شهد زجالاوي
“محمد ياسر عبد الرؤوف داوود سليمان عرفات”، هكذا كان أسمه قبل أن يطلق على نفسه ياسر عرفات ، ولد “ياسر عرفات” في القاهرة لعائلة فلسطينية عام 1929م، وأنتقلت عائلته بعدها إلى القدس ليترعرع في حواريها العتيقة، عاش عرفات في شبابه النكبة عام 1948 بكل مساوؤها.
وبعمر الثامنية عشر كان يقوم بمهام صبي (التوزيع) أي توزيع السلاح على المقاومين وهو سلاح مخلفات الحرب العالمية الأولى في ذلك الوقت، تأثر عرفات برؤية المقاومين من حوله سعيهم الدائم لمقاومة الأحتلال رغم ضعف الأمكانات التسليحية والقتالية، قرر عرفات في تلك السن الصغيرة أن يعود إلى البلد التي ولد بها (مصر) وذلك من أجل إتمام الثانوية، بعدها ألتحق بجامعة الملك فؤاد و ذلك في عام 1949 ليدرس تخصص الهندسة المدنية.
وقد ذاع صيت ذلك الشاب الفلسطيني الثائر داخل الأوساط الأكاديمية بالقاهرة، وأُنتخب رئيسًا لأتحاد الطلبة الفلسطينيون في مصر وهو ما تزامن مع ثورة 1952، أستلهم عرفات من الفكر الثوري للضباط الأحرار ، وثاثراً بهم بدأ محطة أخرى من حياتة بعد تخرجه من جامعة الملك فؤاد وهي ألتحاقه بالكلية الحربية المصرية التي تخصص منها ليصبح خبير مفرقعات، وشارك أيضًا في في صفوف الجيش المصري ضد العدوان الثلاثي على مصر.
كيف بدأت حركة فتح؟
بعد إنتهاء محطته كخبير للمفرقعات، والثورية بالكلمات على مدرجات الكلية، قرر عرفات السفر إلى الكويت للبدء بالعمل كمهندس، والجدير بالذكر أن ستينيات القرن الماضي كان أغلب الوافدين بالكويت فلسطينيون، وكانوا يشكلون 40% من سكان الكويت تقريبًا، تعرف عرفات على اثنين أطلق عليهم فيما بعد أبو جهاد و أبو اياد ومعنا أيضًا الزعيم أبو عمار الذي سوف يرأس ثلاثي أضواء المقاومة الفلسطينية، نسطيع هنا قول و أن فتح بدأت من (الكويت)، كان لابد على عرفات أن يبدأ هو بتمويل المنظمة حتى وإن كان بشكل مبدئي، وكانت الخطوة الأولى أنشاء شركته الخاصة بالكويت و خصص أرباحها للعمل السياسي و التسليح .
وبدأ العمل الفعلي لحركة فتح عندما أثبتت المنظمة نفسها بأول عملية لها عام 1965، فقام الفدائيين بتفجير محطة مياه إسرائيلية في شمال فلسطين بمدينة (عليبون)، و هنا أْعتبرت فتح أول حركة مقاومة مسلحة منظمة بفلسطين .
وقد بدأت حركة فتح بالتوسع والأنتشار وحظيت بتأييد عربي كبير خصوصًا من الأب الروحي للقومية العربية “جمال عبد الناصر” وأنتشرت فتح بمقرات التدريب بالأردن و التي خرج منها المقاومين بكرة و تنفيذ عمليات خطف الطائرات وأيضًا المشاركة بعمليات الحرب الاهلية في لبنان .
ويوم بعد يوم تحول عرفات من شخصية عسكرية إلى شخصية سياسة وهو الشيء الذي لم يكن فية بارع كحمل السلاح، وعندما وقف عرفات لأول مرة يخطب من منصة الأمم المتحدة ويقل جملته الشهيرة ( أحمل في يدي غصن الزيتون وفي اليد الأخرى البندقية فلا تجعلوني أُسقط غصن الزيتون) عقبت تلك الكلمات إعتراف دولي واسع بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للفلسطينيون.
مواقف فيصلية في حياة ياسر عرفات
غزو العراق للكويت 1990، نددت كل الدول العربية بما فعلة صدام حسين، وفي مقدمتها جمهورية مصر، والموقف العربي كان موحد في ذلك الشأن هو التصدي لأفعال صدام، إلا رئيس واحد لم يكن متوقع منه موقفه ولم يكن في الحسبان، بعد غزو صدام للكويت كان أول رئيس زار بغداد والتقى صدام بالأحضان هو ياسر عرفات، والعجيب في الأمر أنه رجل من المفترض أنه ممتنًا لدولة مثل الكويت، لكن سرعان ما تغير الحال لأن هذه هي السياسة التي من الواضح أن عرفات لم يكن يمتلك أي مهارة بها إلا الكلام، حيث كان مُخاطب ومتحدث من الدرجة رفيعة المستوى و يمتلك عبقرية لغوية مُلفتة.
ياسر عرفات والخسارة
خسر عرفات الكثير سياسيًا بعد موقفة الداعم لصدام حسين في غزوه للكويت ولكن الخسائر الكبرى والفادحة كانت خسائر اقتصادية، فالسلطة الفلسطينية أحد أعمدة التمويل بالنسبة لها كان الفلسطينيون بالكويت، فكانت الكويت تخصص جزء مقتطف من رواتب الفلسطينيين بالكويت لدعم المنظمة، ولكن بعد تحرير الكويت، أخذت السلطات الكويتية نهجًا هجوميًا على عرفات وألغت نظام الاقتطاف من رواتب الفلسطينيين، فخسر عرفات التأييد السياسي الاقتصادي .
أولى خطوات التنازل عن اللاءات الثلاثة
بسسب تدهور أحوال المنظمة وبداية ضعفها وبعد القطيعة العربية وجد عرفات نفسة وحيدًا ولجئ إلى قرار وإختيار لم يكن بالخاطر العربي، وهو خيار التفاوض مع إسرائيل.
أوسلو
الأتفاقية التي وقعها عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين بمباركة أمريكية، ونصت على أعتراف الفلسطينيون بأحقية 78% من أرض فلسطين التاريخية لإسرائيل وبالمقابل تعترف إسرائيل 22% من الأراضي الفلسطينية أي غزة والضفة والقدس، وأيضًا نصت الاتفاقية على أن تكون دولة منزوعة السلاح وأن يتم القضاء على أي حركة مقاومة تنهض من الداخل الفلسطيني .
الندم على أوسلو
زادت حدة التوتر في الشارع العربي والفلسطيني بسبب أن الأغلبية يروا أن أوسلو ظلمت الحق الفلسطيني، خصوصًا غضب منظمات المقاومة الأخرى (غير فتح) التي ترى أن عرفات خان القضية الفلسطينية بتفاوضه مع الإسرائيليين، والتوتر كان حتى في الداخل الاسرائيلي من قبيل اليمين المتطرف بقيادة السياسي الصغير آنذاك بنيامين نتنياهو ضد إسحاق رابيين وأراد اليمين المتطرف نشر فكرة ( لا اعتراف بدولة بفلسطين من الأساس ولا حق فلسطيني فالارض).
وبدأت تتوالى الأحداث التي أكدت لعرفات أن أوسلو حبر على ورق، وأول هذه الأحداث هي أغتيال إسحاق رابين نفسة على يد متطرفين إسرائيليين وصعود اليمين المتطرف إلى السلطة، وبعدها اقتحام القدس، وأيضًا سلسلة من الأغتيالات لقادة من المنظمتين فتح وحماس، وأيضًا أقتحام الضفة والحصار العسكري الإسرائيلي حتى لمبنى السلطة الفلسطينية الذي كان يقيم فية عرفات نفسه لثلاثة سنوات، توالي الاحداث أثبت لعرفات أن قرار التفاوض مع اسرائيل لم يكن بمحله
وساءت حالة عرفات الصحية كثيرًا وتدهورت أثناء الحصار، ولكن عبر الوساطة مصرية مع إسرائيل تم نقل عرفات للمستشفى العسكري في باريس وبعد صراع مع المرض وحيرة الأطباء الفرنسيين في تشخيص مرضه الذى كان يأكل في أعضاء جسده تدريجيًا.
مات ياسر عرفات 11 نوفمبر 2004 بعد صراع مع المرض.. أو استشهد
هل مات عرفات أم استشهد؟
قام مجموعة من الصحفيين بتحقيق استقصائي بعد وفاة عرفات ب12 عام بالتعاون مع “سهى الطويل” أرملة ياسر عرفات، تم فتح قبر عرفات رغم رفض السلطة الفلسطينية وقتها برأسة محمود عباس وقد قام فريق طبي باستخراج 60 عينة من رفات الجثة وقاموا بتحليلها ليجدوا مادة البلوتونيوم بالجسد أكبر 100 مرة من المعدل الطبيعي وهذا دليل على أن عرفات تم إغتياله بمادة البلوتونيوم 238 النووية والتي كانت تسمم جسد عرفات تدريجيًا.
ياسر عرفات كأي شخصية تاريخية مرت علينا وعلى مسامعنا ولها ما لها وعليها ما عليها نختلف أو نتفق مع مواقفه أو قراراته لكن الثوابت باقية ( فلسطيني عاش وناضل بطريقته) التي ستْطلق لنا مساحة الأختلاف أو الأتفاق عليها.
أقرأ أيضاً.. محمد أنور السادات.. أسطورة الحرب والسلام