شخصيات

فالنتينا تيريشكوفا.. طائر النورس.. أول امرأة تصل إلى الفضاء

محمد أحمد كيلاني 

في 14 أكتوبر من عام 1957، أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي، وبهذا، بدأ سباق الفضاء، حيث تبادل الإنجازات مع منافسه الأيديولوجي العظيم، الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1963، أصبحت فالنتينا تيريشكوفا (بالانجليزية-Valentina Tereshkova ) أول امرأة تسافر إلى الفضاء على متن سفينة الفضاء فوستوك 6 (Vostok 6).

أول رحلة بشرية إلى الفضاء

في الصراع التكنولوجي الكبير في ذلك الوقت، كانت الخطوة التالية هي إرسال البشر إلى الفضاء، ولمرة أخرى ساد السوفييت في ذلك الشأن، وذلك عندما أصبح يوري غاغارين في 12 أبريل 1961 أول رجل يغادر كوكبنا، باتجاه الفضاء.

وأيضًا في هذا الوقت بالذات كان آلاف الأطفال والشباب يحلمون بالسفر إلى الفضاء، وكانت أحدهم الروسية “فالنتينا تيريشكوفا”، وهي عاملة شابة في مصنع للنسيج، وبعد متابعتها لمغامرة غارين العظيمة، كتبت رسالة إلى السلطات تطلب فيها أن تؤخذ في الاعتبار عند الاستكشافات المستقبلية.

فالنتينا تيريشكوفا تُحلق في الفضاء

منذ أن كانت صغيرة، وهي تَحلم بالتحليق في السماء، وقد دفعها ذلك للانضمام إلى نادي ياروسلافل للقفز بالمظلات، وهي مدينة تقع على بعد 20 كيلومترًا من مسقط رأسها، ماسلنيكوفو، وهي المدينة التي ولدت فيها عام 1937.

وخلال تلك الفترة، قامت بأكثر من مائة قفزة، بعضها في منتصف الليل مع عدم وجود رؤية تقريبًا، والبعض الآخر على نهر الفولجا المهيب، الذي كان رافده ملاصقًا للمدينة.

وقد عَملت فالنتينا في مصنع النسيج المحلي بجوار والدتها إيلينا فيودوروفنا، وقد قُتل والدها خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن ذات يوم، واستجابة لطلبها، تلقت دعوة لتكون جزءًا من مهمة فضائية جديدة، وأخبرت والدتها أنها ستحضر دورة تدريبية في القفز بالمظلات وغادرت إلى موسكو، حيث تمت مقابلة 400 مرشح آخر وأجرت الفحوصات الطبية التي مرت بها دون أي مشاكل.

ومن بين مئات المتقدمين، تمت دعوة خمسة فقط إلى ستار سيتي، وهي بلدة قريبة من موسكو، وتُعد المركز العصبي لبرنامج الفضاء السوفيتي.

فالنتينا تيريشكوفا ضمن الخمسة المتأهلين للتصفيات النهائية

في ذلك الوقت كان الأمريكيون يخططون لوضع امرأة في برنامج للفضاء، لذلك لم يكن هناك وقت لتضييعه بالنسبة للسوفييت، ولم يكن المختارون بحاجة إلى معرفة كيفية الطيران، لأن الكبسولة التي سيسافرون فيها تمت برمجتها بخطة طيران قبل الإقلاع.

ولكن كانت هناك مهارة حاسمة لتنفيذ المهمة، وهي أنه يجب أن يكون الشخص المختار قافزًا مظليًا جيدًا، حيث كان على أفراد الطاقم القفز قبل هبوط الكبسولة، وقد استوفت النساء الخمس المختارات هذا المطلب، بالإضافة إلى تقاسم الخصائص الجسدية الرئيسية التي تتطلبها البعثة، أن تكون أقل من 30 عامًا، وقياسها أقل من 1.70 مترًا، ووزنها أقل من 70 كيلوغرامًا، وأن تكون في حالة بدنية جيدة.

واجهت فالنتينا منافسة صعبة

نافست فالنتينا خصوم أقوياء، مثل، “تاتيانا كوزنتسوفا” وهي الأصغر في المجموعة، وكانت في ذلك الوقت تَبلُغ من العمر 22 عامًا فقط، وهي لاعبة قفز بالمظلات.

وأيضًا فالنتينا بونوماريوفا، التي تخرجت كطيارة من معهد موسكو للطيران، وبونوماريوفا التي كان لديها الحظ الأوفر، وزانا يوركينا، وهي مُعلمة بالمدرسة، ويبدو أنها الأقل احتمالًا للقيام بالرحلة.

وقد خضع المتقدمون الخمسة لنفس الاختبارات التي أجراها الرجال، وهي الاختبارات في جهاز الطرد المركزي التي تعرض رواد الفضاء لضغط يعادل ثمانية أضعاف قوة الجاذبية على كوكبنا، كما في الرحلات الجوية مع انعدام الجاذبية والتمارين تحت الماء.

وقد برعت فالنتينا تيريشكوفا في الاختبارات البدنية ولكنها عانت من دورات الطيران والهندسة التي أخذتها كجزء من تدريبها، وحصل الخمسة جميعًا على رتبة ملازم ثاني في القوات الجوية السوفيتية، وتم اختيار تيريشكوفا وبونوماريوفا للسفر على متن فوستوك.

تَعَقُد في الخطط

السياسة عقدت الخطط في اللحظة الأخيرة، فقد تقرر أن تسافر امرأة واحدة فقط إلى الفضاء، بينما سيشغل الكبسولة الأخرى رجل، وهو “فاليري بيكوفسكي”.

وبالنسبة لمعظم الناس، كانت بونوماريوفا هي المرشح المثالي، وعلى الرغم من امتلاكها للصفات التقنية، فقد أظهرت تاتيانا كوزنتسوفا، مميزات اضافية من تلك التي اقترحها النظام الشيوعي في ذلك الحين.

وعامل آخر في صالح تيريشكوفا، فقد كانت نشطة لمدة سنوات في رابطة الشبيبة الشيوعية، ويقال أنه حتى رئيس الوزراء السوفيتي، نيكيتا خروتشوف، كان له يد في القرار النهائي، وكان هناك مقعد واحد فقط وكان هذا لفالنتينا في الأخير.

بداية مهمة فالنتينا الفضائية

في 16 يونيو عام 1963، وصلت فالنتينا تيريشكوفا إلى قاعدة بايكونور الفضائية في كازاخستان (التي كانت آنذاك جزءًا من الاتحاد السوفيتي)، وقبل ذلك بيومين، كانت الكبسولة الأخرى قد أقلعت وبيكوفسكي بداخلها، وكان الدور على فالنتينا، التي كان اسمها الرمزي هو “النورس” (Seagull)، وكانت ترتدي بدلة الفضاء البرتقالية، المصممة خصيصًا لها، وصعدت إلى فوستوك 6، وهي كبسولة بها مقصورة بعرض 2.3 متر.

وكان الإقلاع سلسًا وبعد دقائق حقق الاتحاد السوفيتي نصراً عظيماً، وذلك عندما أصبح أول دولة تُرسل امرأة إلى الفضاء.

وخلال 70 ساعة و 50 دقيقة، حلقت رائدة الفضاء البالغة من العمر 26 عامًا حول كوكب الأرض 48 مرة، وخلال تلك الأيام الثلاثة التي استمرت فيها المهمة تقريبًا، قامت فالنتينا بتدوين الملاحظات والصور وتصوير جزء من الرحلة، كما أجرت سلسلة من التجارب على النباتات والحيوانات الصغيرة على متن السفينة.

ومن الغريب أن الجزء الأكثر تعقيدًا في المهمة كان تناول الطعام، فقد تسببت عوامل الفضاء في عسر الهضم والقيء، وضاعف ذلك من الألم الشديد الذي كانت تواجهه فالنتينا في كتفها، من وزن الخوذة، وفي المُجمل لم تكن رحلة ممتعة بالنسبة لها.

الخطر الذي واجهته فالنتينا تيريشكوفا

وعلى الرغم من كل شيء، فقد سارت المهمة بسلاسة ودارت فالنتينا حول الكوكب مرة كل 88 دقيقة، ولكن كل هذا كان على وشك أن ينتهي بكارثة، فقد أخطأ حساب مدار الكبسولة قبل إقلاعها وقد أدركت فالنتينا خطأها، لذا تولت التحكم اليدوي ووصلت إلى بر الأمان.

وعادت فوستوك 6 لدخول الغلاف الجوي للأرض وقفزت بالمظلة.

العودة الى الارض وشغل المناصب

زارت فالنتينا تيريشكوفا دولًا مختلفة للترويج لبرنامج الفضاء السوفيتي، وتخرجت كطيارة، ومدربة، ومهندسة، من أكاديمية القوات الجوية، وحصلت على لقب “بطل الاتحاد السوفيتي”.

وبعد بضعة أشهر من رحلتها، تزوجت تيريشكوفا من رائد فضاء أخر، وهو أندريان نيكولاييف، وذلك على الرغم من أن هذا الزواج كان له إيحاءات سياسية.

أيضا كانت تيريشكوفا عضو في الحزب الشيوعي، وكانت لديها مهنة سياسية مهمة، وكانت نائبة وشغلت مناصب حكومية، وأصبحت مؤثرة للغاية في حياة بلدها.

وبعد تفكك الإتحاد السوفياتي عام 1990، شغلت عدة مناصب في روسيا، وكان أخرها في عام 2013، كرئيسة للشؤون الدولية بالبرلمان.

أقرأ أيضاً.. “لي ميلر” المُراسلة الحربية التي غَفت على فراش هتلر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *