
محمد أحمد كيلاني
كان ويليام هيرشل أحد أهم علماء الفلك، فقد اكتشف أورانوس، والعديد من الأقمار في نظامنا الشمسي، وكذلك أكثر ما يُقارب 2000 من السُدم المختلفة ومحطات المريخ، وحدثت كل تلك الاكتشافات، بدون أن يتدرب كعالم فلك، فقد كان موسيقي.
لم يكن عالم الفلك
إن إختيار عالم واحد باعتباره الأهم في مجاله هو بلا شك أمر معقد، وأحيانًا مستحيلاً في بعض المجالات، فالعلم هو نشاط جماعي ولا يوجد على الإطلاق أي عالم قدم مُساهمات تاريخية قد عمل في عزلة تامة.
وأيضًا في تاريخ علم الفلك، من الصعب إختيار شخصية واحدة كأهم شخصية في هذا المجال، ومن بين هؤلاء العظماء سيكون لدينا بلا شك أسماء مثل كوبرنيكوس، الذي اقترح النموذج الأول لمركز الشمس، وغاليليو، الذي صنع أول تلسكوب واكتشف أقمار المشتري، وكبلر، الذي وضع الشمس كأصل حركة جميع النجوم في النظام الشمسي.
ونيوتن، الذي شرح هذه الحركة من خلال قانون أكثر جوهرية، وهابل، الذي اكتشف أن هناك المزيد من المجرات إلى جانب مجراتنا وأن الكون واسع ويتوسع، وباين جابوشكين، الذي استنتج مما تتكون النجوم.
وهذا بالطبع دون نسيان الأسماء الأساسية مثل جيوفاني كاسيني، وكريستيان هيغنز، وتشارلز ميسيير، وكارولين هيرشل، وهنريتا سوان ليفيت، وإدموند هالي.
ومع ذلك، ومن هنا في “مشربية” نود أن نسلط الضوء على شخصية عالم فلك آخر، قام باكتشافات أساسية، والذي وبفضل موهبته في بناء التلسكوبات تم تطوير علم الفلك بشكل كبير، وهو “ويليام هيرشل”، شقيق كارولين هيرشل المذكورة في القائمة التي ذكرناها في الأعلى.
سيرة
ولد فريدريش ويليام هيرشل (Friedrich Wilhelm Herschel) في عام 1738 بمدينة هانوفر الألمانية، لعائلة لوثرية، وكان والده عازف مزمار في فرقة هانوفر العسكرية وذلك بعد هزيمة هانوفر أمام القوات الفرنسية في معركة هاستنبيك، مما أضطر والد هيرشل إلى إرسال ولديه إلى إنجلترا في عام 1757.
وسرعان ما تعلم هيرشل اللغة الإنجليزية وغير اسمه إلى فريدريك ويليام هيرشل، وتدرب كموسيقي وألف العديد من الأعمال الموسيقية، بما في ذلك 24 سمفونية، وتم تعيينه قائدًا لأوركسترا باث وذلك في عام 1780.
اهتمامات ويليام هيرشل
ومع ذلك، كان لدى هيرشل اهتمامات تتجاوز الموسيقى، وخاصة في علم الفلك، وبدأ في بناء تلسكوباته الخاصة بعد أن تلقى دروسًا من صانع مرآة محلي واستعان بإخوته من أجل ذلك.
وفي مارس 1774، بدأ في إصدار مجلة فلكية وسجل ملاحظاته عن حلقات زحل والسديم العظيم، وعلى الرغم من أنه لم يتلق أي تعليم رسمي كعالم فلك، فقد تمكن من تغيير هذا الفرع من العلم إلى الأبد.
فقد استخدم هيرشل فتحة 16 سم، في تلسكوب بطول بؤري 2 متر للبحث عن هذه النجوم من حديقته في مدينة باث، وقد اكتشف أكثر من 800 نظام نجمي مزدوج ومتعدد، وأرست أعماله النظرية والرصدية الأساس لعلم فلك النجوم الثنائي الحديث، واكتشف هيرشل أيضًا أن هذه الأنظمة كانت “أنظمة ثنائية فلكية” تدور تحت جاذبية متبادلة.
اكتشافات ويليام هيرشل
في مارس من عام 1781، اكتشف هيرشل جسمًا صنفه لأول مرة على أنه مذنب، ولكن بعد العديد من الملاحظات والحسابات التي أجراها العالِم “أندرس ليكسل”، تم تحديده على أنه كوكبًا.
وأطلق عليه هيرشل اسم “النجمة الجورجية” نسبة إلى الملك جورج الثالث، لكنه عُرفت فيما بعد باسم “أورانوس”، وأكسبه هذا الاكتشاف ميدالية كوبلي ولقب الملك الفلكي، واكتشف لاحقًا قمرين لأورانوس، هما، تيتانيا وأوبيرون.
وبين عامي 1782 و 1802 أجرى هيرشل عمليات بحث منتظمة عن أجسام “السماء العميقة” باستخدام مقرابين بطول بؤري يبلغ 6 أمتار.
وقد اكتشف أكثر من 2400 جسم عرّفها بنفسه على أنها سدم، واكتشف أيضًا قمرين صغيرين من زُحل، وهما، إنسيلادوس، وميماس، وهما من بين أصغر الأجسام الكروية في النظام الشمسي، وقاس هيرشل ميل محور دوران المريخ ولاحظ التغيرات الموسمية في قلنسوته القطبية.
وقادته دراسته للمريخ والقمر إلى اقتراح أن هذه الأجسام كانت مأهولة، وهي فكرة كانت شائعة جدًا لدى معاصريه.
صانع ومطور للتلسكوبات
في القرن السابع عشر، تم استخدام تلسكوب الانكسار، والذي كانت به مشاكل انحراف لوني لأن الأطوال الموجية المختلفة للضوء لم تتقارب.
وقد حاول هيرشل حل هذه المشكلة من خلال الجمع بين عدستين، لكنه لم يتمكن من تحقيق الدقة الكافية للأجسام البعيدة، ومن ناحية أخرى، استخدم التلسكوب العاكس، الذي اخترعه إسحاق نيوتن، وهو عبارة عن مرآة مقعرة منعت الانحراف اللوني وسمحت بتكبير ومجال رؤية أكبر.
وخلال بحثه لتحسين تلسكوباته، اكتشف هيرشل الأشعة تحت الحمراء من الحرارة التي تولدها عندما تنتقل عبر منشور أكبر من الضوء الأحمر.
وقام بتعديل التلسكوبات العاكسة لتحسين الصورة وصمم ما يسمى بتلسكوب “هيرشيليان” (Herschelian)، وذلك من أجل إنشاء مرايا أكبر وأكثر تناسقًا، وكان لزامًا على هيرشل أن يصنعها بنفسه، وأن يصنع أكثر من 400 مرآة تلسكوبية يتراوح قطرها من 6 إلى 48 بوصة.
وقام ببناء وبيع ما لا يقل عن 60 تلسكوبًا كاملًا بأحجام مختلفة، مما وفر له مصدر دخل إضافي.
أفضل ابتكارات ويليام هيرشل
كان أكبر وأشهر تلسكوب صنعه هيرشل هو التلسكوب العاكس، الذي يبلغ طوله 12 مترًا، والمرآة الأساسية التي يبلغ قطرها 125 سم، والتي استغرق بناؤها خمس سنوات وكانت ميزانيتها كبيرة جدًا.
وأصبح هذا التلسكوب أكبر أداة علمية في ذلك الوقت وسمح لهيرشل باكتشاف قمرين جديدين لكوكب زُحل كما ذكرنا، ومع ذلك، تبين أن هذا التلسكوب معقد للغاية للعمل وغير فعال في إظهار صور واضحة.
ورغم كل ذلك فإن ابتكارات هيرشل التكنولوجية أخذت علم الفلك إلى حدود غير متوقعة في عصره، فقد كان عالم بالموهبة الفطرية، دون تدخل الدراسة الأكاديمية.
أقرأ أيضاً.. اختراعات وأفكار “نيكولا تيسلا”… ستندهش أنها له!