
في خطوة مفاجئة هزّت الأوساط القانونية والأمنية الدولية، أعلنت السلطات الإماراتية عن توقيف فيتالي بيرلوغ، أحد المسؤولين السابقين في جهاز الإنتربول، وذلك تنفيذًا لمذكرة توقيف دولية صادرة عن السلطات الفرنسية، بعد اتهامات خطيرة تتعلق بالتزوير والفساد المالي وسوء استخدام النفوذ، وقد جاء التوقيف في مطار دبي الدولي، بعد تنسيق أمني عالي المستوى بين الإمارات والإنتربول.
فيتالي بيرلوغ
عملية التوقيف التي تمت في 15 يونيو 2025، لم تكن مجرد إجراء قانوني، بل عكست بوضوح مدى التزام دولة الإمارات بمبادئ الشفافية ومكافحة الفساد، خاصة في القضايا التي تتعلق بمسؤولين سابقين داخل المنظومة الأمنية الدولية، وقد صرّحت وزارة الداخلية الإماراتية بأن توقيف فيتالي بيرلوغ يأتي في إطار التعاون مع المجتمع الدولي، تنفيذًا للنشرة الحمراء التي أصدرها الإنتربول بطلب من القضاء الفرنسي.
الملف الذي يلاحق فيتالي بيرلوغ يتضمّن قائمة طويلة من الاتهامات، أبرزها تقديم رشاوى إلى مسؤولين، التلاعب في ملفات أمنية، إساءة استخدام السلطة داخل لجنة مراقبة محفوظات الإنتربول، بالإضافة إلى الاشتباه في تواطئه مع شبكات دولية لغسيل الأموال، وقد تسببت هذه التهم في استقالته من منصبه، لكن التحقيقات استمرت بصمت، حتى صدر قرار رسمي من باريس بملاحقته قضائيًا.
الاتهامات الموجهة لبيرلوغ ليست عادية، فالرجل الذي كان يشغل منصبًا حساسًا داخل جهاز أمن دولي مسؤول عن التنسيق بين أجهزة الشرطة حول العالم، وجد نفسه الآن مطاردًا من قبل نفس المنظومة التي كان جزءًا منها، وهو ما ألقى بظلال ثقيلة على مصداقية الإنتربول، وطرح تساؤلات حول مدى نفاذية الفساد داخل مؤسسات يُفترض بها حماية العدالة.
وزارة الداخلية في الإمارات أوضحت أن تسليم بيرلوغ إلى فرنسا قيد الدراسة القانونية، إذ سيتم تقييم الطلب وفق القوانين المحلية والمعاهدات الدولية الموقعة، وبانتظار اكتمال الإجراءات، سيتم احتجازه في مكان آمن وتحت رقابة مشددة، وقد أثنت عدة جهات دولية على سرعة تحرّك الإمارات واحترافيتها في التعاطي مع هذا الملف، مما يعكس التزامها بالعدالة والشفافية.
وفي هذا السياق، من الجدير بالذكر أن فرنسا كانت قد فتحت تحقيقًا واسعًا حول عدد من المسؤولين السابقين في أجهزة رقابية دولية، بعد تسرب معلومات تفيد بوجود صفقات مشبوهة واستغلال للنفوذ، وكان بيرلوغ على رأس هذه القائمة، حيث يُشتبه في تورطه في تحريك قرارات داخل الإنتربول بما يخدم مصالح أفراد أو جهات معينة، بعيدًا عن الإجراءات القانونية.
في مطار دبي
التوقيف الذي تم في مطار دبي، جاء بعد تتبع استمر شهورًا عدة، وتعاون أمني دقيق بين الإمارات وأجهزة فرنسية، وقد صرّح متحدث باسم القضاء الفرنسي أن بيرلوغ قد يواجه عقوبة بالسجن تصل إلى عشر سنوات، في حال ثبوت التهم، وتضم قائمة التهم المقدمة ضده: التزوير، إساءة استخدام السلطة، التربّح غير المشروع، استغلال بيانات محمية، والتواطؤ في عمليات مالية مشبوهة.
المشهد يبدو معقّدًا، لكن الرسالة واضحة، فحتى أولئك الذين اعتقدوا أن مناصبهم ستحميهم من المحاسبة، باتوا اليوم تحت مجهر العدالة، وها هو بيرلوغ الذي كان يتحكم في مصير عشرات الملفات الأمنية الدولية، أصبح اليوم هو نفسه ملفًا مطروحًا على طاولة التحقيق.
تأتي هذه القضية في وقت تتزايد فيه الدعوات العالمية لتعزيز آليات الرقابة داخل المؤسسات الدولية، وخاصة تلك التي تلعب دورًا محوريًا في التنسيق الأمني ومكافحة الجريمة، وإن كانت حادثة بيرلوغ تؤلم الثقة، فإن سرعة التحرك الإماراتي تعيد التأكيد على أن لا أحد فوق القانون، مهما بلغ منصبه أو مكانته.
فيتالي بيرلوغ الآن ينتظر مصيره، وفي حال قررت السلطات الإماراتية تسليمه لفرنسا، فإن جلسات محاكمته ستكون محط أنظار العالم، ليس فقط لما تمثله القضية من خطورة، بل لأنها تمثل لحظة فارقة في تطهير المنظومات الدولية من عناصر التلاعب والفساد.
هل سيكون هذا التوقيف نقطة تحوّل في تاريخ الإنتربول؟ وهل ستتبعها إصلاحات جذرية تطال الملفات المعطّلة والملوثة؟ أسئلة يطرحها الكثيرون، والإجابات ستتضح خلال الأسابيع القادمة مع تطورات قضية فيتالي بيرلوغ.
اقرأ أيضًا.. أهم أنواع الأمن السيبراني لحماية بياناتك