شيماء مختار
لطالما أبهرتنا عجائب وغرائب التاريخ الإنساني بقصصها الفريدة التي تبدو أحيانًا وكأنها مشاهد من أفلام الفانتازيا ومن بين تلك القصص الغريبة تأتي قصة “مدينة مجدوعي الأنوف”، التي تعود أحداثها إلى الحقبة الفرعونية في مصر القديمة، وهذه المدينة الغامضة تقع بالقرب من غزة، تحديدًا في مدينة العريش المصرية، وكانت تمثل أحد أكثر مظاهر العقاب قسوة في تلك الفترة.
تأسيس مدينة مجدوعي الأنوف
تأسست هذه المدينة على يد الفرعون حور محب، وكانت تُستخدم كمنفى للمجرمين، وقد اختارها حور محب لتكون مكانًا عقابيًا يتجمع فيه أولئك الذين ارتكبوا جرائم أو خالفوا القانون الفرعوني، وسُميت المدينة بـ “رينو كولورا” من قبل الإغريق، ويعود سبب التسمية إلى مظهر سكانها الغريب، إذ كانت تُبتر أنوفهم كعقاب على جرائمهم.
عقاب مجدوعي الأنوف
كان حكم النفي إلى هذه المدينة قاسيًا للغاية، حيث يتم بتر أنوف المجرمين قبل نفيهم بعيدًا عن أهلهم، وكانت هذه العلامة تُعتبر وصمة تُعرف من خلالها هوية المجرمين، مما يجعل الجميع يبتعد عنهم ويتجنب التعامل معهم في التجارة أو الزواج، إضافة إلى ذلك، كان السكان يُحبسون داخل أسوار مرتفعة تُحيط بالمدينة، ليعيشوا حياة قاسية مليئة بالألم النفسي.
ظروف الحياة في المدينة
كانت الحياة في مدينة مجدوعي الأنوف غاية في الصعوبة، فقد كان من المستحيل تقريبًا الحصول على مياه صالحة للشرب، حيث كان المصدر الوحيد للمياه هو آبار عميقة، وكذلك كانت صعوبة الحصول على الطعام تزداد، إذ اعتمد السكان على صيد الأسماك باستخدام شباك مصنوعة من القصب، والتي كانوا يستخدمونها فيما بعد لصيد طيور السمان.
أسطورة أم حقيقة؟
لسنوات عديدة، اعتقد الكثيرون أن مدينة رينو كولورا هي مجرد أسطورة خيالية، لكن الاكتشافات الأثرية أكدت وجودها بالفعل، وفي الواقع، كان الواقع أكثر غرابة وقسوة من الخيال، حيث أظهرت الشواهد الأثرية أن المدينة بُنيت قبل حوالي 1300 عام قبل الميلاد، ورغم وجود روايات تشير إلى أن ملكًا إثيوبيًا قد بناها بعد هزيمته لأحد ملوك الفراعنة، إلا أن الأدلة الأثرية نفت تلك الرواية.
قصة العقاب الفرعوني
تروي الشواهد المكتوبة أن أحد ملوك الفراعنة، مثل رمسيس الثالث، قد حكم على المتآمرين ضده بجدع أنوفهم وقطع آذانهم، كعقاب على جريمتهم، وكان هذا الحكم قاسيًا لدرجة أن بعض المتآمرين فضلوا الموت على العيش بهذه الوصمة الأبدية.
المدينة التي لا تقهر
من الاكتشافات الأثرية الأخيرة، وُجدت مخطوطات تؤكد أن مدينة مجدوعي الأنوف كانت واحدة من أكثر المدن تحصينًا في مصر القديمة، حيث بناها المجرمون أنفسهم تحت حكم الفرعون، واعتقد المؤرخ اليوناني هيرودوت أن هذه المدينة كانت لا تقهر بفضل أسوارها العالية وحصونها المنيعة.
مدينة مجدوعي الأنوف.. هل كان العقاب الفرعوني قاسيًا؟
بعد استعراض هذه القصة المثيرة، قد يتساءل البعض: هل كان الفراعنة قساة في أحكامهم على مخالفي القانون؟ أم أن هذا العقاب كان ضروريًا لردع الجرائم وضمان الأمن في المجتمع الفرعوني؟، والإجابة مفتوحة لك عزيزي القاريء.