محمد أحمد كيلاني
على إرتفاع 40 ألف قدم تحت القشرة الأرضية، تُعد حفرة كولا” أعمق حفرة حفرها البشر على الإطلاق، فخلال النصف الثاني من القرن العشرين، لم يؤد تقسيم العالم بين الرأسمالية والاشتراكية بسبب الحرب الباردة إلى منافسة الإتحاد السوفيتي للولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا فقط، فعلاوة على ذلك، فقد أشعلت منافسة محمومة على التفوق التكنولوجي المعترف به في جميع أنحاء العالم من خلال سباق الفضاء
ومع ذلك، لم تكن المنافسة على الهروب من الجاذبية والدوران حول الأرض هي الحدود الوحيدة المتنازع عليها، فبصرف النظر عن سبوتنيك، ولايكا، وأبولو 11، فقد طورت الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي أيضًا مشاريع طموحة للحفر بأعمق ما يمكن في باطن الأرض.
السبب وراء حفرة كولا
في عام 1961، بدأت الولايات المتحدة بمشروع يُدعى “موهول، وهو برنامج يهدف إلى الوصول إلى وشاح الأرض عن طريق الحفر العميق في قاع البحر، وتم ضخ ملايين الدولارات من قَبل مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية، وتمكنت خمسة آبار منفصلة في المحيط الهادئ من الوصول إلى عمق 2000 قدم، تحت سطح المحيط الذي بلغ 12000.
وعلى الرغم من أن المشروع حصل على عينات مهمة من الرواسب النموذجية للعصر الميوسيني، إلا أن التكاليف المرتفعة جعلت استمراره غير ممكنه، والذي تم التخلي عنه نهائياً في عام 1966، بعد الحصول على رفض التمويل من الكونجرس.
الإتحاد السوفيتي أراد المنافسة
بعد أربع سنوات فقط، أطلق إتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية مشروع الحفر الخاص به في وشاح الأرض والذي سُمي “بئر كولا فائق العمق”.
وكان الموقع المختار للتنقيب هو شبه جزيرة كولا، وهي منطقة غائمة بها أنهار ومنحدرات ومستنقعات في شمال روسيا، وتحديداً على حدود بحر بارينتسي في القطب الشمالي والحدود الغربية لفنلندا.
وفي الموقع، كان على المهندسين تطوير تقنيات حفر غير موجودة في مختبر جيولوجي تم إنشاؤه خصيصاً للمشروع، مع تعبئة هائلة للموارد، وبالفعل بدأ الحفر الأول للبئر الرئيسي في مايو 1970 وتطلب أيام عمل مرهقة بالآلات الثقيلة والتحليل في المختبرات.
الهدف من حفرة كولا
كان الهدف هو الوصول إلى الإنقطاع الموهوروفي، وهي المنطقة التي تحدد نهاية القشرة وبداية عباءة الأرض، وبعد 9 سنوات من بدء العمل، تجاوز بئر كولا الرقم القياسي لأعمق حفرة تم حفرها على الإطلاق، تاركاً وراءه بئر بيرثا روجرز (9583 متراً) الموجود في أوكلاهوما بالولايات المتحدة.
وقد استمر عمل الجيولوجيين المسؤولين عن المشروع لعقد آخر، وبحلول عام 1989، وصلت حفرة كولا إلى عمق 12000 متر، ووضع هذا الإنجاز رقم بيرثا روجريس بعيداً جداً عن كولا، وكان السوفييت يقتربون ببطء من هدفهم وهو الوصول إلى عُمق 15000 متر التي اتفق عليها العلماء في بداية العمل.
لماذا توقف العمل في حفرة كولا
ومع ذلك، أدى الجمع بين الطين والهيدروجين، إلى جانب درجات الحرارة التي وصلت إلى 180 درجة مئوية في القاع والانهيارات الأرضية المختلفة، إلى إنهاء أعمال التنقيب في بئر كولا في عام 1992، حيث توقف عمقها الأقصى عند حدود 12262 متراً.
وكانت الأدوات التي أثارها المشروع والسرية المحيطة به والاشاعات التي شاعت لعقود من الزمان، أنتجت أسطورة، أن بئر كولا كان مغلقاً بغطاء فولاذي ضخم، ولن يتم فتحها مرة أخرى، لأن العمال وجدوا الجحيم في أخر الحفرة!.
وعلى الرغم من أن الغطاء والمسامير الضخمة لا تزال في مكانها فعلاً، فإن الحقيقة هي أن الجيولوجيين حصلوا على عينات صخرية من ملياري عام، بالإضافة إلى فهم أكبر لتكوين صفيحة البلطيق، أعمق منطقة من القشرة في هذه المنطقة من العالم.
أقرأ أيضاً.. أكثر الأماكن المشعة في العالم.. الإنسان صنع الضرر لنفسه