محمد أحمد كيلاني
كانت عملية التحنيط في مصر القديمة عملية شعائرية أساسية في تدين ذلك الشعب، حيث أنه من خلال الحفاظ على الجسد، كان يُعتقد أن الروح، بعد الموت، ستحصل على حياة أبدية مريحة، ولهذا السبب أيضًا، تم تزيين الجثث ودفنها مع متعلقاتها وحتى بالحيوانات (المحنطة أيضًا)، وخلال تلك العملية، يتم إجراء عملية دقيقة لإزالة الأعضاء، مع الاحتفاظ بالقلب فقط، والذي سيكون دليل الحياة التالية، وتم تنفيذ هذه العملية من قبل متخصصين ذوي معرفة فسيولوجية واسعة.
أصل التحنيط في مصر القديمة
التحنيط له أصل ديني بحت، ومن الواضح أن ذلك لم يكن ممكنا لولا الطب المتطور في مصر القديمة، إلا أنه لم يحدث لأسباب طبية أو علمية، بل بسبب الطقوس التي كانت موجودة في الديانة الشركية في ذلك الوقت، والتي تضمنت فكرة الحياة الأبدية أيضًا، وفقط مع الحفاظ على الجسد يمكن ضمان الانتقال إلى الحياة التالية.
وخلال القرن الرابع قبل الميلاد، انخفضت نسبة الرطوبة في الجثث المدفونة في الرمال بشكل كبير، مما ضمن الحفاظ على الجثث إلى حد ما، ومع ذلك، منذ اللحظة التي بدأ فيها وضع الجثث في المقابر، بدأ الحفاظ عليها بالوسائل الاصطناعية.
كيف كانت عملية التحنيط في مصر القديمة؟
كانت عملية التحنيط دقيقة ونفذها خبراء يتمتعون بفهم واسع لجسم الإنسان، وتم وصف التحنيط الذي يتم على جثث المصريين لأول مرة من قبل المؤرخ هيرودوت، ثم أكده العلم لاحقًا من خلال الأبحاث والعمليات التكنولوجية.
والأهم من ذلك، أنه تمت إزالة الأعضاء الداخلية للفرد، لمنعها من التدهور السريع، وتمت إزالة الدماغ إلى أجزاء من خلال شق دقيق يتم إجراؤه عبر فتحة الأنف، ثم تتم إزالة الأعضاء من الجذع من خلال شق جانبي، ويبقي القلب فقط في مكانه، وكان يُعتقد أن القلب هو مركز الكائن وذكائه، بالإضافة إلى استخدامه في الحياة الآخرة كمقياس للحكم على تصرفات الفرد.
وبعد استئصال الأعضاء الداخلية، يتم لف الجثة لمدة 70 يومًا بمادة تسمى النطرون، وهي عبارة عن مركب من أملاح الصوديوم التي تزيل الرطوبة من الجثة من أجل الحفاظ على الجسم والقضاء على البكتيريا التي يمكن أن تؤدي إلى تدهوره.
وعلاوة على ذلك، كانت الجثة مليئة بنشارة الخشب وبعض الأعشاب العطرية، وعندها فقط تم لفها بعناية شديدة في ضمادات من الكتان، مثبتة بمادة صمغية تغطي الجسم، وفي تلك الفترة، كانت توضع على القماش تمائم ونقوش مقدسة، وذلك لحماية الروح، بالإضافة إلى تلاوة كلمات “سحرية”.
يتم وضع الجثة في تابوت، وعادةً ما يكون وجه المتوفى محفورًا عليه، لتسهيل التعرف عليه بواسطة الروح، علاوة على ذلك، خضعت الأعضاء أيضًا لعملية حفظ وتم وضعها في مزهريات خزفية بجوار القبر.
من كان له الحق في التحنيط في مصر القديمة؟
عندما بدأ التحنيط في مصر القديمة، كان للملوك فقط الحق في ذلك، وبعد عصر الدولة القديمة، بدأ هذا الامتياز يمتد إلى نبلاء المجتمع، حتى أصبح يشمل كل من يستطيع تحمل تكاليف العملية، ونظرًا لأن التحنيط كان عملية معقدة ومكلفة، فقد تختلف العملية وتكون أبسط وفقًا لدخل الأسرة.
معلومات حول التحنيط في مصر القديمة
نشأ اسم المومياء مع الشعب العربي، عندما عثروا على مومياء، اعتقدوا خطأً أن المصريين استخدموا البيتومين (مادة معدنية طبيعية غنية بالكربون والهيدروجين، والتي تطلق لهبًا ودخانًا كثيفًا) في هذه العملية.
كما تم تحنيط الحيوانات، واعتقد المصريون أن آلهتهم يمكنها أيضًا أن تظهر نفسها من خلال الحيوانات، وهكذا، تم تحنيط البعض أيضًا وحتى خلقهم لهذا الغرض.
وكان موقع التحنيط عادة عبارة عن خيام على ضفاف نهر النيل، وكان المكان يعرف باسم “إيبو” ويعني “مكان التطهير”، وكان قريبا من المقابر القديمة.
بين عامي 400 بعد الميلاد والقرن التاسع عشر، اعتقد بعض الأوروبيين أن المومياوات يمكن أن يكون لها آثار طبية، ويرجع هذا الاعتقاد إلى افتراض أنهم تم تحنيطهم بالقار الطبيعي، والذي يمكن أن يكون له آثار طبية.
وتم تجميل المومياوات للحياة الآخرة، وتم طلاء بعضها بالكامل، طلاء الأظافر، ولوحات الحناء، وحتى الشعر المستعار، كل ذلك من أجل منحهم “انطباعًا جيدًا” في العالم الروحي.
لماذا قام المصريون بالتحنيط؟
لقد أنشأ شعب مصر القديمة مجتمعًا قائمًا على التدين والإيمان بآلهتهم، وآمن المصريون بالحياة الأبدية بعد الموت وأن روح المتوفى لا يمكنها الدخول في هذه الرحلة الجديدة إلا إذا تمكن من التعرف على جسده، وبهذه الطريقة، يتم إجراء التحنيط بهدف الحفاظ على الجثة قدر الإمكان حتى تتمكن روح المتوفى من التعرف عليها، مما يضمن عودة الروح إلى وعاءها الأصلي.
وكانت ممارسة التحنيط من الطقوس المهمة للغاية في دين الشعب المصري القديم.
ملخص عن عملية التحنيط في مصر القديمة
كان المصريون القدماء يقومون بالتحنيط بهدف الحفاظ قدر الإمكان على جسد الشخص المتوفى، وضمان عودتهم والتعرف على الجسد عن طريق الروح.
يعود تاريخ التحنيط في مصر القديمة إلى القرن الرابع قبل الميلاد وكان له هدف ديني بحت، حيث أنه فقط من خلال الحفاظ على الجسد يمكن ضمان الانتقال إلى حياة أخرى.
كانت عملية التحنيط في مصر القديمة دقيقة للغاية، ويقوم بها خبراء ذوو معرفة واسعة بجسم الإنسان، حيث يقوموا بإزالة الأعضاء الداخلية والحفاظ على القلب.
في البداية، كان للفرعون فقط الحق في التحنيط في مصر القديمة، وقد امتد هذا لاحقًا إلى النبلاء، ولاحقًا إلى أي شخص يمكنه دفع تكاليف هذا الإجراء.
وأصل اسم “المومياء” عند العرب، الكلمة العربية مومياء تعني “القار”، وهي مادة اعتقدوا أنها تستخدم في عملية التحنيط.
كما تم تحنيط الحيوانات، إذ كان يُعتقد أن الآلهة يمكنها أيضًا إظهار نفسها من خلالها.
أقرأ أيضاً.. بردية تورين.. أقدم خريطة لمناجم الذهب بمصر