
تُعد قصة حميدان التركي واحدة من أبرز القضايا التي أثارت الجدل داخل المجتمع السعودي وعلى مستوى الرأي العام العربي والدولي، بدأت كرحلة علمية طموحة وانتهت بقضية قانونية شائكة داخل الولايات المتحدة، وتحوّلت إلى رمز لمعركة إنسانية وقضائية طويلة، امتدت لعشرين عامًا من السجن، قبل أن يعود مؤخرًا إلى أرض الوطن، لتبدأ صفحة جديدة في حياته وحياة أسرته.
قصة حميدان التركي
كان حميدان التركي شابًا طموحًا يحمل آمالًا علمية كبيرة، إذ حصل عام 1995 على بعثة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لإكمال دراساته العليا في الصوتيات بجامعة دنفر في ولاية كولورادو الأمريكية، تميز في دراسته ونال درجة الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف، وكان يعيش برفقة زوجته وأبنائه حياة مستقرة نسبيًا، إلى أن وقع ما لم يكن في الحسبان، وبدأت فصول القصة التي شغلت الرأي العام السعودي لسنوات طويلة.
تركي حميدان التركي
في عام 2004 تم توقيف حميدان التركي بتهمة مخالفة أنظمة الإقامة، ثم أعيد اعتقاله مع زوجته عام 2005 على خلفية اتهامات أكثر خطورة، تتعلق بإساءة معاملة خادمته الإندونيسية، حيث وُجِّهت له تُهم تتعلق بسوء المعاملة، وسرقة الأجور، واحتجاز حرية الخادمة، إضافة إلى اتهامات ذات طابع أخلاقي، لكن القضاء الأمريكي برّأه من التهم الجنسية، فيما ثبت عليه حكم بالسجن لمدة 28 عامًا بتهمة العمل القسري واحتجاز الخادمة في منزله بشكل غير قانوني.
قضية حميدان التركي
رغم الطابع القضائي، إلا أن قصة حميدان التركي أثارت تعاطفًا واسعًا داخل السعودية، ونظّم أبناؤه وأسرته حملات إعلامية وإنسانية كبيرة للتضامن معه، وقد شارك في ذلك عدد من الشخصيات البارزة، وخرجت أصوات تطالب بتدخّل رسمي لإنهاء معاناته، كما أُنتج فيلم وثائقي بعنوان “أوباما أطلق حميدان” شارك فيه علماء ومفكرون بارزون، وساهم في تسليط الضوء الدولي على القضية.
في عام 2011 أعادت المحكمة النظر في قضيته وخفّضت العقوبة من 28 سنة إلى 8 سنوات فقط، وهو ما أعاد الأمل لأسرته ومحبيه، وظل حميدان طوال سنوات سجنه يرفض تسوية القضية مقابل الاعتراف بأي ذنب، مُتمسكًا ببراءته الكاملة، وكان ذلك أحد أسباب بقائه في السجن مدة أطول، رغم توافر بعض الفرص القانونية لتقليل العقوبة.
مرت السنوات وتجدّدت مناشدات الإفراج عنه أكثر من مرة، وكان أبرزها في السنوات الأخيرة مع تغيّرات سياسية وتدخلات دبلوماسية سعودية، وفي 9 مايو 2025 تم الإعلان عن الإفراج عن حميدان التركي بعد قضاء ما يقارب عشرين عامًا خلف القضبان، وقد تم نقله فورًا إلى سلطات الهجرة تمهيدًا لترحيله إلى المملكة العربية السعودية
وفي مشهد مؤثر، وصل حميدان التركي إلى الرياض فجر يوم 7 أغسطس 2025، حيث كان في استقباله أفراد أسرته وعدد من محبيه، وتم تداول مقاطع مصورة للحظة عودته، عبّر فيها عن امتنانه لكل من دعمه، وعن حنينه العميق لأرض الوطن، كما شكر الدولة على جهودها الحثيثة في متابعة قضيته منذ اللحظة الأولى.
حميدان التركي قبل وبعد
قصة حميدان التركي لا تُختصر في تهم ومحاكمة، بل تمثل رحلة معقدة من الاغتراب، والصراع القانوني، والضغط النفسي، والانتماء الوطني، وقد كشفت عن تحديات كبرى قد يواجهها أي مبتعث أو مغترب في بلد له قوانين وثقافة مختلفة، كما أثبتت أن صوت الإعلام والدبلوماسية الشعبية قادران على صنع فارق حتى في أحلك الظروف، لتبقى هذه القصة واحدة من أكثر القضايا التي أثّرت في الوعي الجمعي للمجتمع السعودي خلال العقود الأخيرة.
اقرأ ايضًا.. العهد الثاني للبشرية.. قصة سفينة نوح والطوفان العظيم