محمد أحمد كيلاني
إن وجود مجتمع يتكون فقط من النساء، المنعزلات والجميلات، والمُخيفات في الحروب هي واحدة من أكثر الأساطير تكرارًا بين ثقافات العالم، فمن منا لا يعرف تلك المرأة المحاربة الامازونية التي تظهر في “أفلام هوليوود”، وأسطورة الأمازونيات منتشرة على نطاق واسع، لدرجة أن العديد من المستكشفين والمؤرخين في وقت لاحق حاولوا إيجاد بعض المراجع الحقيقية التي ولدت منها الأسطورة، فلعدة قرون، تم البحث عن المحاربات النساء في أجزاء مختلفة من الجغرافيا الأرضية، فهل وجدوا الأمازونيات؟ هذا ما سنتعرف عليه في مستبشر.
بداية أسطورة الأمازونيات
وفقاً للتقاليد اليونانية، كانت الأمازونيات قبيلة من النساء المحاربات اللائي يقطعن صدورهن للتعامل بشكل أفضل مع القوس، ويعيشون في عُزلة عن الرجال ويكرهونهم، ولديهم علاقات جنسية فقط لإبقاء مجتمعهم مأهولاً بالسكان، فإذا أنجبت المرأة الحامل طفل ذكر قتلوه أو أعادوه إلى الأب، وإذا ولدت فتاة، فتقوم أمها بتعليمها وتدريبها على العمل الميداني والصيد والحرب.
أسطورة الأمازونيات أيضاً كانت في مخيلة الأوروبيين الأوائل الذين وصلوا إلى أمريكا، ونظراً لعدم إمكانية العثور على مدينة أو جزيرة لهؤلاء النساء، فلدينا اليوم فقط الخيار المستخدم لوصف جزيرة “وندر وومان” (Wonder Woman: Themyscira)، وهي جزيرة الأمازون في القصص المصورة، والتي توصف بأنها مكان محمي بحاجز خارق للطبيعة، يجعلها غير مرئية “لعالم الإنسان”.
الأسطورة في عيون المؤرخين
وعلى الرغم من عدم وجود مدينة الأمازونيات، كان هناك اتصال معهم، على الأقل هذا ما روته العديد من سجلات الاستكشافات حول أمريكا، وقد تحدث كولومبوس بالفعل في مذكراته عن رحلته الأولى عن جزيرة مأهولة بالنساء فقط، أيضاً ذكر ذلك “أنطونيو بيجافيتا” مؤرخ الكتاب الأول حول العالم، مكانًا مشابهاً، وأشار هيرنان كورتيس إلى موقع جديد للأسطورة بناءً على ما قيل له أثناء غزو المكسيك.
“وبالمثل، قدم بعض المؤرخين الآخرين تقاريراً عن مقاطعة سيهواتان، وقالوا أنه من المؤكد أن هناك جزيرة مأهولة بالنساء، بدون أي ذكر، وأن الرجال في أوقات معينة يأتون من البر الرئيسي للزواج منهم من أجل التكاثر، وإذا كان المولود انثى، فإنهم يحتفظون بها، وإذا كان ذكر فإنهم يطردونه من صحبتهم.
وصف شكل الأمازونيات
وكان غاسبار دي كارفاخال أكثر وضوحاً عندما روى اللقاء الذي أجراه مع النساء المحاربات في بداية الرحلة الاستكشافية إلى النهر والتي انتهى بها المطاف باسم أمازوناس، وكتب غاسبار دي كارفاخال أنهم تعرضوا للهجوم من قبل محاربات أطلقوا عليهم السهام.
وكان هؤلاء النساء طويلات جداً وبيض البشرة ولديهن شعر طويل جدا، مضفر وفوضوي على رؤوسهن، ولديهم عضلات قوية جداً، وهن مُغطيات بجلود خفيفة، ويحملن أقواسهن وسهامهن في أيديهن، و يخوضون الحروب، وقوتهم الجسدية تتخطى قوة عشر هنود مُجتمعين.
وسواء كانوا حقيقيين أم لا، فقد خَسر الكاهن والمؤرخ عينه في هذا الهجوم الذي رواه هو نفسه في منتصف القرن الثامن عشر، وبعدها غامر الجغرافي “تشارلز ماري دي لا كوندامين” بالدخول إلى منطقة الأمازون للعثور على النساء اللائي هاجمن أوريانا ورجاله، ولم يتمكن هذا المسافر الفرنسي من جمع أخبار أكثر من الشهادات غير المباشرة التي ذكرها له السكان الأصليون، لكن لا توجد أي علامة على وجود مكان حقيقي تعيش فيه النساء فقط.
مقابر للأمازونيات
وللعثور على دليل لوجود نساء محاربات، عليك العودة بالزمن إلى الوراء، وتحديداً إلى أصول الأسطورة التي ورثها التقليد اليوناني من القصص القديمة التي جاءت من الشرق، فهناك وجد عِلم الآثار أدلة مدهشة، فقد تم العثور شمال البحر الأسود، على مقبرة، وهي لمحارب نموذجي من القرن الرابع قبل الميلاد، إلا أن الهيكل العظمي الذي استقر في هذا القبر هو هيكل امرأة شابة، أمازونية حقيقية!، فقد قام علماء الآثار بالتنقيب عن أكثر من ألف مقبرة سكيثية، وفي بعض المقابر التي تمت دراستها، مثلت النساء المحاربات 37 بالمائة من المدافن.
“ويثبت السجل الأثري بما لا يدع مجالاً للشك أن النساء المُحاربات كانت حقيقة تاريخية عبر منطقة جغرافية واسعة وتسلسل زمني طويل، وتحديداً بين غرب البحر الأسود وشمال الصين ولأكثر من ألف عام.”
فربما كانت هذه الحروب، المليئة باللمسات الأسطورية، هي التي أدت إلى ظهور أسطورة الأمازونيات.