محمد أحمد كيلاني
في القرن السادس عشر، ظهرت وثيقة خرائطية بالغة الأهمية على يد ملاح إسباني مقدام، وهو “خوان دي لا كوز”ا، لتمثل علامة فارقة في تاريخ استكشاف العالم ورسم الخرائط، ولا يُعرف مخطط خوان دي لا كوزا بتفاصيله الدقيقة وثرائه فحسب، بل لكونه أول خريطة عالمية تتضمن الخطوط العريضة لقارة مكتشفة حديثًا وهي أمريكا.
وعكست هذه الخريطة المعرفة الجغرافية في ذلك الوقت ورمزت إلى التغيير في تصور العالم، ودشنت حقبة جديدة في رسم الخرائط والاستكشاف العالمي، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها وضع الاتحاد بين عالمين منفصلين في ذلك الوقت على الورق.
اكتشاف أمريكا
في نهاية القرن الخامس عشر، كانت أوروبا في خضم عصر الاستكشاف، مدفوعًا برغبة شديدة في اكتشاف طرق تجارية جديدة ومناطق مجهولة.
تم وضع إسبانيا في طليعة هذه الموجة من المغامرات المحيطية، وفي هذا السياق، قام كريستوفر كولومبوس برحلته التاريخية عام 1492، بتمويل من الملوك الكاثوليك، ليكشف للعالم الأوروبي عن وجود قارة جديدة.
وفتح هذا الحدث الثوري الأبواب أمام المزيد من الرحلات الاستكشافية، التي لعب فيها خوان دي لا كوزا، وهو بحار ورسام خرائط ذو خبرة، دورًا حاسمًا من خلال مشاركته في رحلات كولومبوس الأولى وبعد ذلك في بعثاته الخاصة، كانت تجربته المباشرة مع الأراضي الجديدة المكتشفة أساسية في إنشاء خريطته في عام 1500.
وتمثل هذه الخريطة المعرفة الجغرافية المتراكمة في ذلك الوقت، وتعكس التأثير العميق للرحلات. كولومبوس في الفهم الأوروبي للعالم.
خوان دي لا كوزا وأول خريطة في العالم لأمريكا
ولد خوان دي لا كوزا في سانتونيا، كانتابريا، في نهاية القرن الخامس عشر، وقد أثبت نفسه كواحد من أبرز البحارة ورسامي الخرائط في عصره.
قادته خبرته البحرية ومعرفته برسم الخرائط إلى لعب دور حيوي في عصر الاستكشاف عبر المحيط الأطلسي. بصفته مالكًا لسفينة سانتا ماريا، إحدى السفن الثلاث التابعة للرحلة الاستكشافية الأولى لكريستوفر كولومبوس في عام 1492، انطلق دي لا كوزا في المغامرة التي من شأنها أن تغير مسار التاريخ.
وشارك في عدة رحلات إلى أمريكا، متراكمًا لديه خبرة لا تقدر بثمن والتي سيصورها لاحقًا في تحفته: أول خريطة للعالم تشمل العالم الجديد، تم رسمها في عام 1500. هذه الخريطة هي شهادة على الحملات الإسبانية ونتيجة لجهوده المباشرة.
وأصبحت موردا لا يقدر بثمن للأجيال القادمة، وتسليط الضوء على مساهمتها التي لا تقبل الجدل في النهوض برسم الخرائط والمعرفة الجغرافية في تلك الفترة.
وفي عام 1500، تولى خوان دي لا كوزا المهمة الضخمة المتمثلة في توثيق رحلاته واكتشافاته في مخطط بحري، والذي كان من المقرر أن يكون هدية ذات قيمة لا تقدر بثمن للملوك الكاثوليك.
وكانت خريطة العالم هذه، التي تم رسمها في بويرتو دي سانتا ماريا، خلاصة وافية للمعرفة الجغرافية في ذلك الوقت، وهي نتيجة الرحلات الاستكشافية إلى أمريكا والأقاليم الأخرى المعروفة حتى ذلك الوقت.
وعكست التقنية المستخدمة في إنتاجه منهجيات رسم الخرائط في ذلك الوقت، وذلك باستخدام رق عالي الجودة مصنوع من جلد بقرتين، مما جعل من السهل لفه وحفظه بأبعاد 93 × 183 سم، لم يوحي حجمها الكبير وثراء تفاصيلها بأنها إعلامية فحسب، بل أيضًا بغرضها الاحتفالي، مما يسلط الضوء على قيمتها الفنية والرمزية.
وأصبح هذا العمل، المزين بالرسوم التوضيحية الملونة والشروح الدقيقة، كنزًا خرائطيًا ورمزًا للتقدم البحري والإقليمي لتاج قشتالة.
كيف تبدو الخريطة؟
تتميز خريطة خوان دي لا كوزا بكونها أول وثيقة خرائطية تمثل أمريكا، مع رؤية بانورامية لعالم في حالة توسع كامل.
وتم تحديد أوروبا وإفريقيا وأجزاء من آسيا بدقة، بالاعتماد على المعرفة المتراكمة لرسم الخرائط في العصور الوسطى والاكتشافات الحديثة.
وتظهر أمريكا مفصلة على الخريطة، مما يرمز إلى التغيير الهائل في إدراك العالم بعد اكتشافها، ومن بين عجائب الخريطة، تبرز صورة القديس كريستوفر، حامي المسافرين، وهو يحمل الطفل يسوع، في موقع استراتيجي حيث ينبغي أن تظهر أمريكا الوسطى، وهي قصة رمزية ربما تلمح إلى كريستوفر كولومبوس.
ويعزز الحكماء الثلاثة الموجودون في آسيا مزيج المعرفة الجغرافية والعناصر الأسطورية أو الدينية، ميز هذا المخطط البحري بين الأراضي المعروفة والأراضي الجديدة، والتقط مزيجًا من الأسطورة والواقع، والعلم والمعتقد، وهو ما ميز عصر الاكتشاف.
وتعتبر رسالة خوان دي لا كوزا أساسية في تاريخ رسم الخرائط، حيث تمثل مرحلة ما قبل وبعد تمثيل العالم وفهم الجغرافيا العالمية.
ويمثل ضم أمريكا بداية حقبة جديدة من الاستكشاف والمعرفة حاليًا، وهذه الوثيقة الثمينة محفوظة في المتحف البحري بمدريد، حيث تحظى بالرعاية والحماية اللازمة للحفاظ على سلامتها.
وتشمل جهود الحفظ ظروف تخزين خاضعة للرقابة واستخدام التقنيات المتقدمة لمنع التدهور، مما يضمن قدرة الأجيال القادمة على تقدير قيمتها التاريخية والفنية.
تتجاوز رسالة خوان دي لا كوزا وظيفتها كمجرد وثيقة رسم الخرائط لتصبح شاهدا لا يقدر بثمن على نقطة تحول في تاريخ البشرية، إنه يرمز إلى فجر عصر توسعت فيه حدود العالم المعروف، ودمجت المناطق الجغرافية والثقافات في فسيفساء عالمية من الترابط والاكتشاف.
أقرأ أيضاً.. بردية تورين.. أقدم خريطة لمناجم الذهب بمصر