تاريخ

“القاطرة البخارية” من ضخ المياه إلى السكة الحديد 

محمد أحمد كيلاني 

عَرف المهندس والكيميائي الاسكتلندي “جيمس وات” أن محركه البخاري يمكن أن يكون له استخدامات لا حصر لها، فبالإضافة إلى الاستخدام الذي صممه من أجله في الأصل وهو ضخ المياه من المناجم، فقد كان يُستخدم أيضًا في حشو القطن، لذلك بدأ يُفكر في استخدامه لدفع المركبات، وكانت المشكلة أن تلك المُحركات كانت كبيرة جدًا لأنها تعمل بالبخار “منخفض الضغط”، وتحتاج إلى أسطوانة ومكثف ومضخة هواء منفصلة، وكانت الطريقة الوحيدة لتقليل حجمها هي تصميم واحدة تعمل تحت ضغوط عالية، وهذا قد يزيد من خطر الانفجار، وحصل وات على براءة اختراع للمحرك الجديد وتصميمه الأول للقاطرة البخارية في عام 1784، وفي نفس العام، بنى مساعده “ويليام مردوخ” نموذجًا مصغرًا لعربة بخارية ذاتية الدفع، فلنتعرف أكثر على تاريخ القاطرة البخارية.

تاريخ القاطرة البخارية

بمجرد التغلب على العيب الرئيسي، شرع العديد من المهندسين والمخترعين في إيجاد طريقة لبناء قاطرة مربحة اقتصاديًا، ولكن من أجل ذلك كان عليهم الانتظار حتى تنتهي صلاحية براءة اختراع وات على المحرك البخاري.  

وحدث ذلك في عام 1800، وفي العام التالي قام ريتشارد تريفيثيك، في إنجلترا، وأوليفر إيفانز، في الولايات المتحدة، بتصميم محركات تستخدم البخار عالي الضغط، وبعد ذلك بعامين، قامت شركة “كولبروكديل” للحديد ببناء أول قاطرة لتريفيثيك، لكننا لا نعرف عنها سوى القليل، ولم يبق سوى رسم ورسالة كتبها المخترع إلى صديق، وجاء نص الرسالة على النحو التالي: “نحن لا نعرف حتى إذا كان يعمل”.  

واستمر الإنجليزي في إتقان آلته بمرور الوقت، وفي 21 فبراير عام  1804، تمت أول رحلة قطار في التاريخ، وذلك عندما نقلت إحدى قاطراته خمس عربات محملة بعشرة أطنان من الحديد، وعلى متنها سبعون راكبًا بسرعة تقارب 4 كيلومترات في الساعة على طول خط السكة الحديد الذي يبلغ طوله 16 كيلومترًا تقريبًا، والذي يربط مدن بينيدارين الويلزية بأبيرسينون، والذي كان يستخدم لنقل الحديد والفحم.

وقد استمر تريفيثيك في بناء القاطرات حتى عام 1808، لكن قلة الاهتمام بها – حيث كانت باهظة الثمن وثقيلة – جعلته يستسلم.

تطوير القطارات 

بعدها استولى على العصا رجل إنجليزي آخر، وهو ماثيو موراي وذلك في عام 1812، عندما بنى قاطرة بخارية ذات أسطوانتين أطلق عليها اسم “سالامانكا”، وذلك تكريمًا لدوق ويلينغتون وانتصاره في معركة الأرابيلز. 

وقد أدخل موراي تحسينين، فقد قام بتقليل الوزن لمنعه من كسر القضبان، وقام بتحسين الالتصاق بها باستخدام عجلة مسننة، بحيث كانت أيضًا أول سكة حديدية ذات حامل في التاريخ.

وفي عام 1813، وفي إنجلترا أيضًا، قام مشرف منجم للفحم يُدعى ويليام هيدلي، والمهندس جوناثان فورستر، والميكانيكي تيموثي هاكورث ببناء قاطرة بافينج بيلي.  

وعلى عكس قطار موراي الذي كان يعمل فقط من خلال التصاق حاجز العجلة، بدون حامل، فلقد حققوا ذلك من خلال توزيع الوزن بين عدة عجلات، وتم استخدامه لنقل الفحم من منجم ويلام إلى الأرصفة في ليمنجتون أون تاين، في نورثمبرلاند، على الحدود الاسكتلندية.

وبعد مرور عام، أقنع جورج ستيفنسون، مدير منجم كيلينجورث، بالسماح له ببناء قاطرة بخارية،  وكان مستندًا في ذلك على أعمال مواطنيه تريفيثيك وموراي وهيدلي.

وقام ستيفنسون بتحسين نماذج أسلافه بشكل كبير، فالأول كان مبنيًا على تصميم موراي، وبعد مرور بعض الوقت، أطلق عليه اسم بلوخر تكريمًا للجنرال البروسي، الذي كان تقدمه بالمسيرات القسرية لمساعدة ويلينغتون في واترلو حاسمًا لتحقيق النصر.  

وكان النموذج الذي أنشأه يمكنه نقل قطار وزنه 30 طنًا بسرعة 6.4 كم/ساعة، ويقال أن هذا النموذج قد اتبعه خمسة عشر نموذجًا آخر، وذلك على الرغم من عدم وجود دليل على وجودهم جميعًا.

تاريخ السكة الحديد 

جاء نجاحه الكبير مع الصاروخ الذي صنعه من أجل تجاربه في رينهيل (Rainhill) وأُطلقت مسابقة في أكتوبر عام 1829، لأن مديري خط السكة الحديد في ليفربول ومانشستر، الذين كانا قيد الإنشاء منذ عام 1826، لم يكونوا واضحين ما إذا كان القطار الذي خططوا لربط هاتين المدينتين يجب أن يتم سحبه بواسطة قاطرة أم بواسطة كابلات مدعومة بمحرك بخاري ثابت.  

ولاتخاذ القرار، قاموا بتنظيم مسابقة المواهب، وتم تقديم خمس قاطرات كان عليها السفر لمسافة ميل واحد وإجراء سلسلة من الاختبارات، واستمرت هذه المسابقة لمدة ستة أيام وحضرها حوالي خمسة عشر ألف متفرج، وقد وصل واحد فقط إلى النهاية، وهو الصاروخ، الذي حصل على جائزة قدرها 500 جنيه إسترليني، وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت.

ومنذ ذلك الحين، أصبح البخار مصدر الطاقة المهيمن على السكك الحديدية في جميع أنحاء العالم لأكثر من قرن من الزمان، وكان المقياس الدولي الذي يبلغ 1435 مترًا، الأكثر انتشارًا في العالم، وهو الذي اختاره ستيفنسون لقاطرته، لأنه هو المقياس المستخدم في المنجم الذي كان يعمل فيه.

أقرأ أيضاً.. السفينة الشراعية الإسبانية.. وجه الهيمنة الإمبراطورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *