رُكن مقالات مُستبشر

الشخص العنيد.. كيف يفكر وما أفضل طرق التعامل معه

محمد السيد

يعيش كل منا في مجتمعات متعددة الطبقات والاهتمامات سواء كان مجتمعًا صغيرًا مثل المنزل والعائلة أو مجتمعًا أكبر في المدينة أو القرية، ومهما اختلف حجم المجتمع لابد أن نجد تنوعًا ملحوظًا في الشخصيات الفردية ومن بينها الشخص العنيد، ذلك الشخص الذي تدور حوله هذه المقالة لتوضيح أساليب فعالة للتعامل معه بشكل مطمئن.

الشخص صعب المراس أو المتزمت أو المتسلط، كلها ألقاب تطلق على الشخص العنيد الذي يتمسك بآرائه معتبرًا إياها صحيحة على الدوام، وتلك الآراء قد تشمل جوانب الحياة بمختلف أشكالها سواء الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية، وبالتالي فإن هذا الشخص يسبب مشاكل للمحيطين به قد تتطور أحيانًا إلى صراعات كبرى.

ويرى الكثيرون من علماء النفس أن تلك الشخصية تتكون في الأساس من مواقف في الماضي لم يحسن الفرد التعامل معها أو اتخاذ القرار الصائب، وبمرور الوقت تراكمت هذه المواقف وأثرت على شخصية ذلك الفرد بشكل كبير، وبناء على ذلك أصبح يتخذ قرارًا واحدًا ولايتقبل أي نصائح للتراجع عن ذلك القرار مثلما حدث في الماضي.

وعلى الرغم من أن المشكلة توجد لدى ذلك الشخص من خلال حالة العناد المستمر، لكن هذا لايعفينا من ضرورة السعي من أجل دراسة هذه الشخصيات واستنباط الحلول المناسبة من أجل التعامل معها، ولذلك يجب في البداية أن نتعرف على صفات وسلوكيات تلك الشخصية العنيدة.

يحدد علم النفس العديد من الصفات التي تترسخ دائمًا في الشخصية العنيدة مهما اختلفت طبيعتها العمرية أو الجنسية أو الثقافية، من أهم تلك الصفات مايلي:

  • لايتقبل آراء الآخرين، حيث يرى دائمُا أن رأيه وقراره هو الصحيح ولايجب أن يتراجع فيه، بل يعتبر أن تغيير رأيه نوع من الضعف والمهانة.
  • كثير الجدال وحاد النقاش، حيث يميل الشخص العنيد إلى فرض رأيه بالنقاش الطويل الذي لايحوي سوى نفس الكلمات المتكررة والأدلة المتصنعة لتبرير حديثه، وفي غالب الأمر تكون جميعها دربًا من الأكاذيب.
  • يدخل في نوبة من التوتر والعصبية عند الاستمرار في النقاش لفترة طويلة، وذلك بالطبع أمر متوقع نظرًا لأن المخ يقع تحت ضغط كبير نتيجة التفكير أثناء النقاش في اختلاق أكاذيب جديدة أو تبريرات واهية من أجل الدفاع عن أرائه، فيكون رد فعل المخ هو إفراز المزيد من هرمون الكورتيزول المسؤول عن التوتر وكل ذلك ينعكس على الجهاز العصبي الذي يولد إشارات عصبية مضطربة وغير منتظمة وهي التي تظهر على شكل الصوت العالي ولغة الجسد العنيفة والمضطربة.
  • يرفض دائمًا الاعتراف بأخطائه، بل ويحاول تصدير الأخطاء إلى غيره من أجل تبرئة نفسه وتطهيرها من اللوم أو الندم.
  • يشعر الشخص العنيد كثيرًا بأن الناس يدبرون له المكائد والأزمات والمصائب، وبالطبع ذلك نوع من أنواع التبريرات الواهية التي يعلق عليها شماعة آرائه الفاشلة في حالة وقوعه في الخطأ.
الشخص العنيد يعتقد دائما أنه على صواب

إن أشد اللحظات التي يعيشها الفرد منا هي لحظات الانفراد بالنفس ومحاسبتها على أفعالها ومراجعة كل صغيرة وكبيرة، حيث يقوم الفرد بتمييز الأخطاء ومحاولة التغيير من الظروف التي سببتها، فما بالك عزيزي القارئ بشخص ينفرد بنفسه في لحظات مؤلمة ويبدأ في صراع داخلي بين الرغبة في التصحيح وبين مقاومة التغيير والتخلص من تلك الرغبة.

ومنذ تلك اللحظة يدخل في مرحلة من تعذيب وجلد الذات مما يؤثر أكثر على سلامة اتخاذ المزيد من القرارات، وهو ما قد يزيد الأزمات والخلافات مع المحيطين به في المنزل أو في العمل أو مع المحيطين به في أي مكان.

إن مشكلة الشخص العنيد هي رفض الاعتراف بأخطائه أمام الناس رغم أنه في قرارة نفسه يعلم علم اليقين أنه قد اتخذ القرار الخاطئ وأن عليه التراجع فيه، فهو صادق مع نفسه لكنه ليس على نفس الدرجة من الصدق مع الناس من حوله، وذلك قد يكون بسبب ثغرات سابقة في شخصيته أدت به إلى تلك الحالة.

فالاحتمال الأول أنه تلقى ضربات وأزمات قوية في بداية حياته أو في مراحل سنية صغيرة من عمره عن طريق بعض الأشخاص المحيطين به والذين وثق بهم في البداية، وبالتالي تضاءلت لديه الثقة فيمن حوله مما أدى إلى انعدام رغبته في الاستماع إلى نصائحهم أو الأخذ بمشورتهم.

وأما الاحتمال الثاني هو اعتياده على الأخذ بمشورة الأخرين أو استشارتهم في بعض الأمور سابقًا وبالطبع هذا أمر سليم، ولكن هؤلاء الأشخاص انتقدوا آراءه وتفكيره بشكل عنيف مما أدى إلى خوفه من تكرار التجربة أو الاستعانة بنصائح وآراء الأخرين مجددًا، وبالتالي أصبح يعتمد على نفسه في اتخاذ القرارات بشكل منفرد تمامًا.  

يكمن التعامل مع هذه الشخصية الصعبة في إمكانية تغيير أفكاره وليست سلوكياته، لأن تلك الأفكار الوهمية التي تمكنت من نفسه هي أسباب العناد الذي يعانيه.

أولا ابتعد عن إطالة النقاش أو الجدال حول الموضوع سبب الأزمة، لأن النقاش سوف يستنفذ منك الوقت والمجهود الذهني أثناء محاولات إقناعه بأخطائه.

ثانيا إذا كان الأمر يتعلق بكما بشكل مشترك فعليك بالتحدث معه في البداية عن خطورة قراره أو تصرفه، ولكن إذا رفض تصحيح الأوضاع فعليك التحرك فورًا للقيام بالتصرف الأمثل وعدم إضاعة وقتك في نقاش غير مفيد ولا طائل منه، وبالطبع هذا في حالة كنت متأكد أنه مخطئ فيما يقوم به.

ثالثا تجنب مجاراة ذلك الشخص العنيد في حديثه الفج أو العصبية المفرطة، وذلك لأن هذا تقليل من شأنك وأيضا سوف يخرج بكما خارج نطاق الموضوع محل الأزمة والنقاش ويتحول إلى مايشبه الحرب العالمية الثانية حين خسرت كل الدول من الزمن والإمكانيات والمجهود، وبالتالي فأنت تخسر وقتك وقيمتك وتهبط بمستواك إلى درجة متدنية من النقاش، كن رجل أفعال وليس أقوال.

رابعا إذا كان ذلك الشخص العنيد من دائرة عائلتك وتعاني معه الكثير من الصدامات والخلافات فحاول أن تستعين بأحد أفراد العائلة ذي كلمة وشخصية قوية داخل العائلة من أجل الفصل بينكما وتصحيح العلاقة المتوترة، وإلا فحاول تجنب هذا الشخص قدر الإمكان.

خامسا إذا كان يجمعكم مكان عمل واحد فحاول أن تبتعد بمهام عملك عن ذلك الشخص قدر المستطاع، وذلك عن طريق الاستعانة بزملاء أخرين في إنجاز بعض المهام أو مساعدتك فيها، ولكن في حال شاءت الظروف أن يجمعكم مشروع مشترك أو عمل جماعي واحد فحاول في البداية أن تتجنب الصدام معه، ولكن في كل الأحوال ضع مصلحة العمل في المقدمة قبل كل شئ واعمل ماتراه مناسبًا وسليمًا.

هل العناد نوع من الأمراض النفسية

لاينبغي عليك أن تعامله كمريض بشكل مطلق، ولايجب عليك أن تنسى أنه إنسان مثلك تمامًا بغض النظر عن صفته الشخصية، لذلك كن لطيفًا معه قدر الإمكان وتجنب أن تعامله معاملة المريض النفسي، وأيضا حاول التحدث معه بشكل هادئ في اللحظات التي يكون فيها بعيدا عن العصبية والأزمات، وحاول إقناعه بتعديل سلوكه وطريقة نقاشه موضحا أنك تسدي إليه النصائح من باب الإرشاد وليس النقد والسخرية.

إن التعامل مع الأشخاص العنيدين ليس بالأمر الغريب، وفي نفس الوقت لايمكننا القول بأن تجنب هؤلاء الأشخاص قد يجنبنا العديد من المشاكل، فنحن لانعيش بمفردنا على هذا الكوكب الواسع بل تعيش معنا أصناف وأنماط كثيرة من البشر، وعلينا أن نتعامل مع كل شخصية بما يليق بها ويتناسب مع صفاتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *