محمد أحمد كيلاني
إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس أبدًا، عملاق نشر نفوذه عبر أربع قارات، قوة استعمارية ظلت صامدة لعدة قرون، كانت الإمبراطورية البريطانية أكبر إمبراطورية في التاريخ، وعلى مر القرون، قادت الطموحات التجارية والسياسية والاستراتيجية تطورها على نطاق غير مسبوق، إليكم قصتها.
أكبر إمبراطورية في التاريخ
تدور أحداث بداية الإمبراطورية البريطانية في سياق الاستكشافات البحرية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وبتشجيع على البحث عن طرق تجارية جديدة، تنافست فيها مع قوى مثل إسبانيا والبرتغال، وأنشأت بريطانيا جيوبًا ومستعمرات تجارية في أمريكا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي.
وخلال القرن السابع عشر، حصلت شركات مثل شركة الهند الشرقية على امتيازات من التاج للعمل في مناطق آسيا، وركزوا من أجل الحصول على منتجات مثل السكر، والتبغ، والقطن، وأنشأت هذه الاتحادات الخاصة، والتي كانت مدعومة من القوة البحرية الإنجليزية، قواعد تجارية في الهند وأجزاء أخرى من العالم، وفي نهاية القرن السابع عشر، كانت بريطانيا قد عززت بالفعل أول شبكة من المستعمرات في أمريكا ومنطقة البحر الكاريبي وآسيا.
أعمدة الإمبراطورية البريطانية في القرنين السابع عشر والثامن عشر
خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، خضعت الإمبراطورية البريطانية لعملية توحيد وتوسع أرست أسس هيمنتها العالمية في القرون اللاحقة، وهذه الفترة، المعروفة باسم الإمبراطورية البريطانية الأولى، كان المحيط الأطلسي هو محور تركيزها الرئيسي، وأنشأت بريطانيا مستعمرات رئيسية مثل فرجينيا (1607) وماساتشوستس في أمريكا الشمالية، وجامايكا وبربادوس في منطقة البحر الكاريبي.
وقد حددت التجارة الثلاثية بين أوروبا وإفريقيا والأمريكتين الاقتصاد البريطاني، وتم إرسال البضائع المصنعة إلى أفريقيا مقابل العبيد، وتم نقلهم إلى الأراضي الأمريكية للعمل في المزارع التي تصدر منتجاتها إلى أوروبا، لذلك كان اقتصاد الإمبراطورية يعتمد على الاستغلال المنهجي للموارد والناس، وقد لعبت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي دورا مركزيا حتى إلغائها في عام 1807، وفي هذه الفترة، شاركت بريطانيا في حروب عديدة ضد القوى الأوروبية الأخرى، مثل فرنسا وإسبانيا، لضمان هيمنتها التجارية والإقليمية، ومع حرب السنوات السبع (1756-1763)، عززت سيطرتها على كندا والهند.
التوسع الإقليمي للإمبراطورية البريطانية.. أكبر إمبراطورية في التاريخ
كان استقلال المستعمرات الأمريكية الثلاث عشرة عام 1783 نقطة تحول بالنسبة للإمبراطورية، وبعيدًا عن أن هذا الحدث يمثل تراجعًا، فقد أدى إلى تغيير في الإستراتيجية، وكانت الإمبراطورية البريطانية الثانية (1783-1914) تضم آسيا وإفريقيا والمحيط الهادئ، وهي مناطق توفر موارد استراتيجية وأسواقًا مربحة، كمركز لعملياتها.
وبعد هزيمة نابليون عام 1815، برزت بريطانيا كقوة مهيمنة في القرن التاسع عشر، وقد شهدت هذه الفترة التوسع البريطاني في الهند، وتأسيس هونغ كونغ في أعقاب حرب الأفيون الأولى (1842) واستعمار مساحات واسعة من أفريقيا خلال ما يسمى بتقسيم أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر.
تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي
أصبحت الهند جوهرة التاج، خاصة بعد تمرد السيبوي عام 1857، الذي أدى إلى الإدارة المباشرة من قبل الملكية البريطانية، وفي عام 1876، أعلن رئيس الوزراء بنيامين دزرائيلي الملكة فيكتوريا إمبراطورة الهند، وفي أفريقيا، أدى التقسيم الإقليمي في مؤتمر برلين (1884-1885) إلى تعزيز السيطرة البريطانية على مصر والسودان وجنوب أفريقيا، في حين تم إنشاء مستعمرات مثل أستراليا ونيوزيلندا في المحيط الهادئ.
واعتمدت القوة البريطانية خلال هذه الحقبة على تفوقها البحري، وهو عامل رئيسي في السيطرة على الطرق البحرية العالمية، وعلاوة على ذلك، أدى اعتماد التجارة الحرة في القرن التاسع عشر إلى جعل بريطانيا مركزًا للاقتصاد العالمي، وبحلول عام 1870، سيطرت الإمبراطورية على ربع التجارة العالمية وكانت أكبر اقتصاد في العالم.
نظام إمبراطوري مختلف لأكبر إمبراطورية في التاريخ
في هذه المرحلة الجديدة من السيطرة الإمبراطورية، تم تصنيف المستعمرات إلى نوعين رئيسيين، فقد حصلت مستعمرات الاستيطان (كندا وأستراليا ونيوزيلندا) على الحكم الذاتي التدريجي، ومن ناحية أخرى، كانت المستعمرات الاستغلالية (الهند وأفريقيا) تدار بشكل مباشر أكثر، بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام السكك الحديدية والتلغراف لتعزيز السيطرة الإمبراطورية، وخاصة في الهند وأفريقيا.
روجت بريطانيا للغة الإنجليزية وأنظمة التعليم الغربية والمسيحية باعتبارها الدين الرئيسي في الأراضي المحتلة، وكان لهذا تأثير ثقافي دائم على المستعمرات، ومع ذلك، فقد ولّد الفرض الثقافي أيضًا توترات ومقاومة، وهو ما ظهر واضحًا في الحركات القومية الناشئة في الهند ومصر، وكانت هذه الفترة بمثابة ذروة الإمبراطورية البريطانية، ولكنها وضعت أيضًا بذور تراجعها في نهاية المطاف.
التحديات والأزمات.. شقوق العملاق البريطاني
على الرغم من نجاحها، واجهت الإمبراطورية البريطانية العديد من التحديات التي أدت مع مرور الوقت إلى تآكل هيمنتها، وكان عليها أن تواجه حركات المقاومة والتمردات في مناطق مختلفة من منطقة نفوذها، وشهد تمرد السيبوي في الهند (1857)، وحرب البوير في جنوب أفريقيا (1899-1902)، وأعمال الشغب في أيرلندا، معارضة الحكم البريطاني.
كما ولدت إدارة مثل هذه الإمبراطورية المتنوعة صراعات حول كيفية دمج وإدارة المناطق ذات الثقافات والأديان والاقتصادات المتباينة، كما شكل التنافس مع القوى الناشئة مثل ألمانيا والولايات المتحدة تحديًا للهيمنة البريطانية في التجارة والسياسة الدولية في أواخر القرن التاسع عشر.
ذروة الإمبراطورية 1920
وصلت الإمبراطورية البريطانية إلى أقصى اتساع لها في عام 1920. وفي ذلك التاريخ، سيطرت على 33 مليون كيلومتر مربع وحكمت أكثر من 450 مليون شخص وامتد هذا المجال من كندا إلى أستراليا، مرورًا بمناطق شاسعة من أفريقيا وآسيا، خلال هذه الفترة، كان نظام السكك الحديدية والموانئ يربط المستعمرات بالمملكة المتحدة.
ومع ذلك، فقد تم بالفعل زرع بذور التراجع، التوترات الداخلية، والحربين العالميتين، وارتفاع تكاليف الحفاظ على الإمبراطورية جعلت انهيارها أمرًا لا مفر منه، وكانت الحركات القومية في الهند وباكستان، وظهور الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كقوتين عظميين، والأزمات مثل قناة السويس في عام 1956، بمثابة علامة على الانحدار السريع للإمبراطورية البريطانية.
إ أقرأ أيضاً.. أعظم الإمبراطوريات في التاريخ.. فترات الهيمنة المُنفردة