وقد أدت هذه المخاوف إلى هروب توماس من المنزل للانضمام إلى الجيش، ولكن والده جعله يتخلى عن هذه الفكرة وساعده على مواصلة دراسته.
وانضم توماس إلى يد هوغارث في جمعية سرية تعرف باسم “المائدة المستديرة”، وهي مجموعة من الأكاديميين الذين قدموا المشورة للحكومة بشأن جوانب مختلفة من السياسة الدولية، وهذا هو مفتاح دور لورنس في الشرق الأوسط.
لورنس العرب يتعمق في تاريخ الشرق الأوسط
ولدراسة قلاع القرون الوسطى في الشرق الأوسط، سافر لورانس عبر سوريا سيرًا على الأقدام، مثل أي عربي بين العرب، متحديًا الشدائد والخطر، وتعرض للهجوم من قبل الأكراد والبدو، وكان طريح الفراش بسبب الملاريا لفترة، لكن توماس خرج من هذه التجربة أقوى.
وسمحت له المعرفة التي حصل عليها بإنهاء أطروحته عن قلاع القرون الوسطى، وتخرج بأعلى الدرجات، وفي عام 1910، وتحت تأثير هوغارث، انضم إلى بعثة المتحف البريطاني لاستكشاف المواقع الأثرية على ضفاف نهر الفرات، وفي هذه الرحلة عزز معرفته باللغة والثقافة العربية.
وفي بداية الحرب العالمية الأولى تم إرساله إلى فلسطين كعالم آثار، وذلك على الرغم من أنه في الواقع كان يعمل كجاسوس للمخابرات البريطانية، وفي عام 1914، تطوع لورنس في الجيش الإمبراطوري وتم قبوله في قسم الجغرافيا في الكوماندوز في القاهرة، حيث عمل أيضًا كمترجم، وفي عام 1916، عندما حوصرت قوات الجنرال تاونسند في معركة كوت العمارة، وتم إرسال لورنس في مهمة سرية لرشوة قائد القوات التركية (جليل باشا)، وعرض عليه نصف مليون جنيه إسترليني، ولكن المهمة فشلت وعاد لورنس إلى القاهرة.
وعندما قررت إنجلترا مساعدة المتمردين العرب، بدا أن الكابتن لورنس آنذاك هو الشخص المناسب للعمل كحلقة وصل، فقد كانت الفوضى بين المتمردين هائلة، وأثناء وجوده في جدة، التقى لورنس بالابن الثالث للملك حسين (فيصل)، الذي كان قائداً بالفطرة، وقرر لورنس مساعدته في المسعى لإنشاء أمة جديدة.
لورنس العرب أراد دعم حقيقي للعرب
عرف لورنس أن دعم بريطانيا للعرب كان مجرد وعد قصير الأجل، ومع ذلك، فقد كان يعتقد أن تمردًا قويًا من قبل العرب يمكن أن يساعد في تحقيق دولة مستقلة عن القوى الأوروبية، ولهذه الغاية، ساعد قوات فيصل غير النظامية في حرب العصابات ضد الإمبراطورية العثمانية، وكان دائمًا على استعداد لخوض المعارك جنبًا إلى جنب مع المتمردين، إلى جانب العرب وقوات الكومنولث، ودخل القدس عندما استولى اللورد اللنبي على المدينة المقدسة.
وتولى لورنس مهام أكثر خطورة كل يوم، ففي درعا أسره الأتراك الذين لم يتعرفوا عليه، وتعرض هناك للتعذيب الوحشي، لكن حياته أُنقذت وبعد فترة وجيزة دخل دمشق مع فيصل.
لورنس العرب يعود إلى إنجلترا
محبطًا من تجاربه، ومنهك من سنوات الحرب، ومتألمًا بوفاة إخوته في فرنسا وصديقه العربي “دهم” عاد لورانس إلى إنجلترا، وفي السنوات الأخيرة من إقامته في الشرق الأوسط، رافقه الصحفي الأمريكي داريل توماس، الذي نشر مغامرات هذا الضابط الإنجليزي، فقد كان لورنس العرب، مزيجًا من المثقفين والمحاربين الذين تكيفوا مع العادات والتقاليد العربية.
وأثناء معاهدة فرساي، انضم لورنس إلى الحاشية البريطانية بنية التوسط لمن يمثلهم فيصل نفسه، وكانت حججه قليلة الفائدة، وعاد فيصل إلى دمشق بخيبة أمل كبيرة.
السنوات الأخيرة للورنس العرب
في أكسفورد، كرس نفسه لكتابة أعمدة الحكمة السبعة، وهو كتاب يروي فيه تجربته أثناء التمرد العربي، ونُشر هذا العمل في عام 1926 وتم توزيعه في جميع أنحاء العالم.
ومع تزايد تعقيد الوضع في الشرق الأوسط، تولى تشرشل، عمله كمستشار للشؤون العربية، وفي مؤتمر القاهرة توصل لورنس إلى اتفاق مع فيصل وعائلته، والذي حقق توازنًا جيوسياسيًا.
متعبًا ومريضًا، قرر لورنس أن يعيش حياة أقل تعرضًا لمخاطر السياسة، وبموافقة تشرشل، تم تجنيده كجندي في سلاح الجو تحت اسم مستعار جون روس، ومع ذلك، تم اكتشافه وطرده، فكيف يمكن لهذا البطل، وهذه الشخصية المعروفة للجميع، أن يختبئ هكذا؟!.
وبعدها تم إرساله إلى الهند، حيث مكث هناك لمدة عامين آخرين، وعندما اكتشفت صحيفة “ديلي هيرالد” مكان وجوده كتبوا مقالًا عن مصير لورنس المظلم، وطرحوا عدة تساؤلات، مثل، هل كان لا يزال يعمل في المخابرات؟ ولماذا يختبئ تحت زي جندي بسيط؟
وبمساعدة الأصدقاء الأقوياء، بما في ذلك تشرشل، وبرنارد شو، وتوماس هاردي، تمكن من تحقيق نيته في أن يكون جنديًا مجهولاً، وبالتالي عاد إلى إنجلترا، وأثناء وجوده هناك تعرض لحادث مؤسف على دراجته النارية ليتوفى الجندي الإنجليزي الذي كان يرتدي زي عربي والذي عاش مثل البدو، في 19 مايو 1935.
وبعد سنوات عديدة، قال تشرشل بأن توماس لورنس كان أحد الرجال البريطانيين العظماء، ولا يوجد شخص آخر مثله، وسيبقى اسمه في سجلات الحرب وسيظل حياً في أساطير الجزيرة العربية”، وقد قدم له العرب تحية مماثلة.
أقرأ أيضاً.. “تشي جيفارا” الطبيب الثائر