معالم سياحية

“تاريخ مدهش وأسرار مدفونة”.. حكايات قصر البارون إمبان

محمد السيد إبراهيم

قصر البارون هو أحد القصور التاريخية في مصر ومن أكثرها شهرة، ويعود ذلك لطرازه المعماري الفريد الذي يتميز به، وقد سُمي بهذا الاسم نسبة لمشيده المليونير البلجيكي البارون إدوارد إمبان، والذي جاء لمصر من الهند في أواخر القرن التاسع عشر، وكان يطمح في بناء منطقة سكنية جديدة في صحراء القاهرة، وسُميت تلك المنطقة “هيليوبولس”، وهناك قرر إنشاء قصره الخاص، واستقر على تصميمه بطراز معماري فريد، وهو الطراز الهندوسي الأوروبي للمعماري الفرنسي “ألكساندر مارسيل“.

وقد قام بشراء تصميمه خلال معرض هندسي في باريس، وبدأ البناء في القصر عام 1906واستمر لمدة خمسة أعوام، وتم الافتتاح عام 1911، ومع اختلاف وتناقل ملكيته تعرض قصر البارون للإهمال بشكل كبير، حتى قامت الحكومة المصرية بشراءه عام 2005، وقامت وزارة الآثار المصرية بترميم القصر بين عامي 2017 و2020 حتى تم افتتاحه.

من هو البارون إدوارد إمبان؟ وكيف حصل على لقب البارون؟

الاسم  إدوارد لويس جوزيف، البارون  إمبان (Edouard Louis Joseph ,Baron Empain)، هو مهندس ورجل أعمال بلجيكي، وكان أحد المولعين بالآثار المصرية، ولد في ال20 من سبتمبر عام 1852.

حياة البارون إمبان المهنية 

بدأ البارون إمبان حياته المهنية في عام 1878، وعمل رسامًا في شركة تعدين تسمى(societe metallurgique)، وتخصص في بناء السكك الحديدية في محاولة منه لرفع كفاءة البنية التحتية للنقل في الريف، وقد أظهر نجاحًا كبيرًا في بناء خط”لييج جيميبي” (Liege-Jemeppe)، وبدأ بتطوير العديد من الخطوط في فرنسا، وقام أيضًا بإنشاء مترو باريس.

وفي عام 1881 قرر تأسيس بنكه الخاص، وسماه على اسمه”مصرف إمبان” Banque Empain، والذي تحول بعد ذلك إلى البنك الصناعي البلجيكي.

وخلال التسعينات من القرن التاسع عشر توسعت شركات البارون إمبان بشكل كبير، وقام بالعديد من المشاريع الكبري مثل بناء خطوط الترام الكهربائية في مدن عديدة بأوروبا وروسيا، حتى وصل إلى الصين ومصر.

الحصول على رتبة الجنرال ولقب البارون.. والوفاة 

حصل على رتبة الجنرال خلال الحرب العالمية الأولى، وأصبح مدير إنتاج الأسلحة في باريس، ولوهافر للجيش البلجيكي، وبعد ذلك استطاع الحصول على لقب البارون من الملك البلجيكي ليوبولد الثاني تكريمًا لإنجازاته الكبيرة.

وتوفي البارون إمبان في مدينة ولويه في بلجيكا، لكنه دفن في مصر داخل كنيسة نوتردام دو هليوبوليس، وذلك بناء على وصيته.

قصة بناء قصر البارون تعكس رحلة ملهمة من الأحلام الجميلة إلى الواقع الساحر 

لم يكن بناء قصر البارون هو بداية علاقة البارون إمبان بمصر، لقد تعلق البارون ببلد الكنانة وأُعجب بتاريخها وحضارتها إعجابًا شديدًا، وكان بناء قصره هو طريقة لإظهار هذا الإعجاب والإنبهار، وقد وصل البارون إلى مصر عام 1904، آتيًا من الهند بهدف إصلاح بعض المشاكل في أحد مشاريع شركته، وهو إنشاء خط سكة حديد يربط ما بين المنصورة والمطرية، ومن هنا بدأت حكاية عشقه لمصر. 

قصة بناء مدينة هيليوبولس

حصل البارون إمبان عام 1894 على حقوق إنشاء أول شبكة ترام عامة في القاهرة، ومن هنا كانت البداية لمشروعه العقاري وهو إنشاء مدينة هيليوبوليس، والتي تَبعد حوالي 10 كيلومترات شمال شرق وسط القاهرة، والتي أُطلق عليها بعد ذلك مصر الجديدة، وهيليوبوليس هو اسم يوناني ويعني مدينة الشمس.

وفي عام 1905 قرر إمبان و شريكه نوبار نجل أول رئيس وزراء مصري (نوبار باشا)، شراء 2500 هكتار من الصحراء لإقامة مدينة هيليوبوليس عليها، وكان يطمح إمبان أن تكون مدينة خصبة وسط أرض قاحلة.

ويروي الدكتور جمال عبد الرحيم الأستاذ بعلم الآثار والفنون الإسلامية بجامعة القاهرة في إحدى مقابلاته الصحفية، قصة بناء مدينة هيليوبولس، والتي بدأت في ستينيات القرن التاسع عشر، وكان حاكم مصر في ذلك الوقت هو الخديوي إسماعيل باشا، والذي وقع في غرام مدينة باريس الحديثة، وكان يحلم بتحويل القاهرة إلى باريس على النيل.

ونجح في ذلك، وقام بتحويل القاهرة التاريخية إلى القاهرة الجديدة على الطراز الغربي، من خلال بناء دار أوبرا، وبنوك، وفنادق، ومتاجر متعددة الأقسام، وأدى ذلك الازدهار إلى ارتفاع أسعار الأراضي بشكل كبير.

وقد تخطت أسعار الأراضي في القاهرة أسعار الأراضي في أشهر العواصم الأوروبية مثل باريس، ولندن، وبروكسل، وأضطر إمبان لشراء أراضي في الصحراء بتكلفة منخفضة لبناء مدينة هيليوبوليس وقصر البارون.

وفي عام 1906 بدأت شركة واحات هيليوبوليس التي أسسها البارون، في بناء مدينة هيليوبوليس في صحراء القاهرة، وصُممت تلك المدينة لتكون بها كل وسائل الرفاهية، ولتكون مدينة ذات شوارع واسعة ومنظمة، وتتواجد بها جميع وسائل البنية التحتية من المياه، والصرف الصحي، والكهرباء، والفنادق، ومنها فندق هيليوبوليس بالاس، ومنول هيليوبوليس، ووسائل ترفيه متعددة بما في ذلك ملعب للجولف ومضمار سباق ومنتزه.

وقام أيضًا ببناء مساكن للإيجار بتصميمات حديثة ومبتكرة، لتستهدف فئات إجتماعية محددة، وفيلات، ومجمعات سكنية، وأكواخ للعمال.

التصميم المعماري لمدينة هيليوبولس

صمم المهندس المعماري البلجيكي إرنست جاسبار مدينة هيليوبوليس بمزيج من العمارة الإسلامية والأوروبية، والفارسية، والمغربية، وقد قام بتجهيز البنية التحتية للمدينة حتى تتوافر فيها جميع سبل الراحة والترفيه الممكنة، فقام بتوفير محطات للمياه، والصرف الصحي، والكهرباء، وتوفير المرافق الفندقية.

بناء قصر البارون

تعلق البارون إمبان بمصر كثيرًا، وكان مفتونًا بالحضارة المصرية، ومن هنا أتخذ قراره بقضاء حياته في مصر، بل وأنه أوصى بأن يدفن فيها، وذلك حتى وإن توفى خارج مصر، وباشر البدء في بناء قصر البارون عام 1907، وتم افتتاح القصر عام 1911، بحضور السلطان حسين كامل.

من قام بتصميم قصر البارون؟

كان التصميم للمهندس المعماري الفرنسي الكسندر مارسيل، وكان التصميم  متواجد في معرض باريس العالمي عام 1900، حينها رآه البارون إمبان هناك واشتراه من مارسيل، وعاد للقاهرة وأعطي التصميم إلى عدد من المهندسين الإيطاليين والبلجيكيين.

وتصميم قصر البارون مستوحي من تصميم معابد أوديشا الهندوسية، ومعبد أنغكور وات في كمبوديا المصنف كواحد من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق آسيا، وكانت زخرفة القصر وديكوراته للرسام جورج لويس كلود، وفي العام 1907 بدأ بناء القصر على الربوة العالية التي حددها لهم البارون في صحراء مدينة القاهرة.

وتم الإنتهاء من بناء القصر بعد 5 سنوات، وظهرت إلى النور تلك التحفة المعمارية الفريدة.

قصر البارون من الداخل

مساحة القصر من الداخل ليست بالكبيرة، ويتكون القصر من ثلاث طوابق، الطابق الأرضي، والطابق الأول، والطابق السفلي تحت الأرض، ومصعد يربط طوابق القصر ببعضها وكان في ذلك الوقت لايزال حديث الاستخدام.

قصر البارون من الداخل

الطابق الأرضي 

يتكون الطابق الأرضي من صالة كبيرة، وثلاث غرف مقسمة كالتالي: واحدة للضيافة، والثانية للمائدة، وكانت تتميز تلك الغرفة بانها مليئة بالرسوم المأخوذة من أكبر الفنانين، مثل ليوناردو دافنشي، ومايكل انجلو، وجميع أركان الغرفة بها عواميد تحمل تماثيل هندية، وبالنسبة للغرفة الثالثة فكانت مخصصة للعب البلياردو.

الطابق الأول 

يمكنك أن تصل للطابق الأول عن طريق السلم الرخامي ذو الدرابزين المرصع بتماثيل هندية صغيرة، ويتكون ذلك الطابق من صالة كبيرة، وأربع غرف نوم واسعة، ويغطي الباركية أرضية تلك الغرف، ولكل غرفة حمام خاص بها مكسو ببلاط من الفسيفساء، بألوان متعددة متناسقة كالأحمر، والازرق، والبرتقالي، ولكل غرفة أيضًا شرفة خاصة بها محمولة على تماثيل الفيلة الهندية، وبها مقاعد ملتوية بأشكال مختلفة تحيط بها الثماثيل في منظر فريد من نوعه.

سطح القصر

يُعد سطح قصر البارون منتزة صغير، وكان قد استخدمه البارون إمبان في الكثير من المناسبات والحفلات التي كان يقيمها، وكان دائمًا ما يحب أن يتناول الشاي عند الغروب في سطح القصر، وكانت جدران السطح مليئة بالرسوم النباتية، ورسوم حيوانات، وكائنات خرافية، وتصعد للسطح عن طريق سلم تم صنعه من خشب الورد الفاخر. 

الطابق السفلي 

تم تخصيص هذا الطابق للمطابخ، وحجرات للخدم، ومغاسل للسيارات، وأماكن لركن السيارات، وكان يتميز بالنظام، ويتصل هذا الطابق مباشرة بقاعة المائدة عند طريق مصعد تم صنعه من خشب الجوز.

ويوجد بجوار القصر برج كبير يتكون من 4 طوابق مرتبطة بسلم حلزوني ويشبه الدرابزين، وتتواجد عليه تماثيل هندية صغيرة، وهناك حديقة كبيرة حول القصر بها العديد من النباتات والزهور النادرة ذات الأشكال الخلابة.

وكثرت الأقاويل على أنه يوجد نفق تحت الأرض، يصل القصر بكنيسة البازيليك التي قد بناها البارون، ولكن لم يتم العثور عليه حتى الآن.

زخارف وزينة قصر البارون 

استخدم البارون في صناعة القصر أفخم أنواع الرخام الإيطالي والزجاج البلجيكي، وكان البارون مولع بالحضارات حول العالم، وحرص على جمع الكثير منها داخل قصره، فسترى داخل القصر بعض التماثيل المستوحاه من الأساطير الهندوسية والبوذية كما ذكرنا.

كما أنه صنع نوافذ القصر على الطراز العربي، ورُصعت أبواب القصر بزخارف أغريقية دقيقة الصنع، كما أن هناك بعض التحف والتماثيل النادرة التي حرص البارون على جمعها من جميع انحاء العالم، ومن أشهر تلك التحف هى الساعة المثبتة في أعلى المدفأة في الطابق الأرضي.

وبسبب جمال القصر أصبح مقصدًا للكثير من الأعمال الفنية وموقع للتصوير الفوتوغرافي.

ومن أشهر الأعمال السينمائية التي ظهر فيها القصر فيلم الهارب، وفيلم حبي الوحيد، وكانت هذه الأفلام في تسعينيات القرن الماضي، وأيضًا فيلم آسف على الإزعاج والذي أُنتج عام 2008.

تناقل ملكية قصر البارون 

عاش البارون إمبان في القصر منذ افتتاحه، وكان ذلك في عام 1911، إلى أن توفى ودفن بكنيسة البازيليك، وانتقلت ملكية القصر إلى بنه جان حتى توفى عام 1946، ودفن بجوار والده في كنيسة البازيليك.

وقد نتقلت ملكية القصر بعد ذلك إلى أحفاد البارون، ومن هنا بدأ القصر في التعرض للإهمال الشديد حتى تم بيعه عام 1954 في مزاد علني، ووصل سعر القصر حينها إلى 160 ألف جنيه مصري، وفي العام 1993 صنف القصر رسميًا كمعلم أثري.

وفي عام 2005 قامت الدولة المصرية، وعن طريق وزارة الإسكان بشراء القصر، وتم تقدير سعره بمبلغ 125 مليون جنيه مصري، وتم منح مالكيه قطعة أرض بديلة في القاهرة الجديدة بقيمة مساوية لسعر القصر.

إعادة افتتتاح قصر البارون بعد ترميمه 

قامت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية، وبالتعاون مع وزارة الأثار في عام 2017 بتكليف شركة المقاولون العرب بأعمال ترميم القصر.

و كانت تكلفة مشروع الترميم حوالي 113 مليون جنيه مصري، وساهمت بلجيكا بمنحة وصلت إلى 16 مليون جنيه مصري. 

وبعد ثلاث سنوات تم الإنتهاء من أعمال الترميم، وتم إعادة افتتاح القصر مرة أخري في 29 يونيو عام 2020، وعاد مرة أخري قصر البارون ليصبح معلمًا أثريًا، ومقصد للكثير من السياح، وضم القصر بعد الترميم معرضًا لتاريخ هيليوبولس، وبعض السيارات المعروضة في حديقة القصر التي تعود إلى أربعينيات وخمسينات القرن الماضي.

أقرأ أيضاً.. “منارة الإسكندرية” رمز القوة المصرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *