محمد أحمد كيلاني
لعلك كثيرًا ما تسائلت عن أعظم الإمبراطوريات في التاريخ، لان كلمة إمبراطورية تظهر لنا إذا تعمقنا كثيرًا في التاريخ، ولكن إلى ماذا تشير هذه الكلمة حقًا؟، ومنذ متى يتم استخدام هذه الكلمة؟
وما هي الشروط التي تجعل الإمبراطورية إمبراطورية حقًا، فلا يتعلق الأمر بحجم الأراضي التي تغطيها، أو عدد الأشخاص الذين يخضعون لقواعدها، كل ذلك نجيب عليه خلال هذا الموضوع من مستبشر.
أعظم الإمبراطوريات في كل العصور
يوجد حالتين تحدد الإمبراطورية، في الحالة الأولى، حدد المؤرخون مجموعات من الأراضي الخاضعة لحاكم واحد، بشكل مباشر أو غير مباشر، على أنها إمبراطوريات.
لذلك، وعلى الرغم من كندا مثلا قد تكون كبيرة جدًا، فإن هذا لا يعني أنها إمبراطورية.
وإذا قاموا بالسيطرة على بلد ما واستبدلوا حكومتها، فعندئذ سيكون لدينا ما يشبه الإمبراطورية، وإذا استمرت بعد ذلك في السيطرة على بلاد أخرى، فستكون أيضًا تحت سيطرة حاكم أو حكومة، وعلى هذا النحو، غالبًا ما تُظهر الإمبراطوريات تنوعًا عرقيًا ودينيًا ولغويًا وثقافيًا كبيرًا.
ولنأخذ “الإمبراطورية العثمانية” كمثال، ففي وقت من الأوقات، كانت دول متنوعة مثل مصر، وبلغاريا، واليونان، ولبنان، كلها تحت الحكم العثماني، وشكلت هذه البلدان وحدات إدارية مختلفة للإمبراطورية، وكان يقودها حكام تحت إشراف السلطان أو الإمبراطور.
ويُعتقد أن هذه التبعية، بعد التوسع والغزو الإمبراطوري، هو سمة مميزة للإمبراطورية، فدعونا نقترب من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ.
أول إمبراطورية في التاريخ
ربما يعود النشاط الإمبراطوري إلى الحضارة الإنسانية الأولى، ومع ذلك، فإن أول إمبراطورية في التاريخ، ونحن على يقين من ذلك، هي الإمبراطورية المصرية، وبدأت حوالي العام 3000 قبل الميلاد.
والتي غزا فيها “الملك نارمر” – يتفق المؤرخين على أنه “مينا”- ، ملك الوادي الأعلى، الوادي الأدنى ووحد كل الأراضي بموجب نفس القوانين.
وبعد حوالي ستمائة عام، غزت الإمبراطورية الأكدية الكثير من بلاد ما بين النهرين، والتي تُشكل الآن العراق والكويت وأجزاء من سوريا والمملكة العربية السعودية وتركيا.
وكانت إمبراطوريات شانغ وتشو، في الصين بين عامي 1500 و 770 قبل الميلاد، ضخمة ودامت لأكثر من سبعة قرون.
الإمبراطورية الأخمينية
تأسست عام 500 قبل الميلاد، وكانت الإمبراطورية الأخمينية أول وأكبر الإمبراطوريات الفارسية، واحتلت أكثر من 5 ملايين كيلومتر مربع من مساحة الكرة الأرضية، بما في ذلك الغالبية العظمى من الشرق الأوسط وأجزاء من روسيا.
وتحت حكم كورش الثاني العظيم، كان للإمبراطورية بنية تحتية إجتماعية معقدة للغاية، تشمل الطرق والخدمات البريدية، وما إلى ذلك.
إمبراطورية الإسكندر الأكبر من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ
تواجدت في القرن الرابع قبل الميلاد، وقاد “الإسكندر الأكبر” الإمبراطورية المقدونية للإطاحة بالإمبراطورية الأخمينية وبنى الدولة الهلنستية المطلقة، مبشرًا بالحضارة اليونانية القديمة، ومساهمات أرسطو الفلسفية.
وفي أوجها، احتلت الإمبراطورية المقدونية ما يقرب من 3.5 بالمائة من العالم بأسره، مما جعلها ثاني أكبر إمبراطورية بعد الإمبراطورية الفارسية التي كلفوا بهزيمتها.
وكانت أكبر إمبراطورية معروفة حتى ذلك الحين في الغرب.
الإمبراطورية الماورية
تأسست عام 320 قبل الميلاد، وكانت أول إمبراطورية عظيمة موحدة في الهند.
وبعد وفاة الإسكندر الأكبر، استولت إمبراطورية موريان أو الإمبراطورية الماورية على الهند بأكملها ومعظم المنطقة المحيطة بها، مما أدى إلى ظهور أول إمبراطورية هندية.
وتحت حُكم أشوكا العظيم، احتلت الإمبراطورية الماورية حوالي 1.93 مليون كيلومتر مربع من الأرض.
وكانت عاصمة الإمبراطورية تُسمى “باتاليبوترا”، ونشأت من مملكة ماجادا، في سهل الغانج الهندي على الجانب الشرقي من شبه القارة الهندية.
سلالة هان
كانت سلالة هان هي السلالة الإمبراطورية الثانية في الصين، وسبقتها أسرة تشين، وخلفتها فترة الممالك الثلاث، وامتدت فترة أسرة هان لأكثر من أربعة قرون وتعتبر عصرًا ذهبيًا في تاريخ الصين.
وأسسها زعيم المتمردين “ليو بانغ” المعروف بعد وفاته بالإمبراطور “جاوزو من هان”، وعلى الرغم من أنها لم تصل أبدًا إلى مستوى “إمبراطورية شيونغنو” على سبيل المثال، إلا أن هذه السلالة، تمكنت من أن تُصبح واحدة من أكبر الإمبراطوريات في التاريخ بسبب عدد سكانهم الكبير البالغ عددهم 57 مليون نسمة.
وقد أقامت أسرة هان شبكة تجارة، وطريق الحرير الشهيرة.
الإمبراطورية الرومانية
مصطلح “إمبراطورية” كما نعرفه الآن استخدمه الرومان لأول مرة، وهو مشتق من الكلمة اللاتينية التي تعني القائد.
واستمرت الإمبراطورية الرومانية من عام 27 قبل الميلاد، إلى عام 476 ميلاديًا، ومع الإمبراطور تراجان، حكمت تلك الإمبراطورية أكثر من 21 بالمائة من سكان العالم، وامتدت من بلاد فارس في الشرق إلى بريتاني في الغرب.
ولطالما كانت الإمبراطورية الرومانية هي الجوهرية للعالم الغربي، فلقد كانت حقًا واحدة من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ، وأظهر الرومان قدرة مذهلة على احتلال مساحات شاسعة من الأراضي لمئات أو حتى آلاف السنين.
لقد تمكن الرومان من التعافي في العديد من الانتكاسات، وكانت الجيوش الرومانية مهيمنة عسكريًا لقرون، مما سمح لروما بالحكم على جميع الشعوب المتحضرة الأخرى تقريبًا في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى، باستثناء الفرس، لعديد من القرون.
الخانات التركية
تم إنشاء الخانات التركية أو الكاجاناتي من قبل “عشيرة أشينا” من جماعة “الغوكتورك” في آسيا الداخلية في العصور الوسطى.
وتحت قيادة “بومين قاغان” وأبنائه، نجحت أشينا كقوة أساسية على الهضبة المنغولية وأنشأت إمبراطورية أقوى، وتوسعت بسرعة لتسيطر على مناطق شاسعة في آسيا الوسطى.
وقد تفاعلت مع سلالات مختلفة متمركزة في شمال الصين، ولفترات طويلة مارست سيطرة كبيرة على تجارة طريق الحرير المربحة.
الخلافة الراشدة.. من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ
كانت الخلافة الراشدية أول خلافة إسلامية، وهي تمثل الخلفاء الأربعة الأوائل الذين خلفوا الرسول محمد، من عام 632 إلى عام 661.
وقد تأسست مباشرة بعد وفاة النبي محمد لقيادة المجتمع الإسلامي، بعد إخضاع مختلف القبائل العربية وتوحيدها، وشرعت الخلافة في التوسع، مما أدى إلى الهيمنة على دول، مثل، مصر وسوريا، والإمبراطورية الفارسية بأكملها.
وفي أقوى حالاتها، كانت الخلافة الراشدة واحدة من أعظم الإمبراطوريات في كل العصور، وسيطرت الخلافة على إمبراطورية شاسعة من شبه الجزيرة العربية والشام، إلى القوقاز في الشمال، وشمال إفريقيا من مصر إلى تونس، ومن الهضبة الإيرانية إلى آسيا الوسطى في الشرق.
وكانت أكبر إمبراطورية في التاريخ من حيث مساحة الأرض حتى تاريخها.
الخلافة الأموية
كانت الخلافة الأموية الثانية من بين الخلافة الأربعة الرئيسية بعد وفاة النبي، والتي ظهرت بعد الحرب الأهلية الإسلامية الأولى في عام 661 ميلاديًا.
وبالإضافة إلى السيطرة على الشرق الأوسط بأكمله، فقد استمرت الخلافة الأموية في التوسع في شمال إفريقيا وأجزاء من جنوب أوروبا، وقد بلغ عدد سكانها 62 مليون شخص.
وأصبحت الخلافة الأموية أكبر إمبراطورية في العالم في ذلك الوقت، وقد وصلت الأسرة الأموية إلى السلطة في البداية تحت حكم الخليفة الثالث، عثمان بن عفان، لكن النظام الأموي تأسس على يد معاوية بن أبي سفيان، الحاكم السابق لسوريا، بعد نهاية الحرب الأهلية الإسلامية الأولى.
الخلافة العباسية
كانت الخلافة العباسية ثالث الخلافات الإسلامية خلفا للنبي الإسلامي محمد، واستمرت هذه الخلافة من عام 750 إلى عام 1258 وامتدت على ما يقرب من 11.1 مليون كيلومتر مربع،
وصعدت السلالة العباسية إلى السلطة بسبب تمرد مفتوح ضد الأمويين من قبل أحفاد عم محمد الأصغر.
وكان ادعاءه أن سلالته هي الأقرب إلى النبي وبالتالي هم خلفائه الحقيقيين، وبعد السيطرة على السلطة بنجاح، بشروا “بعصر ذهبي” استمر لما يقرب من أربعمائة عام وشمل تحالفًا قويًا مع الصين.
وعلى الرغم من أنهم لم يطوروا إمبراطوريتهم أكثر من الأمويين، إلا أنهم احتفظوا بالإمبراطورية لفترة طويلة من التاريخ حتى غزاهم “جنكيز خان” عام 1206.
من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ.. امبراطورية المغول
كانت الإمبراطورية المغولية موجودة خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر وكانت أكبر إمبراطورية برية متجاورة في التاريخ.
وقد نشأت إمبراطورية المغول في سهول آسيا الوسطى وانتشرت في أوروبا الشرقية إلى بحر اليابان، وامتدت شمالاً إلى سيبيريا، والجنوب عبر شبه القارة الهندية والهضبة الإيرانية، وغربًا إلى بلاد الشام والجزيرة العربية.
وفي عز قوتها، سيطرت الإمبراطورية المغولية على أكثر من أربعة أضعاف حجم الإمبراطورية الرومانية، مما جعل الإمبراطورية المغولية ثاني أكبر إمبراطورية في التاريخ.
وأسسها “جنكيز خان“، الذي وحد قبائل المغول الرحل عام 1206، وقد شرع في غزو العالم، وامتدت إمبراطوريته من بكين في شرق آسيا إلى نهر الدانوب والخليج العربي في الغرب،
وعلى الرغم من إنشاء فترة غير مسبوقة من السلام في الأراضي التي احتلتها، فقد استمرت الإمبراطورية بأكملها حتى عام 1294، وبعدها انقسمت إلى أربعة أجزاء، أصبحت هذه الأجزاء مستقلة سياسياً وسقطت في نهاية المطاف واحدة تلو الأخرى.
الإمبراطورية العثمانية من أعظم الإمبراطوريات في التاريخ
واخيرًا نستعرض لكم نبذة عن الإمبراطورية العثمانية فعندما كانت اسطنبول الحالية تُعرف باسم القسطنطينية، كانت بذلك عاصمة لإمبراطورية مهيبة، والتي أطلق عليها في بعض الأحيان إسم الإمبراطورية التركية، وكانت إمبراطورية ناجحة وطويلة الأمد،
وقد أسسها “الأتراك الأوغوز” تحت حكم عثمان الأول في الأناضول، وأنهى العثمانيون الإمبراطورية البيزنطية بغزو القسطنطينية عام 1453 على يد محمد الفاتح.
وقد تأسست عام 1300، وتمكنت من اقتطاع مكان بين العالمين الشرقي والغربي لأكثر من ستة قرون، ولم يتم حلها حتى هزيمة قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.
لتكون بذلك آخر أعظم الإمبراطوريات في العالم والتاريخ القديم حسب تقديرنا، ولو لاحظنا فلا يوجد فترات قوة ثابتة في كل امبراطورية أو سلالة، فتصل في أوقات إلى أوج قوتها، وسرعان ما تعود إلى نقطة الصفر، ويعود السبب الأكبر في إنهيار أغلب الإمبراطوريات إلى الصراعات والنزاعات الداخلية، والتي تكون بمثابة المرض الذي ينهش جسدها من الداخل.
أقرأ أيضاً.. الحياة في اليونان القديمة.. رحلة بالماضي في معيشة الإغريق