محمد أحمد كيلاني
إن الأرض تدور بسرعة تزيد عن 1000 كم في الساعة عند خط الاستواء، ورغم ذلك لا يتم قذفنا في الفضاء، فكيف لا يحدث ذلك؟ ولماذا لا نشعر بحركة الأرض؟ رغم أن الإجابة قد تبدو سهلة للبعض، لكن يمكننا أيضًا أن نستنتج الإجابة من خلال مفاهيم تعود إلى عدة قرون مضت، والتي لا تزال بعيدة المنال عن أصحاب نظرية الأرض المسطحة.
لماذا لا نشعر بحركة الأرض
على الرغم من أننا لا ندرك ذلك في معظم الأحيان، إلا أننا نعيش حياتنا على كوكب يتحرك بصفة مستمرة.
فتدور الأرض حول الشمس، وتتحرك بسرعة حوالي 30 كيلومترًا في الثانية عبر الجزء الداخلي من النظام الشمسي الذي يتحرك بدوره بسرعة حوالي 230 كيلومترًا في الثانية حول مركز درب التبانة.
وبهذه السرعة يمكننا الطيران من مدريد إلى برشلونة في ثانيتين فقط ونعبر المحيط الأطلسي إلى الولايات المتحدة في أقل من نصف دقيقة.
وبالإضافة إلى ذلك، تدور الأرض باستمرار، وتستغرق 24 ساعة لإكمال دورة واحدة، وذلك مع الأخذ في الاعتبار حجم الأرض وأن محيطها عند خط الاستواء حوالي 40 ألف كيلومتر، فهذا يعني أن سطح الأرض يتحرك بسرعة تزيد عن 1600 كيلومتر في الساعة عند خط الاستواء، ومع اقترابنا من القطبين، تقل هذه السرعة.
حركة سريعة بدون أن نلاحظ
وعلى الرغم من هذه الحركة السريعة، فإننا لا ندرك أي شيء، فكيف يحدث ذلك؟ والجواب على هذا السؤال له عدة أجزاء.
الأول يتعلق بما استنتجه جاليليو جاليلي منذ حوالي أربعة قرون، وهو أن ما يهم القوانين الفيزيائية هو الحركة النسبية، وليس الحركة المطلقة.
وتم توسيع هذه الفكرة لاحقًا بواسطة ألبرت أينشتاين، الذي بحث في عواقبها الأساسية، لكن ما استنتجه جاليليو قد كان كافيًا بالنسبة لنا.
فقد استنتج جاليليو أنه إذا وجد نفسه في قبضة سفينة تبحر بسرعة عالية في بحر هادئ، دون أمواج، فلن يكون لديه أي وسيلة لمعرفة السرعة التي يتحرك بها، وفي الواقع، كان هذا الاستنتاج مقتنعًا، ففي ذلك الوضع لن تكون هناك تجربة يمكنه القيام بها لتحديد ما إذا كان يتحرك أم لا.
واليوم قد يكون من الأسهل تخيل هذه التجربة داخل القطار، فإذا كانت السكة والقطار في حالة جيدة ولا تهتز بأي شكل ملحوظ، فلن نعرف ما إذا كان القطار يسير أم لا.
وإذا رمينا كرة للأمام أثناء وجودنا في القطار، فسوف تتحرك كما لو كانت على الأرض، وكذلك البندول، فنحن قادرون على إدراك الحركة فقط عندما يكون هناك اختلاف في التسارع والتباطؤ، وإذا فرمل القطار ببطء، فسوف نميل إلى الأمام قليلاً، وإذا فرمل القطار، أو السيارة أو أي مركب فجأة، فقد نصطدم بالمقعد الذي أمامنا.
ولذلك، لا يهم ما إذا كانت الأرض تدور حول الشمس بسرعة 30 كيلومترًا في الثانية أو تدور حول نفسها بسرعة تزيد عن 1000 كيلومتر في الساعة، فطالما أن تلك السرعة لم تتغير، فلن نلاحظ شيئًا، وهذه هي الإجابة.
الكثير من العلم للإجابة عن سؤالك لماذا لا نشعر بحركة الأرض؟
منكم من يعلم الكثير عن الفيزياء، وسوف يدرك أن هناك فخًا صغيرًا، فعلى الرغم من أن القيمة المطلقة للسرعة لا تتغير، رغم أنها تظل دائمًا عند 30 كم/ث أو 1000 كم/س، إلا أن اتجاهها يتغير باستمرار، سواء عند الدوران حول الشمس أو مركز المجرة أو عند دوران الأرض، وهو ما يسمى بالحركات المنحنية.
فباختصار، هناك تسارع وتغيرات في السرعة، لذلك، يجب أن نشعر ببعض التأثير، وهذا هو بالضبط نفس الشيء الذي نشعر به في السيارة عندما نسير في منحنى، ورغم أن سرعة السيارة أو الدواسة تظل ثابتة تمامًا، إلا أننا نلاحظ وجود نوع من “القوة” التي تدفعنا نحو خارج المنحنى، وهذه القوة ليست حقيقية، بل هي ببساطة القصور الذاتي الذي يحمله جسمك، والذي يحاول متابعة حركته في خط مستقيم.
وإذا انحنى الطريق، فإننا سنلتصق بنافذة السيارة وستتحرك الأشياء الموجودة في صندوق السيارة من جانب إلى آخر، على الرغم من عدم وجود قوة تؤثر عليها.
وفي حالة دوران الأرض، فإن ما يمنعنا من الشعور بأي شيء هو ببساطة، أن التسارع، أي التغير في السرعة، صغير جدًا.
وفي حالة دوران الأرض يمكننا أن نفهم هذا التسارع على أنه قوة من شأنها أن تدفعنا إلى الأعلى، ومن شأنها أن تعاكس الجاذبية وبالتالي يمكننا مقارنة التسارع الذي يحدث في أجسامنا بسبب دوران الأرض بالتسارع الناتج عن الجاذبية.
وهذه القيمة الثانية تتوافق مع القيمة الشهيرة 9.8 م/ث2، لذلك، عند خط الاستواء، يبلغ التسارع الناتج عن دوران الأرض حوالي 0.03 م/ث2، أي أصغر بحوالي 300 مرة.
أقرأ أيضاً.. “كوكب الزهرة” وتاريخ من الأنهار والمحيطات
ويمكن إجراء الحساب في الاتجاه المعاكس ومعرفة السرعة التي نحتاج إليها للوصول إلى خط الاستواء حتى يتمكن الدوران من مقاومة جاذبية الأرض تمامًا.
ويرتفع الرقم إلى أكثر من 28 ألف كيلومتر في الساعة، أي أسرع بنحو 17 مرة مقارنة مع الوقت الحالي، لكن هذه السرعة لن تكون كافية إلا لرفع سكان خط الاستواء في الهواء.
بمعنى أن أي شخص يقع بعيدًا عنه سيظل ملتصقًا بالأرض، ولكن بقوة أقل، ومثلًا لكي يبدأ سكان دولة إسبانيا بالطفو، يجب أن تدور الأرض بسرعة كبيرة بحيث يستمر النهار لمدة ساعة واحدة فقط، وتصل سرعتها إلى ما يقرب من 40 ألف كيلومتر في الساعة عند خط الاستواء، ولكن لحسن الحظ، هذا لن يحدث أبدًا، وهذا سبب عدم شعورنا بتحرك الأرض.
أقرأ أيضاً.. الكوكب الأكثر حرارة في المجموعة الشمسية