شخصيات

الحجاج بن يوسف الثقفي… طاغية بني أمية

إيمان محمود خليفة

الحجاج بن يوسف الثقفي هو أحد أمراء بني أمية اشتهر بقسوته وشدته مع المعارضين، وترك بصمته أثناء الخلافة الأموية، ساعد على إرساء قواعد الدولة الأموية بعد معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد، أمره الخليفة عبد الملك بن مروان بقتال عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-وانتزاع الخلافة منه لإعادة الخلافة للدولة الأموية.

نشأة الحجاج بن يوسف الثقفي

 ولد أبو محمد الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن الحكم الثقفي في قبيلة ثقيف بالطائف، عام 41 هجريًا( عام الجماعة)، سُمي كليب وأبدله باسم الحجاج بعد ذلك واشتهر بذلك الاسم، وأمه هي الفارعة بنت همام بن عمرو بن مسعود الثقفي.

  حفظ الحجاج بن يوسف القرآن الكريم وتعلم الحديث، وعلم القرآن والحديث للصبية مع والده بالطائف، وقد اشتهر بالبلاغة وكان من أفصح الناس، قال عنه أبو عمرو بن العلاء “ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج.”

انطلاقة الحجاج بن يوسف في الشام 

 انطلق الحجاج إلى الشام والتحق بالشرطة، وقربه الوزير روح بن زنباع من الخليفة عبد الملك بن مروان الذي ولاه أمر الجنود بعد ما رأى من قوته وبأسه، وأصبح من كبار قادة الجيش.  

الحجاج بن يوسف والزبير بن العوام

  أرسل الخليفة عبد الملك بن مروان جيشًا بقيادة الحجاج بن يوسف لقتال عبد الله بن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- واستعادة هيمنة الحكم الأموي على مكة والمدينة، خرج الحجاج مع 2000 من جنود الشام لقتال بن الزبير عام 72 هجرية، ونزل بالطائف وبدأ في فرض حصار اقتصادي على مكة، وقطع عنها المياه والطعام، حتى لجأ بن الزبير وأعوانه للتحصن بالكعبة، ولكن الحجاج حاصرها وأمر بقذفهم بالمنجنيق داخل الكعبة في أثناء طواف الناس حول الكعبة في موسم الحج، مما أدى إلى تعطيل ركن من أركان الحج .

ولذلك فقد كتب بن عمر إلى الحجاج فقال” اتق الله فإنك في شهر حرام وبلد حرام، وقد قَدِمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيرًا.”

  فتوقف الحجاج عن القتال وعن استخدام المنجنيق حتى انتهى الناس من الحج ، ثم استأنف قتاله ضد بن الزبير بعد ذلك حتي قُتل عبدالله بن الزبير في جمادى الأول عام 73 هجرية، وقام الحجاج بقطع رأسه وإرسالها إلى عبد الملك بن مروان وصلبه عند الحجون بمكة.

أصبح عبد الملك بن مروان هو الخليفة الوحيد للمسلمين بعد موت الخليفة بن الزبير، فأسند ولاية مكة والمدينة والطائف واليمن إلى الحجاج مكافأة له بعد نجاحه في القضاء على عبد الله بن الزبير وأخذه البيعة من أهل مكة لعبد الملك بن مروان.

الحجاج واليًا على العراق 

  بعد عامين من ولاية الحجاج على الحجاز، قرر الخليفة الأموي أن يولي الحجاج على العراق التي كانت تسودها الفوضى والاضطرابات، واستمر حكم الحجاج للعراق حوالي 20 عامًا استطاع خلالها الحجاج ضبط هذه البلاد ببطشه وقوة سلطانه فلم يقبل من محسنهم، ولم يتجاوز عن مسيئهم، ولم يكن حكم الحجاج في العراق سهلًا، فقد واجه الكثير من الثورات والفتن والاضطرابات السياسية.

  وقد قال بن كثير رحمه الله عن ولاية الحجاج للعراق “ كان الحجاج نقمة على أهل العراق بما سلف لهم من الذنوب والخروج على الأئمة وخذلانهم لهم وعصيانهم ومخالفتهم.”

  وقد قال عمر بن العزيز عن الحجاج “ لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم، وما كان يصلح لدنيا ولا لآخرة. “

الأعمال الصالحة للحجاج

 كان الحجاج شخصية متناقضة، فبالرغم من كثرة سفكه للدماء، فقد كان يقرأ القرآن ويحبه ويعظمه ويعطي المال لأهل القرآن، كما أمر بتنقيط حروف القرآن الكريم وتشكيله ليسهل على الناس قراءته.

  قام الحجاج أيضًا بالكثير من الفتوحات الإسلامية في بلاد المشرق، واشتبك في الكثير من المعارك مع الخوارج وقضى على الكثير من الفتن خلال سنوات حكمه للعراق، ومن أبرز ما قام به أيضًا انشاء مدينة واسط بالعراق لتكون مركزًا لحكمه ومعسكرًا لجنوده، كما أنه لم يترك لورثته بعد موته سوى 300 درهم. 

 وبالرغم من أعمال الحجاج الصالحة إلا أنها لا تمثل شيئًا في بحر الذنوب وسفك الدماء والظلم الذي اشتهر به الحجاج.

الحجاج وهند بنت المهلب

  هند بنت المهلب البصرية هي إحدى زوجات الحجاج بن يوسف الأربع وأشهرهم، عُرفت بالحكمة ورجاحة العقل، وفصاحة اللسان والبلاغة، وقد كانت شاعرة ذات جمال أخاذ، أرسل إليها الحجاج ليخطبها وعرض عليها 200 ألف دينارًا من الذهب مؤخر صداقها فوافقت، ولكن بعد الزواج أحست أنها لم تحسن الاختيار، فأنشدت وقالت:

وما هند إلا مهـــرة عربية              سـليلة أفـــــــــراس تحللها بغل  

فإن ولدت مهرًا فلله درها              وإن ولدت بـــغلًا فجاء به البغل

ولما سمع الحجاج ذلك، أرسل مع أحد أتباعه مؤخرها 200 ألف دينارًا، وطلقها بكلمتين “ كُنتِ فبنتِ، وهذا مالك ” -أي طلقها طلاقًا بائنًا لا رجعة فيه- فردت عليه شاكرة وقالت: “ كنا فما حمدنا، وبِنّا فما ندمنا ” ثم أعطت هند مؤخرها للبشير الذي جاءها بالخبر.

عندما سمع الخليفة عبد الملك بن مروان عن هند بنت المهلب وذكائها وحسنها أُعجب بها، فبعث إليها ليخطبها لنفسه ،فوافقت هند واشترطت أن يقود هودجها لقصر الخليفة الحجاج بنفسه، فما كان منه إلا السمع والطاعة، وقبل وصولها الى قصر الخليفة رمت دينارًا على الأرض، وطلبت من الحجاج أن يبحث عن درهمًا وقع منها، فوجد الدينار، فقال لها يا بنت المهلب لم نجد الدرهم ولكن وجدنا دينارًا، فقالت: “ الحمد لله، أضعنا درهمًا وأنعم الله علينا بدينارًا. ” وتقصد أن الله أبدلها  خيرًا من الحجاج وتزوجت من الخليفة عبد الملك بن مروان.

     الحجاج بن يوسف والتابعي سعيد بن جبير

  كان سعيد بن جبير من أفضل علماء الكوفة، اشتهر بحبه لطلب العلم و كثرة العبادة، قتله الحجاج ذبحًا بعد أن خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث في ثورة ضد حكم الأمويين، ولكن دعا بن جبير على الحجاج قبل موته وقال :”اللهم لا تسلطه على أحد من بعدي”، فلم يقتل الحجاج أحدًا بعد سعيد بن جبير وقِيل أنه قتل رجلًا واحدًًا بعده. 

وقد كان الحجاج إذا نام يرى سعيد بن جبير في منامه يقول له ” يا عدو الله فيما قتلتني ؟ ” فيفزع الحجاج من نومه ويصرخ مالي ولسعيد بن جبير ؟  وقيل إن الحجاج مات بعد 15 يومًا أو 40 يومًا من قتل بن جبير بسبب إصابته بمرض في بطنه، المعروف بسرطان المعدة الآن، ومات في شهر رمضان عام 95 هجرية بعد أن أوصى أن يدفن سرًا كي لا يُنبش قبره، وفرح أهل العراق لموته فرحًا شديدًا، وسجد عمر بن عبد العزيز شكرًا لله على انتهاء حكم الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي.

اقرأ أيضًا… عين زبيدة… جوهرة الصحراء ونبع الحياة بمكة لمدة 12 قرنًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *